موضوع: الذين باعوا ...صانغيهمّ! الثلاثاء 15 مايو 2012 - 8:45
الذين باعوا صانعيهم!
محمد عبد الله برقاوي.. bargawibargawi@yahoo.com
تتأكد دائما في عالم السياسة وصراع الحكم حقيقة النظرية التاريخية التي تقول ان الحاكم الذي يريد البقاء طويلا في السلطة ، تجده يتخلص ان عاجلا أو آجلا من الذين أوصلوه الى الحكم! وبذات العقلية التي يشتت بها الآخرين من مناوئيه وان اختلفت الكيفية التي قد تنقسم في الحالة الثانية الى مسارى التفتيت واضعاف الكيانات ومن ثم ترغيب القاصية أو تدويخ القوى على الأقل لتحييده ، ان لم ينجح أسلوب الضرب والحرب في تركيعه ! وهي نظرية تترسخ بصورة عملية ومنذ غابر التاريخ .في جزئها الأول ! وتصبح رذيلة الجحود واحدة من العوامل الأساسية التي تجعل نفس الحاكم تسول له بالقضاء على صانعيه حتي يزيح عن طريق صعوده الى الأعلي عقبات شعورهم بالمنة عليه ومنازعته القرار فيعيقون بالتالي تمدد نفوذه اما بالوصاية أو بالتدافع نحو قياد رسن الدولة ، الذي يريده خالصا في كلتا يديه ، فيجنح من ذلك المنطلق الكثير من الحكام متى ما شعروا بقوة شوكتهم في اتجاه الانفراد بالقيادة ، الى فبركة اسقاط من ساندوهم على ركوب سرج السلطة ويطمحون في مشاركتهم الى آخر المشوار! وقد تصل المفاصلات أحيانا الى حد التصفية الجسدية في حدها الأقصي ولا تقل في حدها المتوسط عن ايداع السجن ربما مدى الحياة أوما يسمى تخفيفا الاقامة الجبرية أو تنتهي في حدودها الدنيا الى احالة الشريك العائق الى متجول في سرادقات العزاء و المناسبات الاجتماعية الأخري مثل الحالة السودانية ، ليجتر فيها الطرف المبعد مرارة الشعور بجزاء سنمار !
فعلى مستوى محيطنا الزماني والجغرافي الاقليمي القريب والبعيد مثلا ، نجد مثالا حيا على ذلك ، حينما أنقلب محمد على حاكم مصر في القرن الثامن عشر على علماء الأزهر وعلى رأسهم الشيخ / عمر مكرم و الذين بايعوه ونصبوه حاكما ، ولكّنه ما لبث أن نّكل بهم ونفاهم في الأرض وأنقلب على الأزهر كمؤسسة تعليمية دينية وقلّص من دوره حتي لايصبح حكمه بين كماشة وصايته أو يصبح هو رهينا بسطوة العلماء عليه ، ولم يقف ذلك الدأب حتي بعد الثورة عام 1952 التي حبست ما سميت بمجموعة ضباطها الأحرار أكبرهم رتبة وهو اللواء محمد نجيب حتى غادر الفانية ! وأكثر من ذلك فعلت بقايا ضباط ثورة مايو بقيادة نميري بمنظريها وحلفائها من أهل اليسار وباعتهم الى أعواد المشانق ودروات الرصاص بعد أن اعتلت بهم وعلى رايات شعاراتهم ثم دفعتهم بعيدا ! وبقى قائدهم وحده من بعد ذا طويلا وقد تخلص من رفاق انقلابه ذاتهم الا من ارتضي بفتات الموائد! ولم تسلم الثورة الايرانية الاسلامية من دواس الثيران نحو الكراسي والمقامات ، في الصف الأول بعيدا عن قرون كبيرهم المقدس سواء في حياة الامام الخميني أو حتي في ظل المرشد الحالي على مدى عمر نظام الملالي الذي أزهق من الأرواح في ذلك الصدد وغيره أضعاف من ذهبوا ضحايا في نظام الشاه! وعلى المدى المعاصر أيضا، قذفت انقاذ البشير بعرابها الشيخ الترابي وقرصان سفينتها الى يم التنكر ورمته رخيصا بابخس الأثمان و تحّجرت هي طويلا على الأنفاس! وهكذا فعل القذافي برفاق السلاح وحافظ الأسد وصدام حسين وعلى عبد الله صالح وزين العابدين بن على الذي صعد على الأكف الراجفة لخرف متبنيه وأبيه الروحي الحبيب بورقيبة ! فحكم كل أولئك عقودا طويلة ومنهم من ورّث حكمه لمن هو أسوأ عنه ! والتاريخ حافل بالأمثلة التي لا يتسع المجال لسردها كلها ! هذا من حيث التطبيق الطردي لتلك النظرية ، وفي حالات الحكام الذين يصلون بالبيعة من منطلق ديني أو يخرجون من بين غبار الثورات أويرثون السلطة بدعوى اعتبارات تاريخية لأسرة أو بادعاء تميز نسب ما أومن يقفزون عليها بانقلاب عسكرى مدعوم من فئة بعينها من القوى السياسية المدنية ! ولكن من الطرف الآخر يظل تطبيق النظرية عكسيا في حالات الحكام الذين تأتي بهم الديمقراطيات الحقيقية فيصبح الذي يتخلص من الحاكم حتي لا يبقى طويلا الا اذا حقق ما وعد ووفقا لفترات محدودة يسميها الدستور، هي الشعوب وحدها بحسبانها من يملك ذلك الحق وبارادتها الحرة في الاختيار والتكليف والازاحة! وحينما يتأبي أصحاب العينة الأولى أن يتزحزوا وان طال الملل بشعوبهم ، أمثال من تبقوا عالقين برقاب أوطانهم وشعوبهم طويلا في السودان وسوريا ونسبيا في اليمن مثلا كالأفاعي السامة التي تلدغ وتحطم العظام ! ساعتها لا يكون أمام الشعوب الا خيار الثورات ، للتعجيل بقطع رأس تلك الحية ليخمد بقية جسدها الى الأبد ، فردا كان أو مجموعة متسلطة على البلاد والعباد وبغض النظر عن ذرائعها ومسوغات تحايلها ونفاقها لاستحلاب العواطف أو استمالة العقول ، فمن يتنكرون لصانعيهم ، لا غرو في انهم يمكن أن يفعلوا شتى الألاعيب ويتبعون اقذر الأساليب ليظلوا طويلا ، رغما عن شعوبهم ، تراودهم أنفسهم الضعيفة بالخلود ، وما الخالد الا وجه الله . وهو من وراء القصد..
إبن عفيف
موضوع: رد: الذين باعوا ...صانغيهمّ! السبت 19 مايو 2012 - 13:30