الأحلام مستمرة و"الصاحيين" يطلعوا برا
(( "والله يا عمر إن لم تسير في ما أنت عليه لقوّمناك بسيوفنا وجاهدنا فيك"، هكذا هب أحد المصلين ويبدو عليه الغضب في الصفوف الوسطى من مسجد النور بكافوري عقب إنتهاء صلاة الجمعة مخاطباً الرئيس "الإمام" عمر البشير وسط دهشة الحضور وإرتباك رجال الأمن الجالسين خلف الرئيس وتوجس عصام أحمد البشير فور فراغه من إمامة الصلاة..
"إني رأيتكما معا"، يواصل هذا الثائر "رأيت صلوات الله عليه وسلم يقوم من مجلسه الذي يتحلق حوله بعض من صحابته عرفت فيه بعض من العشرة المبشرين بالجنة".. وران صمت في المسجد وبعض من كان يهم بالخروج عاد ليستمع، "منهم عبدالرحمن بن عوف وأبوبكر والفاروق عمر وعثمان وعلي، لكن الحق يقال لم أعرف بقيتهم"..
"قام النبي (ص) وأمسك بيدك يا عمر وقال لك أنك من ستملأ الأرض عدلاً، وأنني أرى فتحاً إسلامياً يظهر في السودان وأن أندلساً جديدة قد بدأت"، إهئ إهئ، وأجهش الرجل في البكاء حتى إبتلت لحيته الكثيفة. وهنا تعالت صيحات المصلين في مسجد النور بالتهليل والتكبير. "جاءتني هذه الرؤيا بعد صلاة الفجر يا إمام المسلمين" وقد ناشدك أبوبكر الصديق بقوله "سير سير يا بشير فموعدك الجنة ومعك هؤلاء الرجال المخلصين من حولك" وهمس لك الفاروق عمر " لقد حملت إسمي وأراك تسير في نهجي، إضرب بيد من حديد هؤلاء الذين يعبثون بدين الله. إضرب بسيفك كل من تسوًل له نفسه أن يعيق مسيرة توجهك الحضاري، إضرب المشركين في الجبهة الثورية والعملاء من المعارضة".
قام عمر (عمر بتاعنا) يهدئ من روع ذلك الشيخ ويأخذ بيديه بعد أن سكت من البكاء وعاهده بألاّ يتواني في الدفاع عن العقيدة والوطن وأن يواصل حماية الأمة الإسلامية بعد أن كان يفكّر في التنحي، لكنها إرادة المصطفى وصحبه الأخيار.
هذه قصة من نسج خيالي، ومن وحي ما أتى به ذلك الدجال الذي إدعى أنه رأى النبي (ص) مع البشير يمسك بيد نافع، وسوف تتلاحق مثل هذه الروايات ليتبارى فيها المتملقون ليلحقوا بمزيد من الأذى بشعب السودان وينهشوا ما تبقى لهم من غنائم سلبوها من الوطن ليحيوا حياة مترفة كرصفائهم من المسؤولين والولاة والوزراء ومحاسيبهم.
رجعنا تاااني – (2) سوف نسمع كثير من هذه القصص، التي بدأت تلهب مسامعنا حينما تحالفت الجبهة القومية الإسلامية مع المشير جعفر نميري عقب إعلان قوانين سبتمبر لعام 1983 وتحولّ بين ليلة وضحاها ديكتاتور أفريقيا إلى إماماً للمسلمين.. وأقنعه نفر من علماء السلطان والمرتزقة آنذاك بأنه المهدي المنتظر وأنه خليفة رسول الله في أرض السودان وبدأت حقبة جديدة من البطش والظلم والخراب بإسم الدين في تاريخ السودان الحديث لم يسلم منها من خالف النميري والجبهة الإسلامية بقيادة "الترابي" الرأي.
ليعلم الذين تناسوا أو لم يذكروا تلك الحقبة وللشباب الذين لم يكونوا قد وُلدوا آنذاك بأننا مقبلون على أيام مظلمة أكثر مما نحن فيه، فالدولة البوليسية التي تحكمنا سترفع راية دين لم نسمع به من قبل وسينبري كل يوم أحد هؤلاء بقصة تلبس هؤلاء الطواغيت ثياب النبوة والخلافة الراشدة. سوف يعلو التكفير والتخويف بإسم الإسلام، ويتم تجييش الشباب وشعب السودان في معسكرات قسرية لنحارب بعضنا البعض لتنفيذ سياسة حكومة الإنقاذ في المزيد من تفتيت أهل السودان وتعزيز الكراهية والنعرات القبلية وستظهر بجلاء الجماعات الدينية والصراع الطائفي والمذاهب المنقرضة ويصبح السودان مسرحاً مكشوفاً لقتال بالوكالة عن قوى إقليمية وأجنبية بإسم الدين وسندفع ما تبقى من كرامتنا وأعراضنا ثمناً له.
آن الأوان لأن نتعامل بجدية أكثر مع واقعنا وأن نترك اللامبالاة والسلبية وأن نبتعد عن الإنخراط في الحرب النفسية التي تشنها الحكومة على وعينا وعقولنا بأن نتوقف عن إنتقاد بعضنا البعض والإحباط بحجة "من سيحكم السودان بعد إسقاط البشير" وأن "على عثمان هو الأفضل لحكم السودان، الخ" أو "أن الإنقلاب العسكري هو صمام الأمان)). نفس المصدر