هم فئة في البشر يعاني منها البشر ، وللأسف هم كثيرون ،
متعددون ، متلونون تماماً كالحرباء التي تتشكل على حسب
ما يحيط بها من تضاريس البيئة .
اكتشافهم صعب للوهلة الأولى ، وسهل بعد عدة تعاملات
معهم ، ورغم اجادتهم فن المراوغة والملاينة والمسكنة الا
أنهم – لحسن الحظ – يقعون في أخطاء من صنعهم هم
أنفسهم ، لماذا يقعون فيها وهم يجيدون فنون الخداع الهادئ ؟؟ .
الجواب هو : لكل جواد كبوة ، لا أحد من البشر يستطيع مثل هذا
الخداع الاجتماعي على طول الخط ، فاذا كانت هناك مجموعة
كبيرة من البشر غفلت أو تغافلت عنهم فهنالك بالمقابل مجموعة
أخرى أقل تترصد مثل هؤلاء وتبرع في صيد واكتشاف أخطائهم
التي تشير اليهم !! ...
والنفاق المقصود هنا ليس النفاق الشرعي الذي هو أشد بمراحل
من النفاق الاجتماعي ، فالأول يخرج من الملة – والعياذ بالله –
والثاني لايخرج من الملة ولكن فيه أضرار ومساوئ اجتماعية
على المدى القصير والمتوسط والطويل ، والمقصود في هذا
الموضوع التكلم عن :
النفاق الاجتماعي
وهو بكل أسف كثير ومنتشر في أي بيئة اجتماعية ، يأخذ عدة
أشكال وأنماط على حسب نوع تلك البيئة .
يشكو الكثير من الناس – ذوي الضمير الحي خصوصاً – من مثل
هؤلاء النوع من المنافقين الذين يسيرون معهم في البداية في
أول الخط باستقامة ظاهرية خادعة ، وفجأة بعد ذلك في احد
اللحظات يحصل أمر من الأمور المتوقعة وغير المتوقعة في
المعاملات مثلاً وتتكشف الامور على حقيقتها ، فيظهر هذا
المنافق واضحاً جلياً على صورته الحقيقية التي للأسف لم تكن
متوقعة منه ابداً ...
ترى كيف السبيل لتجاوز عقبة المنافقين هؤلاء ؟ ...
وكيف الخلاص من حيلهم وخداعهم ؟ ...
الحل والجواب يكون من جهة الشخص الذي يواجه في معاملاته
هؤلاء المنافقين المتلونين أن يكون :
حذراً في التعامل معهم
ومتيقظاً لتصرفاتهم
وذكياً في الأخذ والرد في الفعل والقول معهم
وعارفاً لمواقع التسرب الخداعي منهم
وكتوماً في أسراره الشخصية لايذيعها لهم
ومجيداً في التحكم النفسي الشعوري تجاههم
طبعاً ما ذكر من الحلول هو شيء من شيء ، ولكن ما ذكر
عنهم هو أهم شيء .
وكثيراً ما يرتبك المنافق لدى اكتشاف أمره ، ويتلعثم في الكلام
والجواب اذا سئل أو نوقش عن أمر ما يكون هو المسؤول عنه .
وهناك أشخاص لديهم فراسة قوية تكتشف هذا المنافق عن
بعد قبل أي تعامل مهم معه ، ولا عجب أن كان من الناس من
يكون صاحب قوة احساس في الناحية الاجتماعية خاصة ، ومنهم
من يجيد نسج الفخاخ الذكية الكلامية أو الفعلية ليسقط فيها
المنافق بدون شعور أو يكون في حرج شديد لا يدري كيف
يتصرف تجاه انكشاف أمره ! ، طبعاً مثل هؤلاء الأشخاص قليلين
ولكن هم مهمين في المجتمع كالمسبار الذي يكتشف الأغوار
خصوصاً الذين عركتهم التجارب وشحنتهم الخبرات المتنوعة
في التعاملات مع بني البشر .
ويلاحظ في وجه المنافق – اذا اكتشف – عدم التماسك في
حركات وجهه ، والخضوع في نبرات صوته ، وكل من رآه على
هذه الحال أخذه الريب تجاهه ولابد .
وبالمناسبة مثل هذا النفاق موجود أكثر في الاشخاص من
الجنس الواحد ، أي النساء مع النساء ، والرجال مع الرجال
أما في حالة اختلاف الجنسين ( رجل وأمرأة ) فالنفاق هنا له
شكل آخر يمتزج ببعض المصالح والرغبات من الطرفين أو
أحدهما ، وقد يكون على شكل حب زائف مغلف بخداع محكم ، كالخيانات الزوجية مثلاً .
وطبعاً مداراة الزوج لزوجته أو الزوجة لزوجها لايكون نفاقاً اذا كان
القصد من أحدهما تجاوز سوء الفهم بينهما ، وكذلك بين المحبين
اذا كانا يريدان تأسيس حلقة تفاهم بينهما في طريق الزواج .
ونفس الحال ينطبق في مداراة الناس بين بعضهم في المعاملات
العامة التي تكون فيها المجاملات مثلاً تحسباً من وقوع سوء
الظن أو المشاكل من الغير ، هي كذلك لا تسمى نفاقاً بل نوع
من السياسة في التعامل .
وهؤلاء المنافقين أنواع ودرجات ، منهم :
الشخص الكذاب ( ان كان معروفاً به أو غير معروف به )
والشخص النمام ( الذي ينقل الكلام بين الناس لقصد الافساد بينهم )
والشخص المتطفل ( الذي يلاصقك في كل شيء لغرض مادي )
والشخص المداهن ( الذي يخضع لك لغرض ما في نفسه )
والشخص الحاسد ( الذي ظهر حسده أو لم يظهر )
والشخص الوصولي ( الذي يستطيع عمل أي شيء لغايته )
.
وقد يجمع المنافق الاجتماعي نوعين أو أكثر على حسب درجة
خطورته في المجتمع .
وطبعاً هذه الانواع ليست كلها ، ولكن أهمها .
وهذه الانواع – كفانا الله شرها وسوء طبعها – يجب أن يكون
التعامل معها تعاملاً خاصاً في نطاق ضيق ما أمكن ، لأن التوسع
في التعامل معهم في كل شيء تكون عاقبته غير محمودة غالباً
لأنك في أي تعامل تريد أن تتعامل مع شخص ثقة وكفؤ يمكن
الاعتماد عليه ، يكون لك لا عليك ، يكون معك صافي النية بوجه
واحد لا بوجهين ! .
وطبعاً الوقاية خير من العلاج ...