حديث المُسَيَّبِ بْنِ حَزْنٍ قَالَ: لَمّا حَضَرَتْ أَبا طَالِبٍ الْوَفاةُ جاءَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَوَجَدَ عِنْدَهُ أَبا جَهْلِ بْنَ هِشامٍ وَعَبْدَ اللهِ بْنَ أَبي أُمَيَّةَ بْنِ المُغِيرَة، قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لأبي طالِبٍ يا عَمِّ قُلْ لا إِلهَ إِلاّ اللهَ كَلِمَةَ أَشْهَدُ لَكَ بِها عِنْدَ اللهِ، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ وَعَبْدُ اللهِ بْنِ أَبي أُمَيَّةَ يا أَبا طَالِبٍ أَتَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِ المُطَّلِب فَلَمْ يَزَل رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَعْرِضُها عَلَيْهِ، وَيَعُودَانِ بِتِلْكَ المَقالَةِ حَتّى قَالَ أَبو طَالِبٍ، آخِرَ ما كَلَّمَهُمْ، هُوَ عَلى مِلَّة عَبْدِ المُطَّلِبِ، وَأَبى أَنْ يَقُولَ لا إِلهَ إِلاّ الله، فَقالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أَمّا وَاللهِ لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ ما لَمْ أُنْهَ عَنْكَ فَأَنْزَلَ اللهُ تَعالى فِيهِ (مَا كانَ لِلنَّبِي) الآية. متفق عليه.
الشرح:
فيه حرص النبي صلى الله عليه وسلم على هداية عمه وقرابته امتثالا لقوله تعالى ( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ) فينبغي على الداعية أن يجعل لقرابته نصيبا في الدعوة كما للأبعدين ولا يهملهم لأن لهم حقا خاصا عليه وهم أولى الناس بالخير والهداية. وفيه أمل الداعية وعدم يأسه من هداية الناس ولو عظم ضلالهم وطالت عداوتهم وانتهازه الفرص المناسبة لدعوتهم فالنبي صلى الله عليه وسلم لم ييأس من هداية عمه عند احتضاره ورحيله من الدنيا. وفيه أن الدخول في الإسلام يكون بالتلفظ بالشهادتين فهي أول كلمة تجب على العبد ولا يجب عليه في دخوله للإسلام أمر آخر خلافا لمن ضل من المتكلمين فأوجب النظر في الآيات أو الشك ثم النظر وغير ذلك من الترهات. وفيه خطورة صحبة أهل الضلال والغواية من الكافرين والفاسقين فهم يصدون العبد عن اتباع الحق ويغرونه بالباطل ويصرفونه عن الإستماع لكل موعظة لحرصهم على بقائه ومشاركته لهم في ضلالهم ولو أيقنوا خطأهم حتى لا يكون أحسن حالا منهم كما فعل صناديد قريش مع أبي طالب فذكروه بدين آبائه فآثر حب العشيرة على اتباع الحق. وفيه أن هداية التوفيق واستجابة القلب لداعي الحق والانقياد له خاص بالله عز وجل لا يقدر عليها إلا هو سبحانه لأنه يملك القلوب ويصرفها كيف شاء أما الداعية فيقوم بهداية الإرشاد والتوجيه فحسب فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يستطع هداية عمه مع كمال إخلاصه ونصحه وفصاحته فأنزل الله قوله ( إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ). وفيه أنه يحرم على المسلم أن يستفغر ويترحم ويصلي على من مات على الكفر ولو كان من أقرب الناس إليه فلا يعامله بعد موته معاملة المسلمين لأن الله حرم الجنة على الكافرين وهذا من مقتضيات الولاء والبراء فالمسلم يبرأ من الكافر حيا وميتا كما نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الاستغفار لعمه وإنما جعل الله له شفاعة خاصة في عمه تخفف عنه العذاب في جهنم جزاء لما قام به في الدنيا من إحاطة النبي ونصرة دعوته والذب عنه.