ليس كل مايتمناه المرء يدركه، ولا كلما يرغبه أو يشتهيه أو حتى يتصوره، هكذا حال الدنيا، وليس كل سيناريو يتحقق أو يجد من يخرجه من ظلام الأوراق لنور الحقيقة والواقع.
لذلك لا بد من الاحتياط ووضع تصورات وسيناريوهات أخرى، فلكل زمان ومكان ما يناسبه من السيناريوهات، وهاكم سيناريو آخر.
يدخل رجلان إلى صالة تحرير إحدى الصحف، يسألان عن كبار المسؤولين في الصحيفة، ثم يجلسان ليبلغوهم رسالة محددة: أن رئيس التحرير فلان الفلاني غير مرغوب فيه كرئيس تحرير، أو في الحقيقة أنه لم يعد منذ هذه اللحظة رئيسا للتحرير.
يملك هذه الصحيفة مجموعة من المساهمين في شركة كبيرة، تأسست منذ أواخر التسعينات، تحولت ملكيتها أكثر من مرة، ودارت أسهمها بين رجال الأعمال والملاك، لكنها لا تزال شركة خاصة. اختار مجلس الإدارة فلانا هذا رئيسا للتحرير، وتغير مجلس الإدارة قبل فترة بدخول مساهمين جدد، لكنه جدد الثقة في رئيس التحرير ولا يزال. لم يغير مجلس الإدارة رئيس التحرير، لم يفصله من العمل، برغم أن قانون العمل يعطيهم هذا الحق بشرط الإيفاء بالمستحقات المالية، وليست لديهم أية ملاحظات سالبة عليه.
هناك جهة مسؤولة عن الترخيص للصحف ولمسؤولي التحرير، بما فيهم رئيس التحرير، تضع المواصفات والمؤهلات، ثم تراجع السيرة الذاتية لكل مرشح لموقع معين في أي صحيفة، وتجيزه وتقبله، أو ترفضه إذا لم يطابق المواصفات المحددة، وبالطبع لديها حق الاستثناء، لكن هذا موضوع آخر.
هذه الجهة هي المجلس القومي للصحافة والمطبوعات، وقد تم تقديم أوراق رئيس التحرير المعني قبل سنوات، وتمت إجازته، ولم يطرأ جديد يستدعي تدخل المجلس من جديد، فالرجل لا يزال عند المجلس رئيسا للتحرير.
هل هناك جهة أخرى تملك حق اتخاذ أي قرار بحق بقاء الرجل رئيسا للتحرير أم لا؟ حسب القوانين المرعية في البلد، لا يوجد قانون آخر ولا جهة أخرى تملك هذا القرار. لكن ما حدث قد حدث، فالمؤسسة المعنية تم ابلاغها بقرار”لا نريد هذا الرجل”، وهناك عواقب معروفة ومجربة لمحاولة رفض القرار، اقلها أن تختفي الصحيفة من الوجود.
هذا السيناريو قابل للتحقق والتطبيق في عدد محدود من بلدان العالم بحسب المؤشرات العالمية لحرية الصحافة، من بينها بورما (ميانمار) وإريتريا وكوريا الشمالية والسودان. يتم وضع هذا المؤشر بقراءة عدد من المؤشرات الفرعية التي يتم على اساسها حساب وضع البلد في قائمة احترام حرية الصحافة، التي تتقدمها الدول الاسكندنافية، وتتذيلها دول من المنطقة نتربع نحن في وسطها المتأخر براحة شديدة.
هكذا حالنا، تتعدد السيناريوهات، قد يأتي واحدا بديل الآخر، وقد تتعاصر السيناريوهات وتتزامن، لذا لا بد من التحوط. هناك أكثر من سيناريو قادم يمكن أن يكتبه الناس، الأول عنوانه :”لون قميصك لا يعجبنا”..وهو بالتأكيد سيناريو صعب ومكلف، لكن هناك سيناريو آخر أكثر صعوبة وهو “لون عيونك لا يعجبنا”..!