حملت الأنباء خبراً يشير الى قيام نظام الإنقاذ بإلغاء الحفل الغنائي الذي كانت تنوي المطربة المصرية شيرين عبد الوهاب إقامته باستاد الخرطوم ، وذلك على خلفية مطالبة أحد نواب المجلس الوطني لحكومة ولاية الخرطوم بإيقاف هذا الحفل بحجة إهانته للشباب الذين تمت دعوتهم للإنخراط في معسكرات الدفاع الشعبي والمشاركة في المعارك التي يخوضها النظام في أكثر من جبهة ، هذا بالإضافة الى الضغوط التي ظلت تمارسها بعض الجماعات السلفية والتي كانت قد وصفت الحفل قبل إقامته (بالحفل الماجن) .
ويذكر إن خبراً عن هذا الحفل كان قد نشر في صحيفة الراكوبة الالكترونية أشار الى أن الملصقات الخاصة بالإعلان عنه ، قد تم نشرها بواسطة اتحاد الفنانيين السودانيين الجهة المنظمة للحفل والتي حددت فئات الدخول بمبلغ مائتين جنيه سوداني بالتمام والكمال .
لا شك بأن هذا النائب المحترم كان بعيد النظر في تخوفه من توقيت الحفل ودعوته الى ايقافه بإعتباره مهيناً للشباب الذين تمت دعوتهم للذهاب الى مناطق القتال ، لأنه يعلم تمام العلم بأن الإستاد كان سيمتلئ عن كامل سعته بمن لاعلاقة لهم بالقتال من أبناء مسئولي نظامه من الوزراء والمعتمدين والمستشارين بالمركز والولايات ، ومن الذين أنشأت لهم المنظمات الخاصة ، وبالمتمكنين من شاغلي الوظائف العليا التي لا تتناسب مع تاريخ تخرجهم من الجامعات ، وسيتسابق اليه ابناء الطبقات الطفيلية التي تمددت بعد أن وجدت مناخها المناسب في الفساد الذي أصبح في كل شيئ . فهذا النائب بعيد النظر يعلم بأن قيمة دخول هذا الحفل تفوق مقدرة الذين يطالبهم نظامه بالتوجه الى القتال إنابة عنه ، من الذين طحنتهم العطالة أو الكادحين باليومية وصغار العاملين بالدولة ، فهؤلاء البسطاء لا علاقة لهم بهذا الحفل سوى بسماع صدى صوته من ميدان (جاكسون) المجاور لمكان إقامته ، وهم يلهثون وراء وسيلة مواصلات تنقلهم الى أحيائهم الفقيرة على أطراف العاصمة ، التي هاجروا اليها من مناطقهم التي دمرتها الحرب ومن مشاريعهم المروية التي أقعدتها الخصخصة، ولن يتثنى لهم مشاهدته الّا عبر زجاج هذه المركبات وهي تعبر أعلى الكبري الذي يمر جنوب الإستاد المقام عليه الحفل .
ولتجنب الحرج والإهانة بسبب هذا الحفل مع من يطالبهم نظام النائب المحترم بالذهاب الى مناطق القتال ، كان الأجدى له أن يقنع نظامه بالمصادقة على إقامته ، شريطة أن يكون المعنيين منه بالتعبئة ضيوفاً على شرف تلك الأمسية ، علي أن يقوموا فور ختامها بإصطحاب الحضور معهم الى معسكرات الدفاع الشعبي للتدريب وإرسالهم الي مناطق القتال للدفاع عن منابع البترول ، لأنه مصدر ثروتهم ودلالهم والنهر الذي تدور على ضفافه سواقي فساد آبائهم ، فشباب السودان (الغبش) الذين يشعلون حماسهم ويدعونهم للإسراع بالدفاع عن التراب الوطني وعن هويتهم (العربية) المستهدفة ، لا يعرفون من هي شيرين عبد الوهاب ، لكنهم يعلمون تماماً بأن مطالبتهم بالتوجه الى مناطق القتال ليست من أجل التراب الوطني ، الذي لم يستدعونهم للدفاع عنه في حلايب أو الفشقة ، إنما من أجل الدفاع عن هذه الثروة التي يتمتع بها غيرهم ، فهم لم يشعروا بهذا البترول في حياتهم اليومية ، حيث لم ينعكس عليهم كوظائف تنهي عطالتهم ، ولا في صحتهم أوتعليمهم ، كما لم يضع حداً لحالة الفقر المزمنة التي تعيشها أسرهم.
وقد عبر عن هؤلاء الشباب بصدق الكثير من المعلقين على الخبر في صحيفة الراكوبة الإلكترونية ، وكان أجملها وأصدقها ذلك التعليق الذي أكد بأن الحضور سيقتصر على أبناء مسئولي النظام مستنداً في تأكيده على حفل مشابه أقيم بنادي الضباط ، مضيفاً بأن ما سيساعدهم على ذلك هو خزينة الدولة وسياراتها التي تحت تصرف آبائهم الذين يرددون صباحاً ومساء (هي لله هي لله) بينما يردد أبنائهم خلف المطربة المصرية (أنا مش بتاعت الكلام ده ) .
طارق محيسي - الراكوبة