اعتذرت أمس الزميلة (الانتباهة) عن نشر إعلان عن وظائف نسائية في دولة
خليجية، لسودانيات يشترط فيهن أن يكن "مليحات" غير داكنات البشرة، (مع
إرسال ثلاث صور تبين الشكل من الرأس إلى القدمين، على أن تكون الصور
مختلفة)!
المؤسف والمقلق معاً، أن هذا الإعلان المبتذل، الوقح، جاء للصحيفة من جهة
رسمية وهي وزارة تنمية الموارد البشرية، إدارة استخدام السودانيين
بالخارج!
أغلب الذين تعاملوا مع الإعلان في المواقع الإسفيرية قبضوا بتلابيب
(الانتباهة)، وتركوا الوزارة المعنية التي تسمح لشركات وفنادق الدول
الخليجية بالتمييز بين السودانيات بلون البشرة!
إعلان مريب، يستخدم لغة ملساء ذات رائحة غير طيبة، تصدرته لافتة (للجنس
اللطيف فقط)!
أكاد أجزم قاطعاً أن (أبوجمال) صاحب الإعلان لن يجرؤ، على كتابة مثل هذا
الإعلان في دولته الخليجية، المتعددة لونياً والمحافظة نسبياً!
يشترط أبوجمال الخليجي، الباحث عن سودانيات مليحات غير داكنات البشرة، في
عمر المتقدمة أن تكون بين 21-35 !
إعلان بهذه الوقاحة، يمر دون إحساس ولا ذوق، على جهة مهمتها في الأساس
توفير ضمانات وشروط كريمة لعمل السودانيين في الخارج، ومع ذلك تسمح أن
يتم التعامل مع موظفات سودانيات كريمات راغبات في عمل شريف بالخارج
وكأنهن فتيات ليل !
وزارة لتنمية الموارد البشرية بها -على وجه الاستثناء في الحكومة- ثلاثة
وزراء، امرأتان ورجل، ومع ذلك يجلس أبوجمال الخليجي، خالفاً رِجلاً على
أخرى، يضع شروطه الشهوانية، ويمحص ببصره فتيات بلادي في دولة المشروع
الحضاري، ليختار من بينهن صفراوات وبيضاوات يسررن بصره وبصر من وراءه من
أصحاب الشركات والفنادق!
للأسف لا استطيع استخدام الوصف المناسب لهذا الدور الذي تقوم به إدارة
استخدام السودانيين بالخارج، في وزارة تنمية الموارد البشرية والتي منذ
غادرها الوزير الهمام كمال عبد اللطيف أصبح لا يسمع لها ذكرٌ ولا ركزٌ
إلا في الخلافات والصراعات حول المكافآت والحوافز، وإذا بها أخيراً
تفاجئنا بمثل هذا الإعلان!
صحيح أن مثل هذا الإعلان لا يمر على الوزراء الثلاثة (إشراقة وآمنة
وكرمنو) ولكن في المقابل يوضح وجود خلل مركزي في دور ومهام ومنهجية هذه
الوزارة المعنية بترقية وتطوير الموارد البشرية والمحافظة على كرامة
السودانيين في الخارج..!
من الواضح أن (سيستم) هذه الوزارة (مضروب)، وأنها وزارة كانت على مقاس
ونشاط وهمة كمال عبد اللطيف وحينما انتقل الرجل من التنقيب عن المقدرات
البشرية للتنقيب عن الذهب، أصبحت الوزارة إحدى ملاذات الترضيات السياسية
والجهوية، التي تمنح امتيازات بلا مهام ومخصصات بلا أعباء!
حتى إذا اعتبرنا أن الإعلان مر على سبيل الخطأ أو أن موظفاً صغيراً غابت
عنه حساسية العبارات ودلالات المعاني، أو أنه فكر في إرضاء (أبو جمال)
وإكرامه، لكن الخطأ في الأساس يعتبر من الأخطاء الفاضحة التي تكشف الحال
وتبين كيف يدار الأمر في هذه الوزارة!
نعم، الزميلة (الانتباهة) تتحمل مسؤولية النشر، وقد تعاملت مع الأمر
بشجاعة حيث اعتذرت عنه عبر إعلان كبير في الصفحة الثانية من عدد الأمس،
وقالت إنها شرعت في إجراء محاسبة للذين تسببوا في الخطأ..!
وبحكم عملي الصحفي، فأعرف كيف يمكن أن تحدث مثل هذه الأخطاء، حيث لا تجد
المواد الإعلانية ـ خاصة الحكومية منها ـ المراجعة التقييمية والرقابية
اللازمة من قبل إدارة التحرير وتترك لموظفي الإعلانات!
ما حدث بكل ما فيه من سوء لكنه يوفر فرصة مناسبة للزميلة (الانتباهة)
ولمنبر السلام العادل، لمواجهة انطباع بدأ يتحول لصورة ذهنية لدى قطاعات
مقدرة مسيسة وغير مسيسة مدعمة باتهامات معادية صريحة، ترى في الصحيفة
والمنبر أنهما ينطلقان من قناعات عنصرية مغلقة تمايز بين السودانيين
باللون والجهة، لذا سهل توصيف الخطأ الذي وقع كأنه تعبير قصدي عن منهجية
المنبر وسياسة الصحيفة!
ضياء الدين بلال
diaabilalr@gmail.com