أم صوفة ذلك الاسم الذي له وقع في أنفس كثير من المراسة، وهي صفة تطلق لمن يحتسي المريسة، وهي نوع من الخمر البلدي يصنع من تخمير الذرة "الفتريتة"، وبعد تصفية هذا الخليط، يستخرج منها رواسب تدعى" المُشُكْ " وهو بمثابة علف للبهايم.
وأم صوفة التي أعنيها تقع في الحصاحيصا على الضفة الغربية للنيل الأزرق، شرق الحلة الجديدة وبين طريق مدني الخرطوم والبحر، وكانت هذه الانداية مكونة من مربعين من المباني يفصل بينهما شارع واحد قاحل لا أشجار فيه ويحدها من ناحية الجنوب ساحة بها شجرتان من النيم يوجد فيها سوق مصغر يباع فيه جميع مستلزمات السُكْر من سلطات ولحوم لزوم الشواء بالإضافة إلى ذلك يوجد حلاق متنقل يقبع تحت إحدى تلك الشجرتين، وتفضي تلك الساحة إلى موردة الحطب قبل أن تنقل إلى موقع كرانيك عمال المقاول الموسميين الذين يجلبهم للعمل في خدمات حليج القطن في محالج الحصاحيصا الذائعة الصيت، حتى في آخر الدنيا في لانكشير في بلاد "اللنقتيرة"، يعرفون أن هذا القطن عالي الجودة يرد إليهم من محالج في مدينة سودانية تقع في وسط السودان وفي مشروع الجزيرة اسمها "هساهيسا"، عليهما الرحمة والرحمة هنا للاثنين، المحالج وقد فقدناها، والرحمة الثانية لمدينة الحصاحيصا حسب ما ينبهنا ويحذرنا الأخ حسن وراق سوف تفقد بريقها قريباً.
والنقلة الثانية لموردة الحطب كانت حسب آخر زيارة لي للحصاحيصا كان خلف مصنع الصداقة للغزل والنسيج، أيضاً الله يرحمة.
ومن ناحية الجنوب للإنداية توجد مزرعة عبد الحفيظ للدواجن والتي تقع خلفها قرية ود الكامل.
وهذا حسب ما يقول أهل المساحة وصف كروكي للموقع من الخارج وندلف إلى داخل الإنداية لنرى الحال من الداخل، فالمسئول عن إدارة الإنداية هو إمرأة يطلق عليها لقب شيخة الإنداية والموظفين أو الموظفات الذين يعملون في خدمة الزبائن يطلق عليهم سقاه " يا سقاة الكأس من عهد الرشيد"
والإنداية من الداخل عبارة بيت مكون من حوش ورواكيب على جدران الحوش من ناحية الشرق والغرب وفي الوسط بين الراكوبتين ساحة للمناورة وفي الناحية الجنوبية توجد بعض الغرف وهي عبارة معامل لتجهيز المريسة والعرقي، واستراحة للشيخة والسقاة.
وللإنداية قوانين وشروط إذا أخلت بها شيخة الإنداية، تعرض نفسها للعقوبة، ,أهم هذه الشروط عدم تقديم أي مشروبات للرواد بعد مغيب الشمس، داخل مبنى الإنداية لذلك تجد أن هنالك شرطيين من شرطة السواري يقومان بإطلاق صافرة قبل مغيب الشمس لكي يكون إنذار أولي لإخلاء المكان، وعند سماع هذه الصافرة يبدأ الذين خلصوا شربتهم بالذهاب إلى منازلهم لقضاء ليل هادئ مع أحلام جميلة.
أما الذين لديهم باقي من شربة يأخذون مريستهم بالعبارات أو العرقي بالقارورات وينحدروا نحو ضفة النيل لتعمير القعدة خارج الإنداية على ضفاف النيل تحت نظر ورقابة الشرطة، مش زي حالة الزمن الحالي.
وصفارة السواري قبل المغرب تذكرني بالحال للبارات في إنجلترا حيث تفتح أبوابها من الحادية عشر صباحاً إلى الحادية عشر مساءاً، وقبل ذلك الوقت بربع ساعة يصيح البار مان Last Round ، وهذا بمثابة إنذار لمن سرقه الزمن أن يعبئ كأسه الأخير ويودع الموقع.
نفس النظام الإنجليزي في الشربة نجده في الإنداية، وفي الختام أقدم لكم الوصايا العشر لمرتادي الأنادي وقد وردت في كتاب الإنداية للطيب محمد الطيب وهي :-
لا تنوم في الإنداية .
لا تجلس جوار الباب
لا تملص نعلاتك وكان ملصتهن يكونن تحت كرعيك .
لا تنضم كتير .
لا تقسم الشراب .
لا تفوّت كاسك .
أقعد فوق سرجك .
ضهرك يكون على الحيطة .
عكازك فوق كرعيك .
حمارك لا تمرقو من عينك .