في مقال طويل عن تصريحات رئيس الجمهورية "الثالثة" حول رفع الدعم عن السكر والبنزين" منشور في الراكوبة للكاتبة اللماحة "حليمة عبد الرحمن ، إستوقفتني في المقال قصص غاية في الطرافة ، أولـها مقترح خاص بـ "تكرير نسخة من السكر للغلابة" ، وأعتقد بأنـها فكرة عملية جداً ، وستوفر للحكومة جهداً مقدراً ، وحلولاً معتبرة لأزماتـها المتلاحقة ، يعني تمش الدكان تلقى "السكر مكركر نسخ" ، تشوف نسختك وتشتريـها دون عناء ، وممكن تتخيل شكل النسخة الأكثر مشاهدة ، سكر زي الطين وإلى "المولاص" أقرب ، وكان طلعت من ذوي الجيوب الغليدة تشتري "سكرك" أبيض زي ورق السجائر ، وياريت لو الكاتبة عممت الفكرة على اللحوم ولأنـها لا يمكن تكريرها فممكن يطلع قانون "محلي" بإلزام "الناس" بأن تشتري الكمونية والجقاجق والبمبار ولحم الراس وعضام الهندي ، أما الفخد والفليتو والسنكار والزند وماشابـها من اللحوم "عجالي وضان" فيحرم الإقتراب منـها والتصوير تتمطق بس.
وثانيـها حكاية الرجل الذي تمت إستضافته في التلفزيون خلال أيام العيد وقدم تفصيلاً لمهنته غير المطروقة في مجتمعاتنا وهي "هندسة القبور" ، ودي كمان قصة تانية ، وبدل الدراسات الإجتماعية والنظرية الفارغة دي ما لو لو إتبنت وزارة التعليم إنشاء كليات "هندسة" للقبور ، أصلو الناس مادائرة تبني وبتفضل الموت ، فالأفضل إنو طلابنا يقرو قراية معتبرة ، ويمين بالله مافي خريج من هذه الهندسة حايكون عاطل ، ياخي العاصمة "من الفقر والعوز" بس فيـها أحمد شرفي وفاروق وحمد النيل غير مقابر حلة حمد والبكري ، ومن أسي يرفعوا نسبة القبول للدخول لـهذه الهندسة عشان ما يدخلـها كل من هب ودب ويبشتنو لينا موتانا ساي.
والقصة الثالثة تتعلق بتشبيه الكاتبة لسياسة حكومة المؤتمر البطني بسياسة "راجل المرتين" ، ودي بنرجع ليـها بعدما تقرو كلام الكاتبة الموجوعة "حليمة عبد الرحمن"
وبشأن المقترح الخاص بتكرير نسخة من السكر للغلابة فقد أشارت :
(( .........المفارقة الغريبة أن نشر اللقاء جاء متزامنا مع اجتهادات بعض رجال الدين المحسوبين على النظام، والتي تم فيها دمغ الغلاء بصفة الابتلاء الرباني ، ليبدو الأمر كأن الحكومة لا ناقة لها فيه ولا جمل، و بالتالي يتوجب على الشعب الصبور، القبول والتسليم به كأنه قضاء منزل والاحتساب إلى يوم الحساب ولا عزاء " للشفقانين". وبما ان هذه الحجة لن تنطلي على الشعب ، لان الكتوف لن تتلاحق ابدا في هكذا وضع اقتصادي، فما المانع في أن تخصص الدولة سكر (تكرير فاخر) للمقتدرين، ونسخة تكريرية شعبية للغلابة والكادحين، تسلم للأول في فيللته ، وتباع للثاني في حلته (عملا بهذا رجل وذاك كراع)، ومنذ الآن فإنني أضمن للحكومة أن باقي الشعب الفضل من ناس حلتي لن يقول بغم...........)).
وعن لقاء رئيس الجمهورية وسياسة راجل المرتين فقد أوردت الكاتبة :
((............هذا عن السكر باعتباره سلعة فائدتها على مستوى الاستهلاك الشخصي ليست كبيرة، اما ان يترافق رفع الدعم عنها ، برفعه عن سلعة البنزين، (كيتن) في الاغنياء ، فذلك ما لم استطيع هضمه. أن تكون سياسة الدولة معنا أشبه بسياسة (راجل المرتين) الغاضب منهن، فيهجر البيت نكاية في الاثنين، فهذه سياسة تحتاج إلى وقفة. فاذا كان الاغنياء هم الاكثر استخداما للسكر، فهم الاكثر مقدرة على شرائه مهما غلا وعلا سعره، بينما يشكل شاي الصباح مع قطعة خبز، افطار الصباح لمعظمنا وربما وجبة عشاء كذلك بنفس الكيفية، خاصة مع اختفاء صحن "سلطة الدكوة" الرئيسي من حياتنا بعد ان تعززت طماطمه، وفاق سعر الكيلو منه ضعفي سعر كيلو التفاح.
لكن رغم هذا الواقع (الماسخ)، الا ان غلاء السكر وندرته، لم تمنع مخيلة العامة من صنع مصلحاتها "السكرية " الفاهمة، فكانت "ست اللهيج السكري" والسكر نقع " و"قالوا قطعة سكر" وغيرها من المصطلحات الشاعرية، و الباذخة الطعم في توصيف النساء نغما وطعما......)).
وعن حكاية مهنة هندسة القبور فقد أوردت الكاتبة :
((.........لو سايرنا الرئيس في منطقه بان دعم السكر والبنزين يصبان في مصلحة الأغنياء ، فإننا بنفس المنطق يمكننا الادعاء بأن دعم التعليم يصب في خانة المدارس الخاصة، ودعم الدواء يصب في خانة المستشفيات الخاصة، و دعم البنزين- إن كان الرئيس يقصد بذلك البترول- لا يصب في مصلحة الاقتصاد بصورة عامة وإنما يستفيد منه فقط الأغنياء ومالكي السيارات الخاصة والشاحنات والحافلات ، وان ترشيد المياه يصب في مصلحة صهاريج الأغنياء.. إلخ.
لا يخفي عليكم كيف سيكون الحال لو اضرب الفقراء عن استعمال السيارات، حتما ستبور سيارات مصنع جياد، وربما تختفي تبعا لذلك انشطة مرتبطة بالمرور وربما تختفي كذلك حوادث المرور، وتبور مهنة حفاري القبور، ويمكن الاستطراد بهذه الكيفية إلى ما لا نهاية، مرور ببوار جمعيات حسن الخاتمة الخاصة بالمقابر وربما هندستها.
وفي هذا الشأن، شاء حظي العاثر ان أحضر جزءا من حلقة قدمتها احدى القنوات الفضائية السودانية خلال فترة العيد، فاستضافت رجلا في بداية الخمسين من عمره، يتمتع بصحة جيدة وبنية سليمة ، كان يتحدث بمنتهى الفخر عن مهنته التي عشقها و أطلق عليها اسم "هندسة القبور" والتي لأجلها ترك مهنة الهندسة التي درسها، وجاب عددا من البلدان الأوروبية والإفريقية والعربية، ووقف في جميع تلك البلدان على هندسة قبورها، كما قال. كان الرجل يتحدث بكل فخر عن براعته الهندسية (القَبْرية) ، دون أن يكلف نفسه بالسؤال: أيهما الأولى بالحياة، ان يساهم في بناء مساكن بسيطة التكلفة للمساكين ، أم يحفزهم على مغادرة هذه الحياة الفانية إلى قبره "المُهَنْدس"؟ .........)).