لقد كان المسلمون الأوائل مع قلة زادهم ومحدودية طعامهم وشح مائهم، كثيري الصوم، بل ان بعضهم كان يتحرى اليوم الشديد الحر لكي يصوم فيه تلمساً للأجر والثواب وترويضاً للنفس وتدريباً للجسد، بالإضافة إلى أن عدداً من الفتوحات الإسلامية وبعضاً من أهم المعارك والانتصارات كمعركة بدر وفتح مكة وغيرها من الحروب قد وقعت في شهر رمضان المبارك، وفي العصر الحديث نجد أن حرب 10 رمضان الموافق 6 أكتوبر 1973 ضد العدو الإسرائيلي قد وقعت في هذا الشهر المبارك. ونحن نعلم ما في القتال من جهد وحركة ومهارات يحتاجها الإنسان في التغلب على خصمه.
ولكننا اليوم، ومع كثرة الطعام ركنا إلى الراحة والاسترخاء وعدم الحركة. كذلك اكتسبنا عادة سيئة وهي كثرة الأكل حتى التخمة على موائد الإفطار لتسبب لنا هذه الظاهرة أمراضاً كثيرة كمرض السمنة والسكر وازدياد نسبة ترسبات الدهون في الأوعية الدموية، إذن نحن أمام ظاهرة جديدة فيها كثرة تناول الطعام أي زيادة ما يدخل جسمنا وقلة الرياضة والحركة التي تحرق هذه المواد الغذائية، أي بمعنى آخر لا إحراق أو مخرج لهذه الأطعمة، فالنتيجة كما ذكرت ‘’أمراض’’ ناتجة عن سوء في التغذية.
ومن مشاكل السمنة أنها تجعل الشخص السمين كأنه يحمل ثقلاً إضافيا على وزنه المثالي فإذا كان وزن الشخص المثالي 70 كيلوغراماً ووزنه الحالي 110 كيلوغرامات فكأنه يحمل معه 40 كيلوغراماً على ظهره، والغريب أننا نستثقل أو ربما نعجز عن حمل كيس الرز الكبير الذي زنته 40 كيلوغراماً، ونقول أننا من المستحيل أن نفعل ذلك، ولكن البعض يحمل هذا الوزن - وربما أكثر - في داخل جسمه، وهو يمشي ويصعد وينزل، وهذا الوزن الزائد يشكل ضغطاً كبيراً على مفاصله وعظامه مما يسبب له التهابات في المفاصل، فبالرياضة والصوم يستطيع المرء أن يقلل من وزنه ويصل إلى الوزن المثالي. وبالتالي تخف عنده هذه الالتهابات وتآكل المفاصل.
وهناك طريقة سهلة وتقريبية لحساب الوزن المثالي وهي أن تأخذ طولك بالسنتيمتر وتنقص منه مئة، فمثلاً إذا كان طولك 170 سنتيمترا، فإن وزنك المثالي 70 كيلوغراماً تقريباً.
وتتسبب زيادة الأكل في زيادة نسبة الكولسترول في الدم وهذا الكولسترول يقوم بالترسب في جدران الشرايين ويسبب بالتالي الجلطات الصغيرة والتي تقوم بدورها بإعاقة مرور الدم إلى بعض الأجهزة والأعضاء المهمة مثل الدماغ والقلب، فإن سدت هذه الجلطات الدماغ فإن الإنسان يصاب بالشلل في بعض أجزاء الجسم كاليد أو الرجل أو الوجه، وإذا حصل انسداد في عضلة القلب فإن القلب يقف عن العمل لفشل العضلة عن العمل المستمر. فالصوم والرياضة تقللان من نسبة الدهون والكولسترول في الدم وتجلبان الصحة والسلامة للجسم.
ومن هنا تتجلى حكمة رب العالمين في فرض الصوم مرة في السنة وذلك لأن البشر ليست لديهم السيطرة على شهوة الطعام وكذلك يركنون إلى الخمول وعدم الحركة فكان فرضاً من الله العلي القدير أن يصوم الإنسان لكي يلجم هذه الغريزة الإنسانية لحب الطعام، وكذلك فرض عليه الصلاة عبادة ورياضة روحية وبدنية يرى البعض أنها لا تؤدي الرياضة بمعنى الصحيح، ولكن الأبحاث تشير إلى أن الصلاة تحرك أكثر مفاصل الجسم وغالبية العضلات وان ليست بالحركات العنيفة، ولكنها تبعد الخمول عن جسم الإنسان وتنشطه أيضاً فالمؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلاهما خير، أو كما ورد في الحديث الشريف.
لذا يجب أن يراعي الإنسان عند الجلوس على مائدة الإفطار ماذا يأكل وما هي الكمية التي يجب أن يأكلها، ولا ينساق وراء الملذات والأطباق الشهية كل الانسياق، بل يلتقط شيئاً من كل شيء. وإذا كان سميناً، فيجب عليه أن يحرص على ممارسة رياضة، أية رياضة، سواء كانت مشياً أو ركوب دراجة أو سباحة؛ وذلك لأن الحركة تحرق المواد الغذائية وتساعد على استهلاك المخزون الغذائي في جسم الإنسان وتجدد خلاياه وأنسجته. كما أن الصوم يقلل ممما يدخل جسم الإنسان فتكون بمثابة ‘’ريجيم’’ أو حمية إلهية للتخلص من السموم القديمة الناتجة من التخمة وتبديل أنسجة الجسم بخلايا جديدة يافعة.
كما أن الصوم يقوم بإعطاء كل أجهزة الجسم وخصوصاً الجهاز الهضمي والمعدة قسطاً وافراً من الراحة لأن هذا الجهاز يعمل باستمرار وعلى طول السنة لهضم وامتصاص الغذاء، وفي هذا الشهر تتوقف المعدة لمدة 12-14 ساعة يومياً على الأقل، فهذا يعطى هذا الجهاز فترة لتجديد طاقته وخلاياه.