موضوع: قالوا البيعيش الدنيا ياما تشوفوا - احمد ربشة الخميس 2 مايو 2013 - 7:55
[
[SIZE="6"]حان الزفاف أنا حالي كيفن بوصفو يا ريت هواك لي ما أنقسم ولا قلبي ريدك نزفو
قالوا البعيش الدنيا ياما تشوفو تشقيهو بي فرقة عزيز بالحسره ريقو تنشفو وإنشاء الله ما يحصل فراق لقلوب بعد إتولفو
بس قولي لي أنساك كيف وانا قلبي ريدك محنو أبحر سنين في كون هواك الليله فاقد مأمنو وانا كنت قبلك بصبر قليبي وايقنو كايسلو لي زولاً حنين يزيل مخاوفو يطمنو لو ده الحصاد من كلو ريد ناس قيس صحيح إتجننو
جوني الصحاب أنا قالوا لي شافوها في توب الزفاف شافوا الدموع وإتحسروا والشوق غمام في عيونها طاف مش عاد حرام ساكن الضفاف ينشرا في عمرو الجفاف طول عمري بزرع في الورود وحصادي شوك آخر المطاف
عبداللطيف عوض الله عبدالل
موضوع: رد: قالوا البيعيش الدنيا ياما تشوفوا - احمد ربشة الخميس 2 مايو 2013 - 7:57
قدم أحمد ربشة الى السودان في عام 1973م، قادما من نيروبي حيث أمضى هناك فترة من الزمن. وفي هذا الصدد تتضارب المصادر ، ولكن ما يعنينا هنا، هو أنه اتى لدراسة الموسيقى حيث سمع بوجود معهد للفنون والموسيقي بالسودان. لا يعرف الكثير عن حياة أحمد ربشة قبل مجيئه الى السودان سوى أنه كان مغنيا معروفا بالصومال، كما أنه كان يعمل مغنيا في النوادي الليلية بأديس أبابا بعد مغادرته الصومال وقبل مجيئه الى نيروبي والتي مثلت محطته الأخيرة قبل مجيئه السودان. أما كيف ولماذا أتى أحمد ربشة الى السودان، فتلك حكاية تتعدد فيها الروايات، ولكن الثابت في كل ذلك هو أن من التقاه وأعانه على الحضور هو ضابط سابق في أمن نميري يدعى معاوية حمو – رحمه الله- ، كان واحدا من أشد المعجبين بموهبته. أما ما ليس هو بحكم اليقين نسبة لتعدد الروايات فهو : هل كان ربشة حاصل على منحة للدراسة بالمعهد العالي للموسيقى والمسرح بالسودان، أم تم ذلك بمحض الصدفة بعد وصوله الى الخرطوم؟. تقول الاستاذة ايمان عبد الغفور(3) : "أن ربشة كان حاصلا على منحة دراسية للالتحاق بالمعهد، وكل ما فعله معاوية حمو هو تسهيل مهمة دخوله السودان من نيروبي حيث كان يقيم ربشة وقتها". ولكن للاستاذ الدكتور أنس العاقب(4) رواية غير ذلك، حيث يقول: "أنه التقى شابا وسيما ،كثيف الشعر في ترتب وعناية يرتدي ملابس بيضاء ، وكان ذلك في مكتب الشاعر والناقد الفني الاستاذ / سليمان عبد الجليل بقسم العلاقات العامة بوزارة التجارة حيث كان يعمل. وعلم وقتها من الاستاذ سليمان أن أحمد ربشة فنان قادم من الصومال ويرغب في دراسة الموسيقى بالسودان، ولقد أشار اليه- أنس- بالالتحاق بالمعهد العالي للموسيقى والمسرح"... ما يهمنا هنا أن أحمد ربشة نجح في الالتحاق بالمعهد العالي للموسيقى والمسرح وكان ذلك عام 1973، وزامل الدفعة الخامسة والتي سبق ذكرها من قبل الموسيقار الموصلي
عبداللطيف عوض الله عبدالل
موضوع: رد: قالوا البيعيش الدنيا ياما تشوفوا - احمد ربشة الخميس 2 مايو 2013 - 8:01
كاد يتفق جميع من زاملوا ربشة بالمعهد ، أنهم كانوا في دهشة من أمرهم على مقدرته العالية وغير المألوفة في العزف على آلة العود. ومنذ الوهلة الأولى بدأ لهم أنه يأتي بما لا قبل لهم به. وفي هذا الصدد يقول الاستاذ كمال عبادي(5) – نائب مدير الاذاعة السودانية حاليا- بأنه أتى أساسا للمعهد ليكون مغنيا، ولكنه ما أن شاهد أحمد ربشة يعزف على العود بطريقة بدت له في ذلك الوقت أعجازية حتى زهد في الأمر وتحول الى الاخراج!!. كان ربشة يعزف الحانا مركبة على آلة العود وبالشكل الذي يتناهى معه للآذآن أن هناك أكثر من عود يعزف معا في وقت واحد، وكان ذلك يمثل "استايلاً" غير مطروق خصوصا عندما يتعلق الأمر بآلة وترية أحادية النغم كألة العود. ويرجع عازف آلة "البيكلو" الاستاذ أسامة بابكر التوم(6) الأمر الى أن ربشة كان عازفا ماهراً على الجيتار وهو آلة هارمونية تحتمل المركبات الصوتية أو ما يعرف بالتوافق الصوتي حسبما أشار الموصلي. ويعتقد اسامة أن تمكن ربشة من تحويل العود الى آلة هارمونية دون أن يصاحب ذلك اي اضافات وترية عليه لهو فعل من العبقرية ، ويعتبر في ذات الوقت اضافة حقيقية للموسيقى السودانية تحسب لربشة. هل يعود الأمر الى أن ربشة وقتها كان دارسا للعلوم الموسيقية بالصومال؟ ربما، ولكن الأمر لا يحتمل التأكيد أو النفي. فالثابت أن ربشة عندما أتى الى السودان كان يبلغ الثلاثين أو تزيد قليلا من العمر. كان ملما باللغة الايطالية ،وهي تمثل اللغة الثالثة الأم بالنسبة له، من منطلق أن اللغتان الصومالية والعربية تمثلان تمظهرا لتمازجه الاثني – الثقافي. كما كان يتقن اللغة الانجليزية وان كان بدرجة أقل. وتمضي الشهادات ترصد الكثير من جوانب شخصيته ومواهبه المتعددة. يجمع أصدقائه على موسوعيته الموسيقية وانفتاحه المعرفي على كل أنماط الغناء العالمي
عبداللطيف عوض الله عبدالل
موضوع: رد: قالوا البيعيش الدنيا ياما تشوفوا - احمد ربشة الخميس 2 مايو 2013 - 8:08
ظهور ربشة على المسرح الغنائى السودانى كان إمتدادا لعلائق إخاء وتبادل فنى مع الصومال وإثيوبيا معروفة..لذا لم يكن غريبا أن تحتل أغنية مثل أغنيته البديعة "بدرى من عمرك" مكانها العالى فى الوجدان . ومثلما غادر سودانيون كثر إلى المنافى فى السبعينات والثمانينات،غادر ربشة وعمل زمنا بمحل لبيع الآلات الموسيقية بأبوظـبى..ولعلك واجد بعضا من سيرته العطرة هناك لدى من عملوا بصحيفة "الإتحاد" إذ كان المحل محطة تجمع للكثيرين.. اشـدّ على يدك وأدعوك للمواصلة ورفع الغبار عن مبدعين ضاعوا فى حياتهم وبعد الممات.. ويحسرنى أن الكثيرين هذه الأيام يتعيشون من إبداعات من باتوا على الطوى ثم طواهم النسيان
علميا، يصنف صوت ربشة "سكند تينور"، وعلى مستوى الآداء كان يتمتع بكاريزما صوتية لها سحرها الأخاذ والآثر. وكان يتوج كل ذلك طريقة متفردة صارت فيما بعد "استايلاً" متواتراً عبر الأجيال الفنية حتى يومنا هذا تتمثل في تلك الطريقة الفريدة في استخدام التموجات الصوتية أو ما يعرف بـ"الفايبرشن". يقول عنه أسامة بيكلو: أنه عندما حضر الى المعهد كان يؤدي الغناء بطريقة علمية سليمة في حين كان زملاء دفعته يدرسون ذلك في فصول المعهد، فهل كان الأمر يتعلق بدراسة أكاديمية قبل حضوره الى السودان أم أن الأمر يندرج في خانة الموهبة الفطرية شأن العباقرة في كل زمان ومكان؟؟
YASSIN
موضوع: رد: قالوا البيعيش الدنيا ياما تشوفوا - احمد ربشة الجمعة 19 يوليو 2013 - 20:05
اخي عبد اللطيف السلام عليكم و رحمة الله رمضان كريم و شفي الله أخونا نصر الدين شفاءا تاما في بحثي عن الراحل احمد ربشة وقع وجدت توثيقك عنه وفعلا احمد ربشة يستحق التوثيق فهو فنان غني لوطنه الثاني بلسان عربي فصيح بلكنة سودانية عامية و غير هذا و ذاك غني بإحساس المواطنة و الانتماء لهذا الانسان السوداني البسيط سلم اختيارك
وليد العشي
موضوع: رد: قالوا البيعيش الدنيا ياما تشوفوا - احمد ربشة الإثنين 22 يوليو 2013 - 7:41
عبداللطيف عوض الله عبدالل كتب:
[
[SIZE="6"]حان الزفاف أنا حالي كيفن بوصفو يا ريت هواك لي ما أنقسم ولا قلبي ريدك نزفو
قالوا البعيش الدنيا ياما تشوفو تشقيهو بي فرقة عزيز بالحسره ريقو تنشفو وإنشاء الله ما يحصل فراق لقلوب بعد إتولفو
بس قولي لي أنساك كيف وانا قلبي ريدك محنو أبحر سنين في كون هواك الليله فاقد مأمنو وانا كنت قبلك بصبر قليبي وايقنو كايسلو لي زولاً حنين يزيل مخاوفو يطمنو لو ده الحصاد من كلو ريد ناس قيس صحيح إتجننو
جوني الصحاب أنا قالوا لي شافوها في توب الزفاف شافوا الدموع وإتحسروا والشوق غمام في عيونها طاف مش عاد حرام ساكن الضفاف ينشرا في عمرو الجفاف طول عمري بزرع في الورود وحصادي شوك آخر المطاف
عبداللطيف عوض الله عبدالل
موضوع: رد: قالوا البيعيش الدنيا ياما تشوفوا - احمد ربشة الثلاثاء 30 يوليو 2013 - 20:06
[quote="YASSIN"]اخي عبد اللطيف السلام عليكم و رحمة الله رمضان كريم و شفي الله أخونا نصر الدين شفاءا تاما في بحثي عن الراحل احمد ربشة وقع وجدت توثيقك عنه وفعلا احمد ربشة يستحق التوثيق فهو فنان غني لوطنه الثاني بلسان عربي فصيح بلكنة سودانية عامية و غير هذا و ذاك غني بإحساس المواطنة و الانتماء لهذا الانسان السوداني البسيط سلم اختيارك [/quote]
اشكر الاخ / ياسين على مداخلته وسؤاله عن اخبار الاخ/ نصرالدين واطمئنه ان الاخ/ نصرالدين بخير في القاهرة وهناك الكثير من التوثيق عن الرائع احمد ربشة ستجده في هذا البوست
عبداللطيف عوض الله عبدالل
موضوع: رد: قالوا البيعيش الدنيا ياما تشوفوا - احمد ربشة الثلاثاء 30 يوليو 2013 - 20:12
قبل، هذا الأمر ملتبس ولا يستطيع أحد الجزم بشأنه. فدلاليا واستقرائيا يمكن المجازفة بالقول على أن أحمد ربشة كان على صلة بدراسةالموسيقى قبل مجيئه الى السودان. فمن المعروف أنه كان يمتلك مكتبة صوتية ضخمة تحتوي على مراجع في علم الصوت وعلم "الاروكستريشن" أي التوزيع الاوركسترالي وكذلك التأليف الموسيقي اضافة الى مكتبة صوتية تحتوي على الموسيقى الكلاسيكية – بيتهوفن، شوبان..." و الكثير من الأغاني العربية والاجنبية والصومالية. ..... وتضيف الاستاذة أيمان عبد الغفور على أنها شاهدة على خطابات منتظمة كانت تأتيه من معهد ايطالي للموسيقى. كل هذه شواهد تدلل على أنه كان على خلفية موسيقية أكاديمية قبل مجيئه السودان، وربما كان لذلك أثر مباشر فيما عرف به في نزوعه نحو التجريب. انعكس في تلك اللونية اللحنية والآدائية التي كانت تميزه في ذلك الوقت. ولا شك أن للتلاقح الثقافي الذي كان يميزه أثر في صوته وطريقته الفريدة. يقول الاستاذ كمال عبادي: بما أن اللغة في النهاية ايقاعات صوتية فلابد أن يكون لطريقة ايقاعها تأثير على الحبال الصوتية، وبما أن ربشة جامع لأكثر من ثقافة كان لابد أن ينعكس ذلك في طبقات صوته وطريقة مخارجه الصوتية للحروف وبالتالي في طريقة الغناء، وتجسد كل ذلك في هذه الطريقة الآخاذة التي فاجأنا بها ربشة عند قدومه السودان. ويضيف الدكتور أنس العاقب ما يتسق مع ذات السياق حين يقول: اذا كان ربشة يمني فمعنى ذلك أنه متشرب بالالحان الشرقية، وبما انه صومالي الثقافة والمنشأ فذلك يعني أن له ذائقة وعلاقة وطيدة بالسلم الخماسي، وتلاقح كل ذلك حين اتى للسودان باحثا عن العلم والمنهج ، فكان أن أهدانا ذلك المزيج الرائع الذي عرفناه في ملامح ابداعه. هذا ما كان من أهم خصائص أحمد ربشة الفطرية حين قدم الى السودان للدراسة بالمعهد العالي للموسيقى والمسرح. خصائص تمثلت في قدرته الفذة على العزف وكذلك الآداء الصوتي المتفرد. وشكلت فيما بعد سمات هويته الشخصية كفنان. وما يعرف عن أحمد ربشة ، أنه كان يعزف على كل الآلات الموسيقية تقريبا، بل يقال أنه كان متفردا جدا في العزف على الدرامز!!.
عبداللطيف عوض الله عبدالل
موضوع: رد: قالوا البيعيش الدنيا ياما تشوفوا - احمد ربشة الثلاثاء 30 يوليو 2013 - 20:15
ربشة كفاعل اجتماعي:
الجانب الاجتماعي في حياة ربشة ربما يفسر لنا الشق العبقري في هذه التجربة الفريدة والاستثنائية في حقل الابداع السوداني. فالاثر الابداعي الذي تركه لنا وهو القادم من رحاب ثقافات أخر ما كان من الممكن أن يكون لولا أنه كان فاعل اجتماعي من طراز فريد. وهذا ما كانه حقا ربشة طيلة الخمس سنوات التي قضاها في السودان وبين أهله. فعمليا ومعرفيا يعرف أنه من أصعب الاشياء على الانسان خروجه من محيطه الاجتماعي- الثقافي في سن متأخرة والعمل على الاندماج في بيئة ومحيط ثقافي اجتماعي مغاير ويزداد الأمر صعوبة وعنتا عندما يطال الاغتراب الفنان. ولكن أن يصل الأمر بالشخص/الفنان أن يتجاوز الاندماج الى التأثير الايجابي وترك بصمة على هذا المحيط ، فهذا فعل لا يقدر عليه سوى العباقرة كما أبنا سابقا.
يتفق كل أصدقاء ربشة على حيويته ورغبته العارمة في الاندماج الكامل في المجتمع منذ الوهلة الاولى لالتحاقه بالمعهد. يساعده في كل ذلك روح مرحة وبساطة محببة. وفي هذا الصدد يقول الدكتور أنس العاقب: لقد كان ربشة بحق "العميري الأول"!!. فمنذ اللحظة الاولى لالتحاقه بالمعهد كان قد ملك الالباب بوسامته الملحوظة وشقاوته المحببة والتي كانت بالفعل خليقة بفنان، اضافة الى موهبته العالية وتهذيبه الرفيع. كانت تبدو عليه رغبة شديدة في "التسودن". ولذلك كان يبدو ملتصقا بزملائه يسعى جاهدا للتعلم منهم تفاصيل الحياة السودانية. كما أنه عمل وسعه لتأصيل علاقاته الفنية والانسانية بالمجتمع خارج أروقة المعهد. ولذلك كانت روابط الطلاب الجامعية والمعهدية تدعوه باستمرار للمشاركة في لياليها الابداعية. كما كان يحي الكثير من الحفلات العائلية والجلسات الفنية التي تقام بمنازل الاصدقاء والمعارف، حتى أصبح في فترة وجيزة رقما فنيا مهما في ليالي خرطوم السبعينات الثقافية والفنية. هذه الحيوية الاجتماعية، والرغبة الأكيدة في الاندماج في محيط ثقافي أحبه، انعكس في ذائقة ربشة الابداعية ، حيث باتت له ذائقة سودانية قوية في استيعاب وتشرب الابداع السوداني شعرا وموسيقى. وهذه الرغبة القوية في التسودن كما قال الاستاذ كمال عبادي: كانت سببا لأن يتشرب ربشة الابداع السوداني ويخرجه لنا مرة أخرى بعد مروره في تلافيف ابداعه فنا جميلا ماركة ربشة وحده. كان ذلك في أغاني الحقيبة التي أداها أو بعض الأغاني المعروفة والتي أعاد انتاجها وفق بصمته الصوتية والآدائية المعروفة مثل: "شاقي روحك ليه" للتاج مكي أو "إله فني" لعثمان الشفيع". ويضيف الاستاذ محمد عبد الرحيم قرني، الممثل المعروف: "في راي هذا يعكس قدرتنا كسودانيين على التعايش والمحبة. لذلك لم يجد ربشة صعوبة في التقاط اشارات المودة والدفء الذين انبعثا من الجميع مجتمعا وأصدقاء دراسة، مما شجعه على الاندماج والتعلم. لقد كان لماحا بحق. أذكر جيدا كيف كان يأتي الى قسم الدراما لمشاهدة بعض العروض، وسرعان ما كون صداقات اثمرت أغنيات من كلمات العميري وخطاب حسن أحمد. لا زالت تدهشني قدرته في التوائم مع استايل الأغنية السودانية بل واصباغها طابعه المميز، ودونك " إله فني". كان شغوفا في الانخراط اجتماعيا. خبر معنا منعرجات الديم - حيث أسكن- وأكل الفول وضحك للنكات السودانية.... انها ايام يا صديقي"!! كان ذلك قرني في تداعياته الحميمة ولم ينسى بالطبع أن يختم افادته بتنهيدته المميزة والاليفة.
عبداللطيف عوض الله عبدالل
موضوع: رد: قالوا البيعيش الدنيا ياما تشوفوا - احمد ربشة الثلاثاء 30 يوليو 2013 - 20:33
ربشة أو ذلك الطيف الراحل:
غادر ربشة السودان حوالي عام 1979، بعد أن أكمل دراسته بالمعهد العالي للموسيقى والمسرح وتخرج من قسم التأليف الموسيقي بدرجة نجاح عالية وكان من ضمن أوائل دفعته. وللرحيل "المؤسف" دوافع وأسباب تتباين حولها الافادات. ولكنها في جوهرها تغفل حقيقة واحدة أثبتها الزمن ، الا وهي أن ربشة كان حالة كاملة من الترحال، وتلكم حكاية سوف نأتي عليها فيا بعد.
يقول البعض: أن ربشة بعد مرور حوالي خمسة أعوام من وجوده بالسودان وما حققه من أندماج يكاد يكون كاملاً، كانت لديه رغبة قوية للاستقرار فيه. وكان يمني نفسه بأن يكون معيدا بالمعهد حتى تتوفر له أسباب البقاء والحياة ، لأنه كان حتى تلك اللحظة يعيش بما يتقاضاه من اعانه دراسية كان لابد أن تنتهي بانتهاء دراسته. ولذلك عول كثيرا على أن تعامله ادارة المعهد كسوداني وليس أجنبيا حتى يستفيد من مثل هذه الفرصة والتي تمنح عادة للمتفوقين دراسيا. تقول الاستاذة أيمان عبد الغفور أن الم ربشة كان عظيما حين علم أنه لن يكون معيدا بالمعهد، لأن معنى ذلك هو انتهاء حياة حافلة بالسودان في شتى المجالات. وتردف : "في ظني أن المعهد بهذه البروقراطية الخرقاء قد أضاع على نفسه وعلى الحقل الابداعي السوداني حالة عبقرية لن تتكرر. فقد كان فذا في استيعابه وتطوره فنيا وأكاديميا، كلنا كزملاء نشهد بذلك، حيث كان محط اعجابنا ودهشتنا. كان من الممكن أن يستفيد منه المعهد أيما استفادة على المستوى الاكاديمي. كما أن تطوره الفني كان من الممكن أن يكون اضافة غير مسبوقة في تاريخ الاغنية السودانية".
للدكتور أنس العاقب رأيا غير ذلك، حين يقول:" حقيقة لا أرى صحة فيما يقال أن أحمد ربشة حرم من التدريس بالمعهد، فمع أن هذه فرصه لم تتح لكثيرمن المتفوقين من زملائه أمثال: أبوعركي البخيت، يوسف الموصلي، عبد العزيز المبارك، ليلى بسطاوي..الخ، الا أنني أعتقد جازما أن ربشة لم تعد له رغبة في الاستقرار بالسودان لأسباب شخصية وعاطفية. كما أنه بعد تجربة عازف "الأوبوا" الاستاذ عمر الخزين بدولة الامارات بات الخليج مغريا للمبدعين خصوصا أن ذلك الزمن صادف طفرة في كل مناحي الحياة بالخليج حتى الموسيقي منها. وربشة في تقديري كان صفويا ولا قبل له بتقلبات الحياة في السودان خصوصا وأنه كان يغني من غير أن يتقاضى عائد مادي، ولذلك فضل الرحيل".
لأسامة "بيكلو" رأياً آخر ربما كان في ظاهره يتفق مع رأي الدكتور أنس العاقب، الا أنه يعكس بشكل أعمق، ومن خلال المعايشة، شخصية أحمد ربشة. "في رأي أن أحمد ربشة حالة كاملة من الترحال داخليا وخارجيا. فداخليا يتمثل في ذلك الترحال القلق عبر الالآت الموسيقية، فهو لمن عايشه ، لايكاد يستقر على آله واحدة، فبينما يكون مندمجا في عزف العود يتركه فجأة وما دون مقدمات ليعزف على الجيتار، ثم ينتقل الى البيانو أو الساسكس ، ويختم ذلك بالدرمز، ومن الطريف أن ذلك القلق الداخلي كان سببا فيما بعد لأن يكون ربشة صاحب الفضل في تأسيس أول معهد أهلي للموسيقى والمسرح بدولة الامارات".. وهذا ما سوف نأتي لذكره لاحقا. .... يواصل أسامه: "فيما يخص الترحال الظاهري، فقد أثبت تاريخه الشخصي أنه لا يكاد يستقر في مكان الا كان مغادره. فقد كنت محطته الأولى بعد الرحيل من الصومال أديس أبابا، حيث استقر بها فترة من الزمن وعمل خلالها مغنيا بالعديد من الأندية الليلية، ثم ارتحل من بعد الى نيروبي بكينيا، ثم من هناك الى السودان، ومن السودان الى أبوظبي بدولة الامارات وحتى دولة الامارات اتخذ فيها أكثر من مدينة مقرا له، ثم من هناك الى لندن حيث كانت محطته الأخيرة ومنها الى الرفيق الأعلى"!!.
اذن كان ذلك ما يحفظه لنا التاريخ عن مسيرة أحمد ربشة في السودان. خمسة أعوام هي بالمقاييس الزمنية لا تكاد تسوى شيئا،ولكن عبقرية احمد ربشة جعلت منها زمنا سرمديا حافل بالعطاء الاسطوري الذي يظل ينسج خيوط بقائه مع كل شعاع شمس يعلن ميلاد يوم جديد او صرخة طفل قادم للوجود يتلمس خطى وجدانه. خمسة أعوام قضاها ربشة كسوداني يبز الكثير من سوداني الميلاد. أجزل فيها العطاء ونفح ليالي خرطوم السبعينات كثير الدهشة والق الغناء، فكان نجما في زمانه يغشى كما النسيم بيوت الافراح وجلسات الانس ولا ينسى أن يعطر مسارح أنديتها الليلية مساء كل خميس، متنقلا بينها شأن الكروان في كل زمان ومكان. ... ومع كل ذلك الألق والسطوع أبت أجهزة الاعلام الرسمية الا أن تتقازم ،كما العهد بها، فكان ذلك المنع الشهير لتسجيل أغانيه بالاذاعة ،كما اشار الى ذلك الشاعر بشرى سليمان ، وكان المنع بحجة قلة عدد أغانيه!!! أما التلفزيون والذي كان وقتها في مستوى الحدث حيث قام بتسجيل العديد من السهرات له، لم يلبث أن نكص وأضاع كل ذلك التراث الغنائي في ظل غيبة الوعي وسيطرة الجهل النشط، ولاندري حتى اللحظة أن تم مسح هذه التسجيلات نهائيا أم انها منسية في اضابير الاهمال؟ فالمؤكد أن لا أحد اليوم يعلم عنها شيئا، فقد أعيانا البحث عن معرفة حقيقتها دون جدوى. هل الأمر يندرج في خانة الغيرة الفنية كما عبر عن ذلك الدكتور أنس العاقب ، في رد لا يخلو من الدبلوماسية، أم أن الأمر يستطيل الى خانة "الحسد" المفضي الى المؤامرة؟؟. أيا كان الأمر فالثابت أنه كان تراثا فنيا عظيما ضاع مرة والى الأبد خصوصا فيما يخص تسجيلاته التلفزيونية. ولكن مع ذلك ولأنها تجربة استثنائية بكل المقاييس غيض الله نفر من عباده لم يألوا بأنفسهم جهدا في حمل هذا التراث الفني طيلة 30 عاما دون كلل أو اعياء، دافعهم في ذلك محبة عظيمة ووفاءا لمبدع كانوا يعتقدون حقا أنه شكل اضافة نوعية للأغنية السودانية، بل وكان لبعضهم عونا انطلقوا من بعد في دروب و مسالك الابداع، ليشكلوا من بعد ذلك ملامحهم الفنية وحضورهم الابداعي الماثل الآن. ومع أن ربشة غادر السودان في عام 1979، الا أن البعض كان ما زال وثيق الصلة به، حتى حينما قصد دولة الأمارات كواحدة من محطات ترحاله. وكان هذا من حسن الطالع الذي أتاح لنا أن نتقصى مرحلة هامة في مسيرة هذا العبقري الأسمر، الا وهي مرحلة ما بعد السودان من غير المعروف – على الأقل حتى الآن- لماذا لم يعود الفنان أحمد ربشة الى الصومال ليستأنف نشاطه الفني وهو الذي كان قد ترك موطنه فنانا عظيما يشار اليه بالبنان؟. هل يتعلق الأمر بال بحث عن فضاءات ابداعية جديدة؟ هل كانت اغراءات دول النفط في أوجان طفرتها سببا مهما كما اشار الى ذلك من قبل الدكتور أنس العاقب؟ ربما كان هذا أو ذاك، وربما كانت هناك أسبابا أخر، ولكن ما هو بحكم المؤكد أن ربشة أختار الامارات محطة وجودية أخرى تضاف الى محطات حياته المتعددة. يقول الاستاذ اسامة بابكر التوم: " سافر ربشة الى دولة الامارات في عام 1979، وبعد عامين من ذلك التقيته حيث كان يقيم بمدينة أبوظبي، وكنت وقتها ضمن رحلة فنية. التقينا وطلب مني المكوث والعمل معه حيث كان يعمل استاذا للموسيقى بمدارس المنشأة الثقافية العسكرية،وهي مجموعة مدارس صفوية مختلفة المراحل السنية. وبالفعل اقتنعت بوجهة نظره والتحقت بالعمل في ذات المنشأة وكان معنا عازف "الاوبوا" الاستاذ عمر الخزين والذي كان يسبقنا بسنوات فيها. تلك كانت بداية العلاقة القديمة – الجديدة بأحمد ربشة والتي استمرت لمدة عشر سنوات حيث أنني عدت بعدها الى الوطن وارتحل ربشة الى بريطانيا كآخر محطاته الوجودية.
في رأي ان تجربة ربشة بأبوظبي كانت تجربة جدية وفريدة في آن، من حيث التجربة الابداعية ومن حيث فرادة الاتجاهات التجريبية التي اجترحها هناك. من حيث التجربة الابداعية ، كانت تلك هي المرة الأولى التي يمارس فيها ربشة تجربة تدريس الموسيقى بعد تخرجه كمؤلف موسيقي من المعهد العالي للموسيقى والمسرح. ولقد كانت تجربة ناجحة كنت شاهد عيان عليها. كانت قدرته الفذة في التعامل مع كافة الآلات الموسيقية مدهشة ومثيرة للدارسين بهذه المؤسسة التعليمية. جعلت منه معلما لا ينسى، يدين له بالفضل كثير من الفنانين والموسيقيين الذين تخرجوا على يديه. ولقد كانت هذه المقدرة الفذة في التعامل مع مختلف الآلات الموسيقية سببا لانشاء أول معهد أهلي للموسيقى في دولة الأمارات، وهو سبب تكمن خلفه قصة طريفة جديرة بأن نحكيها.
دعاني ربشة ذات يوم لزيارة محل لبيع الادوات الموسيقية يقع بالقرب من المنشأة التي نعمل فيها سويا. وكان ذلك بحجة أنه يريد أن يلقى نظرة على هذا المحل الذي يراه في رواحه من والى المنشأة دون أن تسمح الظروف بالاقتراب منه وتفقد الآلات الموسيقية التي يحتويها. فربما يجد هناك ما يبتغيه من آلة موسيقية يود شرائها. وافقت ، وذهبنا سويا. كان المحل يحتوي على قاعة أرضية واسعة تحوي كل أصناف الآلات الموسيقية وكان هناك طابقا أعلى به مكتب يبدو أنه مكتب صاحب المحل. وبمجرد دخولنا القاعة قابلنا البائع مرحبا، وكان شابا هندي الجنسية. وبمجرد أن وجد أحمد ربشة نفسه وسط هذا الكم الهائل من الالآت الموسيقية حتى نسى من حوله وانهمك في تجريب كل آله على حده. يجلس على البيانو ويعزف مقطوعة موسيقية، ثم ينهض نحو آلة الجيتار ويعزف عليها ، ثم تارة آلة الساكسفون..... وهكذا حتى يمكن القول أنه استخدم كل الآلات الموسيقية التي بالمحل عازفا ما تيسر من الانغام. كل هذا وصاحب المحل في الطابق الأعلى ينصت باهتمام على ما يبدو، لأنه باغتنا فجأة متسائلا وهو يهبط السلالم على مهل: كل الالحان التي كنت أسمعها الآن هي من عزفك أم من الآلات نفسها؟ وأجابه أحمد ربشة: هي من عزفي. "والله ترى انها الحان مليحة" ، هكذا اجاب صاحب المحل، ثم أردف:" طيب ليش ما تجي تدرس الناس موسيقى في المحل وبدل ما يشترون الآلة ويروحون، أحسن يتعلموا يعزفون ما يشترون"؟. أجابه ربشة بأنه يعمل مدرسا للموسيقى في المنشأة التي بالقرب من محله ولذلك من الصعب عليه ترك المدرسة أو التوفيق بين مهنتين في وقت واحد. ولكن صاحب المحل أصر على ذلك وطلب منه أن يعمل فقط في وقت فراغه. وبالفعل وافق ربشة على ذلك، وافتتح صاحب المحل فصول مسائية لدراسة الموسيقى تتوافق مع ظروف أحمد ربشة،. لاقت الفكرة نجاحا مذهلا، واقبالا منقطع النظير، حتى أصبح هذا المحل المتواضع – فيما بعد - أول معهد خاص لتعليم الموسيقى في دولة الامارات العربية. والفضل في كل ذلك مبعثه هذه "الكاريزمية" الطاغية التي تسم شخصية ربشة الابداعية في كل عمل يؤديه