الخرطوم: عبد الوهاب جمعة:
دوماً كان للأثرياء المقدرة الفائقة على تحويل العادات البسيطة الى مظاهر مفاخرة .. ثم ما يلبث ان يتلقفها البسطاء لتقصم ظهورهم .. كثيرة العادات السودانية المميزة التي تحض على التعاون بين الناس التي اختطفها الاغنياء واستخدموها في اظهار مدى حبهم للملذات والتفاخر في ما بينهم في سباق لا متناه في استعراض الثروة والجاه، وتدريجيا يستعيد البسطاء تلك العادات بعد ان امتلأت تفاخراً.. وما حدث لعادة فطور العريس من تعاون بسيط الي مظهر بذخى يعتبر مثالاً .. والآن فتح الاغنياء جبهة حرب جديدة في نسيج المجتمع المتهتك بالغلاء.. ?نها « شاي العريس ».. «الصحافة» كانت في قلب أحد أحياء الأثرياء المترفة ترصد رحلة حافظة شاي كانت دولة بين الاغنياء منهم.
بدايات جميلة .. نهايات تعيسة
في البدء كان فطور العريس فكرة بسيطة من اهل العروس لمساعدة اهل العريس في اطعام اقاربهم الآتين من بقاع السودان المختلفة، وكانت الاسرتان متقاربتين في السكن، ولم يكن الفطور سوي «صينية» صغيرة من الطعام.. سرعان ما طورها الاثرياء الى الشكل الذي يعرفه الناس الذي وصل لحد اشتماله على عشرات الاصناف، ورحلة بعشرات السيارات الي اماكن تبعد مئات الكيلومترات، لينتهي بآخر الصرعات باهداء اهل العريس تلك السيارات التي تحمل الطعام.
زوجة أرخميدس الخرطوم.. وجدتها وجدتها
وفي لحظة من غياب العقل والفكرة تساءلت امرأة ممن عرفت بملء فراغ وقتها صائحة لما لا يكون هناك شاي للعريس؟ وسرعان ما تلقف الجميع الفكرة وطوروها الى شكلها الجديد .. عشرات من حافظات الشاي والقهوة تحمل على بكاسي تتجه الى اسرة العريس في الصباح الباكر .. وفي احد احياء الخرطوم التي تقع شرق المطار كانت المصادفة وراء رؤية العالم الواقعي للبذخ والترف في أقوى صوره
وتحت ظل شجرة في انتظار شخص مسافر الى احدى الولايات، وكان المنزل المجاور يشهد فرحا لاحظناه من كشافات الانارة وحركة الداخلين والخارجين من المنزل في الصباح الباكر .. وبعد دقائق بدأ عدد من الشباب والشابات في تحميل عربتي بوكس بعدد كبير من حافظات الشاي والقهوة .. حسنا انها عشرة، خمس عشرة، اربع وعشرون .. اصدقكم القول تعبت من العد، توجهت نحوهم بنية تقديم المساعدة وسألتهم عن ذلك، اجاب شاب وكانت آثار السهر بادية على عينيه المتورمتين: شكرا بنشيل في شاي العريس، وسريعا ما التفت قافلا ليواصل التحميل، وبعد الانتهاء خرج ?ن المنزل ويبدو أنه المسؤول عن اعداد الشاي والقهوة، ليضع لمساته الاخيرة واعطي اشارة باصبعه دلالة على العمل الممتاز. وقال الطباخ، ونتحفظ على اسمه، لأننا لم نعرفه على طبيعة عملنا الصحفي، انه اعد لاهل العريس كل انواع الشاي من الشاي الفلت وشاي التي باق والاخضر والشاي العشبي والكشري والهندي، ويضيف اما القهوة فإنها بكافة اشكالها من القهوة الخليجية والتركية والمكاوية وقهوة الاسبرسو الايطالية والكابتشينو والموكا التي هي خليط بين الفرنسية والايطالية وخليط الكاكاو الساخن والقهوة المثلجة.. وتركته دون ان يتم حديثه لأنن? لم افهم تلك الانواع، ولم تكن لدي ورقة وقلم لتسجيل اسمائها.
نهاية حكاية .. محنة لآلاف الشباب
انتهت القصة؟ لا انها البداية، وسريعا ما تلاحقت أوانٍ وصوانٍ تحمل شتى انواع البسكويتات والتورتات والحلويات.. صاح الطباخ نحوي بنبرة من يريد استعراض مهاراته «سأريك انواعها» مضيت في حال سبيلي وكأني لم اسمع حديثه، واحدث نفسي على طريقة كتاب أناشيد المناهج التعليمية في قصة الابن مع والده عندما طلب من احضار نجم من السماء او عربة فارهة حمراء فاجاب الأب «يا بني النجم كان أقرب».
منقول من جريدةالصحافة