تأليف/رضا الهجرسي
لحظة غباء
..................
مد أنامله المرتعشة وفتح دفتره ذات الغلاف الأسود ..
وقع بصره علي التاريخ المسجل في أولي صفحاته ..قرأ العنوان المكتوب
- الحساب الأول ..كلية الطب ..أم ..كلية التجارة ..
تنفس بعمق وأغمض عينيه ..وتذكر سؤال أبيه له ..ماذا قررت ..أنت تعلم
يا بني وضعنا المادي ..نعم نحن مستورون والحمد لله ..ولكن مصاريف
الجامعة شئ آخر .. كلية الطب الذي يؤهلك مجموعك لها تفوق طاقتى ..
وطلب من أبيه أن يمهله يوما ليقرر ويجيبه ..وهنا واتته فكرة الدفتر ..
وأطلق عليه ..دفتر الحساب ..وأعتبرها في حينها أنها فكرة عبقرية من
عبقرى مثله ..ودون حسابه الأول ..بعد أن دون مصاريف كلية الطب
وسنوات دراستها الطويلة ..ودون مصاريف كلية التجارة وسنواتها الأربع
قرر دخول كلية التجارة ..وطمأن أبيه أن مصاريفه لن تزيد ..
ومن يومها ودفتره لا يفارقه ..
مد يده المرتجفة وأحضر قلما ودون في نهاية هذه الصفحة ..
لحظة عبقرية ..
ثم أخذ يقلب في صفحات الدفتر ويشم رائحته العفنة التي أثارت أنفه ..
أعتدل مذعورا حين وقع بصره علي صفحتها المعنونه بإسمها ..
- حساب هند السمرى ..
في غضب تلقائى أطاح بيديه الدفتر علي أرضية الغرفة راجعا بظهره مغمضا
عينيه ..عائدا إلى أقسي كوابيس عمره ..
- لو سمحت ..أهذا جدول محاضرات سنة أولي ..
- أنا مثلك تماما ..لا أعرف ..
ومنذ هذا اللقاء القدرى ..لم يفترقا ..
كانت تحجز له بجانبها أذا سبقته في الدخول لقاعة المحاضرات..
علم عنها كل شئ ..فهي من عائلة ثرية ..
وحرص هو ألا تعلم عنه ألا اليسير ..
لم يبث أحداهما مشاعره الجياشة للآخر ..ظنوها أمرا مسلما به ..
أربع سنوات مرت كالحلم وهذه آخر محاضرة وبعدها يتحقق حلمه وحلم أبيه
جلسا متلاصقين كتفا بكتف كعادتهما ..وهو ينصت بأهتمام وتركيز للمحاضر
وضعت أمامه دفتر مفتوحا مكتوب به ..
- لقد آتى إلي منزلنا المعيد سامي ..ليخطبني ..ما رأيك ..
في عفوية رفع يده طالبا من المحاضر مغادرة القاعة ..ولم ينتظر موافقته ..
أسند ظهره علي الشجرة التي رأت وسمعت أحاديثهم طوال أربع سنوات ..
أخرج دفتره ذات الغلاف الأسود ..وفتح صفحة جديدة ..وكتب ..
- حساب هند السمرى ..والمعيد سامي ..وبدأ يسجل بحيادية تامة مميزاته
وعائلته الكبيرة المشهورة ..ومستقبله الزاهروالمضمون ..
وأخذ يكتب أمام كل ميزة في سامي عيبه المقابل لها ..
حتي وصل إلي الحب ..فكتب ..
أعشقها وتحبني ..وهذا لا يكفي ..
أحس قلبه بخطواتها وشم عبيق عطرها الذي كان يعلن عن قدومها قبل أن
يراها ..جلست أمامه محدقة في عينيه ..نشق نفسا عميقا زفره بقوة ..
تناول دفترها وسجل به قرار ذبح قلبه لباقى عمره ..بكلمة واحدة ..
مبروك ..
رفع دفتره ذات الغلاف الأسود وفتح صفحتها ..
تناول قلمه وسجل في نهاية الصفحة ..
لحظة غباء ..
( النهاية)