I knew she trying عرفت أنها تحاول

عرفت أنها تحاول ببراعة مجاراة هداياي البسيطةفصيحة البيان و ذلك حينما إبتاعت لي من متجر الأدوات المكتبية الصغير على ناصية الكليةحرف أسمي الأول بالإنجليزية مطرزا كحلية جلدية موشاة الحواف لسلسلة مفاتيح مذهبة.و حالما دست هديتها العبقرية بين يدي ونحن نصعد الدرج الخشبي العتيق الذي لا يكاد يكف عن رفع عقيرته بصرير بغيض كلما حللنا على متنه لم تكد تمد يدها حتى تلقفت الهدية بغبطة طاغية وفركتها بين يدي بحركة عفوية لا أعرف لها تأويلاً بل دسستها بلهفة هناك بين أنفي وفمي وكأني تلميذ مخبول يحاول تعلم الأبجدية بحواس أخرى. يا لله... إكتسب ذاك الحرف أهمية قصوى لا علاقة لها بأسمي أو بقيادته الأزلية لموكب الأبجدية الرازم أوبوقوفه منتصبا مهيبا على سدة أبوابها. والأن و رغم أنف سجلي الدراسي المثخن بالجراح أصبح (A) أول و أرفع علامة تقديرية مميزة أنالها كطالب مثابر في أكاديمية الحب الباذخة.
ضجيج
شعشعة متقطعة ورنات متواترة كسرت سكون الغرفة الغارقة في هدأة قيلولة مسالمة. رسالة عجلى حطت رحلها على سطح ذاكرة هاتفها المحمول أرجواني الرداء بلوري الأزرار. تمللت قليلا ثم مطت جسدها المتثائب في محاولة لإلتقاط الهاتف الرابض على الطاولة الخشبية الشهباء. أرخت أعينها على البريد الأثيري بلا مبالاة متعمدة يخالطها كثير ضجر. بدا أن صبرها قد نفد تماما من إنقضاض رسائل الحب المسجوعة المعلبة الكترونية الروح رقمية الوجه خاوية المعنى. وبمكانيكية إستعادية إستحضر ذهنها ذاك التعريف المقتضب الجاحد (عديم اللون والطعم والرائحة) كان أجدر بتعريف كذاك أن يدخر لهذه الفجاجة الإلكترونية. لم تجد الا أن تغمد بصرها في جوف لوحة البحر المعلقة على الجدار المقابل وكأنها تستعصم بفضاءاتها وتستجير بزرقتها الهائلة ولبرهة أغمضت أعينها و أبحرت بعيدا كجزيرة خرجت للتو عن أبوية البر وأختارت أن تقف هناك وحيدة بين البحر و البحر.
شعب وحرية
كتاب صدر في أوائل حقبة الستينات من القرن المنصرم وقد حفظته لنا مكتبة دار الوثائق السودانية ضمن مقتنياتها الأثيرة. ولعل اللافت أن الكتاب قد صدر لمؤلفة وكاتبة سودانية شابةصغيرة السن حينها لكنها إستطاعت رغم يفاعتها أن تقدم مساهمة متميزة للمكتبة السودانية في وقت ندرت فيه المساهمات النسائية في حقل الصحافة والأدب والإبداع بوجه عام.
وقد صدر الكتاب للكاتبة نور الشام قرشي صاحبة وكالة حواء للإعلان في ذلك الزمن وقد إعتبرت الوكالة مساهمة أخرى مهمة ونقلة نوعية في الإهتمام بحقل الإعلان وتقديمه للمجتمع كعلم و فن له دوره المقدر والمؤثر على الصعيد الإجتماعي و التجاري والإقتصادي.
وكانت الكاتبة قد إقتحمت بحب وإصرار و جرأة نادرة مجال الإعلام وهي بعد يافعة فكان من نصيبها أن تتلمذ على أيدي عمالقة ودهاقنة الإعلام من أمثال رحمي سليمان محمود أبو العزايم محمد الحسن أحمد وأحمد باشري - لهم الرحمة -.
و قد أظهرت نور الشام حذقا ودربة في كتابة المقالات الإجتماعية والأدبية وما لبثت أن بدأت في جمع و تصنيف المقالات و حشدها في كتاب قيم شارك بالكتابة فيه نفر كريم من أصحاب الأقلام المتميزة في الشأن الإجتماعي و الحياتي و الثقافي و الإقتصادي والتاريخي والسياسي من أمثال فاروق أحمد إبراهيم عبد القادر العايد محمود وصفي حسن أبشر الطيب الرشيد عبد الوهاب وأحمد إسماعيل شيلاب.
فكان ميلاد كتاب (شعب و حرية) المضمخ بروح الثورة والتغيير وإستشراف المستقبل والإرهاص بالآتي. و الكتاب يموج كذلك بالفيوض الأكتوبرية وهو ما بدا جليا في عنوانه وتصميم غلافه الذي أبدعه التشكيلي الفذ والحاذق عثمان وقيع الله بلوحة ناطقة ومؤثرة تمثل الجموع الأكتوبرية الحاشدة وهي تمور هادرة ليستجيب القدر وتنقشع الحلكة.
الجدير بالذكر أن الكتاب قد صدر عن وكالة حواء للإعلان وأشرفت على طباعته وإخراجه مطبعة الزمان.