[
محمد عبد الله برقاوي..
bargawibargawi@yahoo.com
لا أحد ينكر على الاعلام ان كان رسميا ينطق باسم السلطان كما هو الحال في بلادنا السودان أو في أى وطن من الأوطان أو كان حرا ينطق بصوت ولسان الانسان بغض النظر عن الزمان والمكان أن يكون له دوره في تغذية الشعور الوطني أو القومي وتنمية عاطفة الأمة تجاه الأرض والعرض ، ولكن بعيدا عن الشحن المفرط الذي يؤجج النعرات ضد الآخرين وتأليب الرأي العام خدمة لهوى مجموعات من أصحاب الغرض الذين تمهد لهم السلطات بساط الانزلاق في عيون الناس والارتماء في المسامع صباح مساء حتي باتوا مادة ممجوجة تدفع الأصابع الى الهرب ناحية القنوات والموجات الأخري نأئيا عن وجهة النظر الواحدة وكأنها المنزلة المعصومة كما يروج لها الممسكون بسوط جلد الآخرين بالتخوين والعمالة تحقيرا لمسوغات اختلافهم وان كانت تستند الى عقل و منطق!
وذلك الهروب المشروع يكون بدافع البحث عن الوجه الآخر من الصورة التي قد يجد فيها الباحث بعقله المفتوح وليس المنغلق على عاطفته المستهدفة قسرا ما يمكن أن يستشف منه الكثير من بواعث الازمات ويتتبع خطوات دربها حتى يصل الى الحقيقة التي أوصلت الى نتائجها الكارثية !
فعلى خلفية أزمة هجليج الاخيرة وحتي انتهائها المشوب بحذر التخوف من وميضها الذي يرقد تحت تراب أكثر من هجليج أخرى ، فلا يخفى على أحد مثلما استغلت الانقاذ حركة الشارع بهجة باستعادة كرامة مسروقة من حارس غافل أو متغافل وجيرتها لصالحها تماما باعتبارها تأييدا لها كسلطة في حد ذاتها بالقدر الذي كاد أن يسلب عن تلك العاطفة الملتهبة حبا للوطن ثوبها المثالي الخالص ويجرها بعيدا عن محدودية زمانها ويحملها أكثر من بعدها أبعادا تصب فى مسارب تخدم سياسات نظام الانقاذ الرامية الى تدمير الوطن فوق ما هو منهك بالحروب والجوع والفقر وسوء الخدمات وتهتك جسور المودة مع العالم الخارجي وهو ما سيتأتي بذات النتائج السلبية التي أفرزتها تفسيرات الانقاذ قبلا للوقوف الشعبي مع الرئيس البشير باعتبار أن ذلك يمثل اهانة للشخصية السودانية وليس مساندة للرجل في حد ذاته حينما طلبته المحكمة الجنائية!
فالكثيرون على قناعة بما فعله البشير في شعبه تقتيلا وتشريداوتمزيقا للوطن ، ولكن االنخوة السودانية الجياشة والعارمة التي أضاعت كثيرا من حقوق هذا البلد وأهله بالتسامح والتهاون ، وهو ما دفع ذات الرجل الى المزيد من التعنت في مواقف تحديه للداخل والخارج وجعله يتخذ من تلك الوقفة لا فرصة لمراجعة النفس ومعاتبة ونقد الذات واصلاح اعوجاج منطقه وارساء قواعد العدل والالتفات الى الشان الداخلي بتساوي في المعايير بعيدا عن الجهوية والانحيازات الاثنية التي تفتق الجراحات، وانما على العكس تماما اعتبرها درعا يحتمى خلفه ويطلق العبارات كالشرر لترتمي في منزلقات زيت الازمات وتوسع من دائرة اللهيب المستمرة طيلة فترة حكمه غير الحكيم !
ذات السيناريو يتكرر الان وتلتقط الانقاذ القفاز في خبث ودهاء تقوية لقبضتها الباطشة لتزيد اللطم على خد ذلك التسامح الشعبي الذي صعر لها في غمرة دهشته وانشغاله بمصائبها المتكالبة ولم يتوقف عند مربع محاسبتها على التقصير انسجاما مع حساسية المرحلة وخصوصية الأزمة !
ونجد أن الاعلام الذي سارمجرورا في ركب الحكومة قد لعب دورا تعبويا مريبا فاق حجم القضية باضعاف!
ولعل غياب الجانب الحر المقابل لوجه أعلام السلطة هو ما وسع من دائرة تحرك آلته الموجهة وأتاح لها من فسحة مرور الرياح الملوثة بالغرض الذي يجاوز تداعيات الحدث في اتجاه تسميم ما تبقي من العلاقات بين شعبي الوطن في الشمال والجنوب خلطا بين الذي يخص الانظمة الحاكمة والذي يتعلق بالاوطان والأمم التي تبحث عن مستقبل آمن لعلاقاتها قفزا فوق ما يريده الحكام خدمة لذواتهم وبقائهم ولو على اشلاء الجسدين الذين انهكتهما جراحات ومرارات ، يستوجب صوت العقل والحكمة تجاوزهما واسقاطهما من الذاكرة المشتركة لا أحيا الامهما !
ان اهمية الاعلام الحر أ و على أقل تقدير المحايد تتجدد الان أكثر من أي وقت مضى لا يقاظ الوعي الجمعي لامتنا التي لفها كثيرا تعتيم الظلام الاعلامي الدامس والمسخر لخدمة أهل الحكم وليس غيرهم وحجب عنها الوجه الاخر للحقيقة، وقد بذلت الانقاذ كافة امكانات الشعب لتجعل من اعلامها المدجن والمسيّر بوقا ضوضائيا غوغائيا سمجا!
وليس ادل على ذلك مثالا من نبش اعلام النظام المسمى ظلما قوميا ومن سار في ركبه من الاعلام المسخ ،لمحارق الشباب التي أشعلتها الانقاذ قبلا في الجنوب ، ثم عادت لتطفئها بهشيم السلام الجاف الذي ما لبث أن اشتعل في أكثر من مكان ، وهاهي تعيد الكرة الى منطقة التعبئة الدينية باستفزاز الذاكرة المجروحة بايام الجهاد ، لربطها بواقع جديد لا يمت للصراع الديني بصلة ، لانه ببساطة صراع لصوص نام أحدهما عن بضاعتنا التي يسرق ريع بيعها من دم شعبه أو تناوم، فسطا عليها الآخر ، فولول أهل الانقاذ من فقدها ولم يحاسبوا أنفسهم أولا ولو استحياء وخجلا من فضيحة الوزر االجلل !
ولكن الناس بطيبة خاطر لأجل عيون التراب الذي يكحّل عيونهم بعزته فرحوا لاسترداد حقهم وليس لان الحاكم هو صاحب الحق الأصيل والمسترد!
نحن ندرك حقيقة أن الاعلام في اى مكان لا يمكن باية حال أن تنعتق يدا وقدما حريته مطلقة بالكامل من ثالوث اثافي المال و العقيدة السياسية وقبضة المصالح ، ولكن رغم كل ذلك يظل بحثنا عن الاعلام المتوازن في حريته حقا مشروعا لنا لاينبغي أن تقعدنا دونه فرضية الاستسلام لقيود الاعلام الذي يفتقر الى الحد الادني من معقولية الطرح ومسئؤلية البحث عن المعالجات المنطقية لاسيما في الازمات المصيرية التي لا تحتمل مسايرة الحاكم بكلام المحاباة الأجوف على عواهنه!
آن الأوان لتتعدد الأصوات لمقابلة ذلك الصوت المشروخ والشائخ لاعلامنا الذي تجاوزه الزمن وتخطته العقلية المعاصر ة التي تحترم عقول الاخرين ليشاركوها التأمل والتفكر ، لا ليصبحوا أبقارا لا تعرف لوجهتها سبيلا الا وفق ضربات سوط راعيها ، أو كما ارادت لنا الانقاذ والتها الصدئة والتي لم تعد تعزف شيئا مما يشنف المسامع !
فهلا شحذنا الهمم وأسرعنا الخطى للوصول الى امتلاك ما يوصل صوتنا حرا ومجردا من كل غاية ذاتية ، ويكون مبتغانا هو صالح الوطن والتعبير عن أهلنا الذين سرق صوتهم زمانا طويلا !
فمن قال بسم الله فلن يخذله الرحمن في عونه ، انه نعم المستعان ..
وهو من وراء القصد ..