ياورقة سلام
وبي طريقتك دي يوم بتكتل ليك كافر في صمة خشمو
ياخي الحكاية بقت ماشة والمصريين مصيبتهم ياداب بدأوا
نحن الحمد لله الجماعة عندنا اليومين يشيلوا ويندبوا في "حظوظنا" الوقعتنا في "حركتهم"
المهم في الأمر ..
(( من المؤسف والمفهوم معا أن ننظر فيما يحدث الآن في مصر وما يقال وما يناقش. فنجد مكان الثقافة شاغرا, كأنها لم تعد موجودة, جاءت دعوة اوركسترا النور والأمل للعزف هناك علي اشهر واقدم مسارحها والمعروف باسم مسرح مانويل وهو شبيه الي حد بعيد بدارالأوبرا المصرية القديمة ويتسع لاكثر من 500 شخص. ولم تعد تثير الاهتمام, ولم تعد قادرة علي تفسير ما مر بنا وما يمر في الماضي والحاضر, والأخذ بيدنا إلي المستقبل الذي لم ننجح في الاقتراب منه حتي الآن.
وأخشي أن أقول اننا لم ننجح حتي في تصوره, لأننا لا نستطيع أن نتصوره, أو نتخيله إلا بثقافة كافية تضع أيدينا علي دروس الماضي وحقائق الحاضر. لقد تعرض تاريخنا القديم والحديث لسلسلة متواصلة من أعمال التشويه والتزييف والتحقير التي أفلحت في دفعنا أو دفع الكثيرين منا إلي التبرؤ من ماضينا وحاضرنا بقصد أو بدون قصد وها نحن نبحث حولنا عما يدل علي أن لنا ماضيا نعتز به وحاضرا نتقدم فيه واثقين, وشخصية قومية نحافظ علي عناصرها الحية فلا نجد إلا آثارا باهتة.
بلادنا أصبحت كلها عشوائيات متجاورة مختلطة, العشوائيات الزرية التي بناها الريفيون المهاجرون في أطراف المدن والاحياء الكبري التي تحولت شوارعها وعمائرها ومتاجرها إلي عشوائيات, مواقف سيارات, وأساليب معمارية مختلطة وألوان متنافرة, وملابس من الشرق والغرب, بنطلونات أمريكية, وسراويل وصديريات أفغانية, وعباءات إيرانية, ونقب ـ جمع نقاب ـ بدوية, وأسماء أجنبية وفوق ذلك كله القمامات والمزابل! وبعضنا يرد ذلك إلي الفقر وقلة ذات اليد.. لكنه تفسير قاصر, فالاحياء الشعبية والقري الفقيرة كانت في الماضي القريب أنظف وأجمل ألف مرة مما صارت إليه الأحياء الراقية في العاصمة الآن, أو التي كانت في الماضي راقية. بيوت الطين كانت امتدادا حيا لطمي النيل, والخضرة ممتدة, والترعة نقية جارية والبط يسبح والديك يؤذن دون أن يحتاج لميكروفون!
ليس الفقر هو المسئول عن قبح الحاضر أو ليس هو وحده وإنما تقع المسئولية أولا علي ما عانيناه خلال العقود الماضية من شعور ساحق بالهزيمة والتبرؤ من الذات والتنكر للاصول. المسئولية تقع علي هذه العدمية القومية التي عشناها نتيجة التربية المعوجة التي تلقيناها والنكبات السياسية التي تعرضنا لها والثقافة التي جعلت الدين خصما للوطن, وخيرت المصريين بينهما, كأننا نستطيع أن نكون متدينين دون أن يكون لنا وطن أو يكون لنا وطن دون أن تكون لنا عقيدة. أليس هذا هو المعني الذي نفهمه من دعاء خطباء الجمعة: اللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا! أي أجعلها في أي ركن آخر من أركان وجودنا, في المال, والبنين, وفي السياسة والوطن, ولا تجعلها في الدين؟ وفي ظني أن ثقافة البداوة هي مصدر هذا الدعاء. لأن البداوة لا تمكن الإنسان من إقامة علاقة حميمة مستقرة بالمكان, وربما كانت هذه الثقافة البدوية الموروثة سببا رئيسيا فيما حدث للمسلمين في الأندلس, وما حدث للفلسطينيين في فلسطين. لقد فروا بدينهم حين أحسوا بالخطر, وكانوا يعدون بالملايين. ولو تكتلوا وتشبثوا بأرضهم, كما فعل أهل البلاد المسيحيون من قبل لاحتفظوا بالدين والوطن معا.
وأنا أنظر للهجرة المصرية التي أصبحت كثيفة فلا أشعر بالطمأنينة علي مصير المهاجرين ومصير أبنائهم. لأن الهجرة تتم بشروط تضع المهاجرين المصريين في ظروف صعبة مهينة. في البلاد العربية أو في أكثرها يعامل المهاجرون المصريون. كما يعامل الخدم, لأنهم محرومون من الثقافة الوطنية التي يدافعون بها عن أنفسهم, وفي البلاد الأوروبية يعجزون عن الاندماج لأنهم محرومون من الثقافة الإنسانية الحديثة التي تجمع بين البشر علي اختلاف اصولهم, ولأنهم بالعكس مزودون بثقافة تغري بالعزلة والانغلاق, وتثير فيهم الشعور بأنهم معرضون لأن يفقدوا تقاليدهم وعقائدهم, ويضيعوا في غربة لا ساحل لها ولارجعة منها.
بل إنهم يعانون هذه الغربة في وطنهم الذي يعيشون فيه حياة ناقصة بسبب الثقافة التي تجعلهم يكرهون ماضيهم المجيد كأنه لم يكن إلا جاهلية كالجاهلية التي سبقت الإسلام في جزيرة العرب, في الوقت الذي تعلمهم هذه الثقافة أن يعتزوا بتاريخ هيمن عليه الغزاة والطغاة! إنك تقرأ الآن ما يكتب وتسمع ما يقال فلا تجد إلا شتائم مقذعة تكال للفرعون وتتحدث عن طغيانه. وأنا لا أقول بالطبع إن الفراعنة أقاموا نظما ديمقراطية لكني أقول أنا وعلماء الدنيا جميعا إنهم أقاموا حضارة شامخة انتصر فيها الخير علي الشر, والطمي علي الرمل, والوادي علي الصحراء. ولاشك في أن المسيحية والإسلام كانا اضافة لنا ولغيرنا. لكننا أضفنا نحن أيضا للمسيحية والإسلام.
آباء الكنيسة المصرية بلوروا عقائد المسيحية في عهدها الأول, وعلماء الأزهر حفظوا للإسلام علومه, وجددوا فكره في العصور الماضية, وفي عصر النهضة الذي ظهرت فيه أجيال جديدة من المثقفين والسياسيين الذين صالحوا بين الإيمان والعقل, وبين الدين والوطن, وبين مصر القديمة ومصر الحديثة, وبين ثقافة الغرب وثقافة الإسلام حتي كانت هذه الردة الحضارية الشاملة التي تسبب فيها الاستعمار الصهيوني من ناحية, والانقلاب العسكري من ناحية أخري, واستخدمتها النظم الرجعية, وغذتها أموال النفط فوصلنا إلي هذه الأوضاع المتردية التي ثرنا عليها ولم نخرج منها حتي الآن.
لقد أقام الصهيونيون مستعمرتهم في فلسطين علي اسطورة أرض الميعاد التوراتية فبرروا للإخوان المسلمين دعوتهم لتطبيق الشريعة واحياء الخلافة, واستفزوا الضباط المغامرين وشجعوهم علي القيام بانقلابهم الذي هدم أسس النهضة, وقضي علي النظام الديمقراطي الوليد, واضطهد المثقفين الاحرار, وقاد البلاد إلي سلسلة من الهزائم أفقدتنا ثقتنا في المستقبل, فلم يبق أمامنا إلا أن نهرول في طريق العودة إلي الماضي أملا في دخول الجنة التي وعد بها الإخوان والسلفيون من أعطوهم أصواتهم في الانتخابات, وتلك هي ثقافتنا الآن!
كيف إذن نحقق الشعارات النبيلة التي رفعها ثوار يناير في ميدان التحرير, وضحوا من أجلها بدمائهم الزكية وكتلوا حولها ملايين المصريين وأسقطوا حكومة الفساد والطغيان؟ كيف نبني الديمقراطية ونحن نظن أن الديمقراطية انتخابات وأصوات تباع وتشتري؟ وكيف نمتلك علوم العصر وقد اصبحت جامعاتنا كتاتيب مفتوحة للمشعوذين الذين يريدون أن يعالجونا ببول الإبل؟ وكيف تكون الدولة مدنية ومرجعيتها دينية؟ وكيف تزدهر الثقافة والقانون المصري يسمح بحبس عادل إمام؟ ولماذا غاب سؤال الثقافة عما يدور وما يقال وما يناقش في مصر الآن؟!
الثقافة ليست مجرد عرض ممتع أو رواية مسلية وإنما الثقافة شرط أول للحياة الإنسانية. لا سياسة بلا ثقافة. ولا عمل بلا علم. ولا إنتاج بلا خبرة. ولا تقدم بلا تفكير وتدبير. الكتابة ضمنت الخلود للحضارة المصرية القديمة والإسلام بدأ بفعل إقرأ. والثورة الفرنسية بدأت بعصر الأنوار. والنهضة المصرية بدأت بالطهطاوي, وانتهت بحسن البنا!)) الاهرام المصرية "الدكتور أحمد عبد المعطي حجازي"