هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 مائة صفحة من كتاب: (الفرج بعد الشدة)..(1)

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ناجي جندي

ناجي جندي



مائة صفحة من كتاب: (الفرج بعد الشدة)..(1) Empty
مُساهمةموضوع: مائة صفحة من كتاب: (الفرج بعد الشدة)..(1)   مائة صفحة من كتاب: (الفرج بعد الشدة)..(1) Icon_minitime1السبت 17 أغسطس 2013 - 13:10


الكتاب: الفرج بعد الشدة للتنوخي
المؤلف: المحسن بن علي بن محمد بن أبي الفهم داود التنوخي البصري، أبو علي (المتوفى: 384هـ)
تحقيق: عبود الشالجى
الناشر: دار صادر، بيروت
عام النشر: 1398 هـ - 1978 م
عدد الأجزاء: 5
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
الْبَابُ الأَوَّلُ
مَا أَنْبَأَنَا بِهِ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ، مِنْ ذِكْرِ الْفَرَجِ بَعْدَ الْبُؤْسِ وَالامْتِحَانِ
إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى، وَهُوَ أَصْدَقُ الْقَائِلِينَ، وَهُوَ الْحَقُّ الْيَقِينُ: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ {1} وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ {2} الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ {3} وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ {4} فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا {5} إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا {6} فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ {7} وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ {8} } [الشَّرْح: 1-8] .
فَهَذِهِ ال { [كلهَا مفصحة بإذكار الله عز وَجل رَسُوله عَلَيْهِ السَّلَام منَّته عَلَيْهِ، فِي شرح صَدره بعد الْغم والضيق، وَوضع وزره عَنهُ، وَهُوَ الْإِثْم، بعد إنقاض الظّهْر، وَهُوَ الإثقال، أَي أثقله فنقض الْعِظَام، كَمَا ينْتَقض الْبَيْت إِذا صَوت للوقوع، وَرفع، جلّ جَلَاله، ذكره، بعد أَن لم يكن، بِحَيْثُ جعله الله مَذْكُورا مَعَه، والبشارة لَهُ، فِي نَفسه عَلَيْهِ السَّلَام، وَفِي أمته، بِأَن مَعَ الْعسر الْوَاحِد يسرين، إِذا رَغِبُوا إِلَى الله تَعَالَى رَبهم، وَأَخْلصُوا لَهُ طاعاتهم ونياتهم.
وَرُوِيَ عَن عبد الله بن عَبَّاس، أَو عَن عَليّ بن أبي طَالب عَلَيْهِ
(1/59)
________________________________________
السَّلَام، أَنه قَالَ: لَا يغلب الْعسر الْوَاحِد يسرين، يُرِيد أَن الْعسر الأول هُوَ الثَّانِي، وَأَن الْيُسْر الثَّانِي هُوَ غير الأول، وَذَلِكَ أَن الْعسر معرفَة، فَإِذا أُعِيد، فَالثَّانِي هُوَ الأول، لِأَن الْألف وَاللَّام لتعريفه، وَيسر، بِلَا ألف وَلَام، ونكرة، فَإِذا أُعِيد، فَالثَّانِي غير الأول، وَهَذَا كَلَام الْعَرَب، فَإِذا بدأت بِالِاسْمِ النكرَة، ثمَّ أعادته، أعادته معرفَة بِالْألف وَاللَّام، أَلا ترى أَنهم يَقُولُونَ: قد جَاءَنِي الرجل الَّذِي تعرفه، فَأَخْبرنِي الرجل بِكَذَا وَكَذَا، فَالثَّانِي هُوَ الأول، فَإِذا قَالُوا: جَاءَنِي رجل، وَأَخْبرنِي رجل بِكَذَا، وَجَاءَنِي رجل، فَأَخْبرنِي رجل بِكَذَا وَكَذَا، فَالثَّانِي غير الأول، وَلَو كَانَ الثَّانِي، فِي هَذَا الْموضع، هُوَ الأول لقالوا: فَأَخْبرنِي الرجل بِكَذَا وبكذا، كَمَا قَالُوا فِي ذَلِك الْموضع.
وَقَالَ الله تَعَالَى:] سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا} [سُورَة الطَّلَاق: 7] .
وَقَالَ:، {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا {2} وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطَّلَاق: 2-3] .
وَقَالَ تَعَالَى: {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الْبَقَرَة: 259] .
(1/60)
________________________________________
فَأخْبر الله تَعَالَى: أَن الَّذِي مر على قَرْيَة، استبعد أَن يكْشف الله تَعَالَى عَنْهَا، وَعَن أَهلهَا، الْبلَاء، لقَوْله: {أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا} [الْبَقَرَة: 259] ، فأماته الله مائَة عَام ثمَّ بَعثه. . . إِلَى آخر الْقِصَّة، فَلَا شدَّة أَشد من الْمَوْت والخراب، وَلَا فرج أفرج من الْحَيَاة والعمارة، فَأعلمهُ الله عز وَجل، بِمَا فعله بِهِ، أَنه لَا يجب أَن يستبعد فرجا من الله وصنعا، كَمَا عمل بِهِ، وَأَنه يحيي الْقرْيَة وَأَهْلهَا، كَمَا أَحْيَاهُ، فَأرَاهُ بذلك، آيَاته، ومواقع صنعه.
وَقَالَ عز وَجل: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ} [الزمر: 36] .
وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِذَا مَسَّ الإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [يُونُس: 12] .
وَقَالَ عز وَجل: {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ {22} فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ} [يُونُس: 22-23] .
وَقَالَ تَعَالَى، فِي مَوضِع آخر: {قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ {63} قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ {64} } [الْأَنْعَام: 63-64] .
(1/61)
________________________________________
وَقَالَ تَعَالَى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ {13} وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ {14} } [إِبْرَاهِيم: 13-14] .
وَقَالَ عز وَجل: {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ {5} وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ {6} } [الْقَصَص: 5-6] .
وَقَالَ عز وَجل: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلا مَا تَذَكَّرُونَ} [النَّمْل: 62] .
وَقَالَ جلّ من قَائِل: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غَافِر: 60] .
وَقَالَ عز من قَائِل: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [الْبَقَرَة: 186] .
وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ {155} الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ {156} أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ {157} } [الْبَقَرَة: 155-157] .
وَقَالَ جلّ جَلَاله: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ {173} فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ {174} } [آل عمرَان: 173-174] .
وَرُوِيَ عَن الْحسن الْبَصْرِيّ، أَنه قَالَ: عجبا لمكروب غفل عَن خمس، وَقد عرف مَا جعل الله لمن قالهن، قَوْله تَعَالَى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ {155} الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ {156} أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ {157} } [الْبَقَرَة: 155-157] .
وَقَوله تَعَالَى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ
(1/62)
________________________________________
فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ {173} فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ} [آل عمرَان: 173-174] .
وَقَوله: {وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ {44} فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا} [غَافِر: 44-45] .
وَقَوله: {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ {87} فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ {88} } [الْأَنْبِيَاء: 87-88] .
وَقَوله: {وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا
(1/63)
________________________________________
فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ {147} فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ {148} } [آل عمرَان: 147-148] .
وري عَن الْحسن أَيْضا، أَنه قَالَ: من لزم قِرَاءَة هَذِه الْآيَات فِي الشدائد، كشفها الله عَنهُ، لِأَنَّهُ قد وعد , وَحكم فِيهِنَّ، بِمَا جعله لمن قالهن، حكمه لَا يبطل، ووعده لَا يخلف ".
(1/64)
________________________________________
قصَّة آدم عَلَيْهِ السَّلَام
وَقد ذكر الله تَعَالَى، فِيمَا اقتصه من أَخْبَار الْأَنْبِيَاء، وشدائد ومحنا، استمرت على جمَاعَة من الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام، وضروبا جرت عَلَيْهِم من الْبلَاء، وأعقبها بفرج وتحفيف، وتداركهم فِيهَا بصنع جليل لطيف.
فَأول ممتحن رَضِي، فأعقب بصنع خَفِي، وأغيث بفرج قوي، أول الْعَالم وجودا، آدم أَبُو الْبشر، صلى الله عَلَيْهِ، كَمَا ذكر، فَإِن الله خلقه فِي الْجنَّة، وَعلمه الْأَسْمَاء كلهَا، وأسجد لَهُ مَلَائكَته، وَنَهَاهُ عَن أكل الشَّجَرَة، فوسوس لَهُ الشَّيْطَان، وَكَانَ مِنْهُ مَا قَالَه الرَّحْمَن فِي مُحكم كِتَابه: {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى {121} ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى {122} } [طه: 121-122] .
هَذَا بعد أَن أهبطه الله إِلَى الأَرْض، وأفقده لذيذ ذَلِك الْخَفْض، فانتقضت عَادَته، وغلظت محنته، وَقتل أحد ابنيه الآخر، وَكَانَا أول أَوْلَاده.
فَلَمَّا طَال حزنه وبكاؤه، واتصل استغفاره ودعاؤه، رحم الله عز وَجل تذلُّله وخضوعه، واستكانته ودموعه، فَتَابَ عَلَيْهِ وهداه، وكشف مَا بِهِ ونجاه.
فَكَانَ آدم عَلَيْهِ السَّلَام، أول من دَعَا فَأُجِيب، وامتحن فأثيب، وَخرج من ضيق وكرب، إِلَى سَعَة ورحب، وسلى همومه، وَنسي غمومه، وأيقن بتجديد الله عَلَيْهِ النعم، وإزلته عَنهُ النقم، وَأَنه تَعَالَى إِذا استرحم رحم.
فأبدله تَعَالَى بِتِلْكَ الشدائد، وعوضه من الابْن الْمَفْقُود، وَالِابْن الْعَاق الْمَوْجُود، نَبِي الله شِيث صلى الله عَلَيْهِ، وَهُوَ أول الْأَوْلَاد البررة بالوالدين ووالد النَّبِيين
(1/65)
________________________________________
وَالصَّالِحِينَ، وَأَبُو الْمُلُوك الجبارين، الَّذِي جعل الله ذُريَّته هم البَاقِينَ، وخصهم من النعم بِمَا لَا يُحِيط بِهِ وصف الواصفين.
وَقد جَاءَ فِي الْقُرْآن من الشَّرْح لهَذِهِ الْجُمْلَة والتبيان، بِمَا لَا يحْتَملهُ هَذَا الْمَكَان، وَرُوِيَ فِيهِ من الْأَخْبَار، مَا لَا وَجه للإطالة بِهِ والإكثار.

قصَّة نوح عَلَيْهِ السَّلَام
ثمَّ نوح عَلَيْهِ السَّلَام، فَإِنَّهُ امتحن بِخِلَاف قومه عَلَيْهِ، وعصيان ابْنه لَهُ، والطوفان الْعَام، واعتصام ابْنه بِالْجَبَلِ، وتأخره عَن الرّكُوب مَعَه، بركوب السَّفِينَة وَهِي تجْرِي بهم فِي موج كالجبال، وأعقبه الله الْخَلَاص من تِلْكَ الْأَهْوَال، والتمكن فِي الأَرْض، وتغييض الطوفان، وَجعله شَبِيها لآدَم، لِأَنَّهُ أنشأ ثَانِيًا جَمِيع الْبشر مِنْهُ، كَمَا أنشأهم أَولا من آدم عَلَيْهِ السَّلَام، فَلَا ولد لآدَم إِلَّا من نوح.
قَالَ الله تَعَالَى: {وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ {75} وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ {76} وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ {77} وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ {78} } [الصافات: 75-78] .
{وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ} [الْأَنْبِيَاء: 76] .
(1/66)
________________________________________
قصَّة إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام
ثمَّ إِبْرَاهِيم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَمَا دفع إِلَيْهِ من كسر الْأَصْنَام، وَمَا لحقه من قومه، من محاولة إحراقه، فَجعل الله تَعَالَى عَلَيْهِ النَّار بردا وَسلَامًا، وَقَالَ: {وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ} [الْأَنْبِيَاء: 51] ، ثمَّ اقْتصّ قصَّته، إِلَى قَوْله تَعَالَى: {قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ {68} قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ {69} وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الأَخْسَرِينَ {70} وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ {71} وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ {72} وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا} [الْأَنْبِيَاء: 68-73] .
ثمَّ مَا كلفه الله تَعَالَى إِيَّاه، من مُفَارقَة وَطنه بِالشَّام، لما غارت عَلَيْهِ سارة، من أم وَلَده هَاجر، فَهَاجَرَ بهَا وبابنه مِنْهَا إِسْمَاعِيل الذَّبِيح عَلَيْهِمَا السَّلَام، فأسكنهما بواد غير ذِي زرع، نازحين عَنهُ، بعيدين مِنْهُ، حَتَّى أنبع الله تَعَالَى لَهما المَاء، وتابع عَلَيْهِمَا الآلاء، وَأحسن لإِبْرَاهِيم فيهمَا الصنع، والفائدة والنفع، وَجعل لإسماعيل النَّسْل وَالْعدَد، والنبوة وَالْملك، هَذَا بعد أَن كلف سُبْحَانَهُ إِبْرَاهِيم أَن يَجْعَل ابْنه إِسْمَاعِيل بسبيل الذّبْح، قَالَ الله تَعَالَى فِيمَا اقتصه من ذكره فِي { [الصافات:] فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ {101} فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ {102} فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ {103} وَنَادَيْنَاهُ
(1/67)
________________________________________
أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ {104} قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ {105} إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ {106} وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ {107} وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ {108} سَلامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ {109} } [سُورَة الصافات: 101-109] .
فَلَا بلَاء أعظم من بلَاء يشْهد الله تَعَالَى أَنه بلَاء مُبين، وَهُوَ تَكْلِيف الْإِنْسَان، أَن يَجْعَل بسبيل الذّبْح ابْنه، وتكليفه , وتكليف الْمَذْبُوح، أَن يؤمنا ويصبرا، ويسلما ويحتسبا، فَلَمَّا أديا مَا كلفا من ذَلِك، وَعلم الله عز وَجل مِنْهُمَا صدق الْإِيمَان، وَالصَّبْر وَالتَّسْلِيم والإذعان، فدى الابْن بِذبح عَظِيم وجازى الْأَب بِابْن آخر على صبره، وَرضَاهُ بِذبح ابْنه الَّذِي لم يكن غَيره، قَالَ الله عز وَجل: {وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ} [الصافات: 112] ، إِلَى قَوْله: {لِنَفْسِهِ مُبِينٌ} [الصافات: 113] ، وخلصهما بصبرهما وتسليمهما من تِلْكَ الشدائد الهائلة.
وَقد ذهب قوم إِلَى أَن إِبْرَاهِيم إِنَّمَا كلف ذبح ابْنه فِي الْحَقِيقَة، لَا على مَا ذهب إِلَيْهِ من ذَلِك أَن الَّذِي كلفه أَن يَجْعَل ابْنه بسبيل الذّبْح، لَا أَن يذبحه فِي الْحَقِيقَة، وَاسْتدلَّ الْحسن الْبَصْرِيّ على أَن إِسْمَاعِيل هُوَ الذَّبِيح، لَا إِسْحَاق، وَأَن الْمَأْمُور بِهِ كَانَ الذّبْح فِي الْحَقِيقَة، بقوله تَعَالَى: {فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ} [هود: 71] ، فحصلت لإِبْرَاهِيم الْبُشْرَى، بِأَنَّهُ سيرزق إِسْحَاق، وَأَن إِسْحَاق سيرزق يَعْقُوب، وَلَا يجوز للنَّبِي أَن يشك فِي بِشَارَة الله تَعَالَى، فَلَو كَانَ إِسْحَاق هُوَ الذَّبِيح، مَا صَحَّ أَن يَأْمُرهُ بذَبْحه قبل خُرُوج يَعْقُوب من ظَهره، لِأَنَّهُ كَانَ إِذا أَمر بذلك، علم أَن الْبُشْرَى الأولة، تمنع من ذبح إِسْحَاق
(1/68)
________________________________________
قبل ولادَة يَعْقُوب، وَكَانَ لَا يَصح تَكْلِيفه ذبح من يعلم أَنه لَا يَمُوت أَو يخرج من ظَهره من لم يخرج بعد، وَمَتى وَقع التَّكْلِيف على هَذَا، لم يكن فِيهِ ثَوَاب، وَفِي قَوْله تَعَالَى: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ} [الصافات: 106] .
دَلِيل على عظم ثَوَاب إِبْرَاهِيم، وَصِحَّة الْأَمر بِالذبْحِ، يبين قَوْله تَعَالَى: {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} [الصافات: 103] ، أَي: استسلما لأمر الله، وهما لَا يشكان فِي وُقُوع الذّبْح على الْحَقِيقَة حَتَّى فدَاه الله تبَارك وَتَعَالَى، فَهَذَا دَلِيل على أَن الذَّبِيح غير إِسْحَاق، وَلم يكن لإِبْرَاهِيم ولد غير إِسْحَاق، إِلَّا إِسْمَاعِيل صلى الله عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ.

قصَّة لوط عَلَيْهِ السَّلَام
وَمن هَذَا الْبَاب قصَّة لوط عَلَيْهِ السَّلَام، لما نهى قومه عَن الْفَاحِشَة، فعصوه، وكذبوه، وتضييفه الْمَلَائِكَة، فطالبوه فيهم بِمَا طالبوه، فَخسفَ الله بهم أَجْمَعِينَ، ونجى لوطا، وأثابه ثَوَاب الشَّاكِرِينَ، وَقد نطق بِهَذَا كَلَام الله الْعَظِيم فِي مَوَاضِع من الذّكر الْحَكِيم.
(1/69)
________________________________________
قصَّة يَعْقُوب ويوسف عَلَيْهِمَا السَّلَام
وَيَعْقُوب ويوسف عَلَيْهِمَا السَّلَام، فقد أفرد الله تَعَالَى بِذكر شانهما، وعظيم بلواهما وامتحانهما، { [محكمَة، بَين فِيهَا كَيفَ حسد إخْوَة يُوسُف، يُوسُف، على الْمَنَام الَّذِي بشره الله تَعَالَى فِيهِ بغاية الْإِكْرَام، حَتَّى طرحوه فِي الْجب، فخلصه الله تَعَالَى مِنْهُ، بِمن أدلى الدَّلْو، ثمَّ استعبد، فَألْقى الله تَعَالَى فِي قلب من صَار إِلَيْهِ إكرامه، واتخاذه ولدا، ثمَّ مراودة امْرَأَة الْعَزِيز إِيَّاه عَن نَفسه، وعصمة الله لَهُ مِنْهَا، وَكَيف جعل عاقبته بعد الْحَبْس، إِلَى ملك مصر، وَمَا لحق يَعْقُوب من الْعَمى لفرط الْبكاء، وَمَا لحق إخْوَة يُوسُف من التسرق، وَحبس أحدهم نَفسه، حَتَّى يَأْذَن لَهُ أَبوهُ، أَو يحكم الله لَهُ، وَكَيف أنفذ يُوسُف إِلَى أَبِيه قَمِيصه، فَرده الله بِهِ بَصيرًا، وَجمع بَينهم، وَجعل كل وَاحِد مِنْهُم بالباقين وبالنعمة مَسْرُورا.
(1/70)
________________________________________
قصَّة أَيُّوب عَلَيْهِ السَّلَام
وَأَيوب عَلَيْهِ السَّلَام، وَمَا امتحن بِهِ من الأسقام وَعظم اللأواء، والدود والأدواء، وَجَاء الْقُرْآن بِذكرِهِ، ونطقت الْأَخْبَار بشرح أمره، قَالَ الله تَعَالَى:] وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ {83} فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ {84} } [سُورَة الْأَنْبِيَاء: 83-84] .
1: 71 1 - وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ الْفَسَوِيُّ، قِرَاءَةً عَلَيْهِ بِالْبَصْرَةِ سَنَةَ سَبْعٍ وَثَلاثِينَ وَثَلاثِ مِائَةٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ الْفَسَوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ
(1/71)
________________________________________
أَنَسٍ عَنْ بَشِيرِ بْنِ نَهِيكٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " لَمَّا عَافَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَيُّوبَ عَلَيْهِ السَّلامُ، أَمْطَرَ عَلَيْهِ جَرَادًا مِنْ ذَهَبٍ، قَالَ فَجَعَلَ يَأْخُذُهُ، وَيَجْعَلُهُ فِي ثَوْبِهِ، فَقِيلَ لَهُ: يَا أَيُّوبُ أَمَا تَشْبَعُ؟ قَالَ: وَمَنْ يَشْبَعُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ؟
(1/72)
________________________________________
قِصة يُونُس عَلَيْهِ السَّلَام
وَيُونُس عَلَيْهِ السَّلَام، وَمَا اقْتصّ الله تَعَالَى من قصَّته فِي غير مَوضِع من كِتَابه، ذكر فِيهَا التقام الْحُوت لَهُ، وتسبيحه فِي بَطْنه، وَكَيف نجاه الله عز وَجل، فأعقبه بالرسالة والصنع.
قَالَ الله تَعَالَى: {وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ {139} إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ {140} فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ {141} فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ {142} فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ {143} لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ {144} فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ {145} وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ {146} وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ {147} } [الصافات: 139-147] .
قَالَ صَاحب الْكتاب: «أَو» هَا هُنَا ظَاهرهَا الشَّك، وَقد ذهب إِلَى ذَلِك قوم، وَهُوَ خطأ، لِأَن الشَّك، لَا يجوز على الله تَعَالَى، الْعَالم لنَفسِهِ، الْعَارِف بِكُل شَيْء قبل كَونه، وَقد رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس، وَهُوَ الْوَجْه، أَنه قَالَ: أَو يزِيدُونَ، بل يزِيدُونَ، وَقَالَ: كَانَت الزِّيَادَة ثَلَاثِينَ ألفا، وَرُوِيَ عَن ابْن جُبَير ونوف الشَّامي أَنَّهُمَا قَالَا: كَانَت الزِّيَادَة سبعين ألفا، فقد ثَبت أَن «أَو» هُنَا، بِمَعْنى «بل» وَقد ذهب إِلَى هَذَا، الْفراء، وَأَبُو عُبَيْدَة، وَقَالَ آخَرُونَ:
(1/73)
________________________________________
إِن «أَو» هَا هُنَا، بِمَعْنى «وَيزِيدُونَ» .
وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى: {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ {87} فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ {88} } [الْأَنْبِيَاء: 87-88] ، قَالَ بعض الْمُفَسّرين: معنى {لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ} [الْأَنْبِيَاء: 87] : «لن نضيِّق عَلَيْهِ» .
وَهَذَا مثله قَوْله: {وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ} [الطَّلَاق: 7] ، أَي: ضيق عَلَيْهِ، وَمثل قَوْله: {قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ} [سبأ: 39] .
وَقد جَاءَ «قدر» بِمَعْنى «ضيق» فِي الْقُرْآن، فِي مَوَاضِع كَثِيرَة، وَمن هَذَا قيل للْفرس الضّيق الخطو: فرس أقدر، لِأَنَّهُ لَا يجوز أَن يهرب من الله تَعَالَى نَبِي من أنبيائه، والأنبياء لَا يكفرون.
وَمن ظن أَن الله تَعَالَى لَا يقدر عَلَيْهِ، أَي: لَا يُدْرِكهُ، أَو أَنه يعجز الله هربا، فقد كفر، والأنبياء عَلَيْهِم السَّلَام، أعلم بِاللَّه سُبْحَانَهُ، من أَن يَظُنُّوا فِيهِ هَذَا الظَّن الَّذِي هُوَ كفر.
وَقد رُوِيَ أَن من أدام قِرَاءَة قَوْله عز وَجل: {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا} [الْأَنْبِيَاء: 87] الْآيَة إِلَى قَوْله: {الْمُؤْمِنِينَ} [الْأَنْبِيَاء: 88] ، فِي الصَّلَاة، وَغَيرهَا، فِي أَوْقَات شدائده، عجل الله لَهُ مِنْهَا فرجا ومخرجا.
وَأَنا أحد من واصلها فِي نكبة عَظِيمَة لحقتني، يطول شرحها وَذكرهَا عَن هَذَا الْموضع، وَكنت قد حسبت، وهددت بِالْقَتْلِ، فَفرج الله عني، وأطلقت فِي الْيَوْم التَّاسِع من يَوْم قبض عَليّ فِيهِ.
(1/74)
________________________________________
قصَّة مُوسَى بن عمرَان عَلَيْهِ السَّلَام
ومُوسَى بن عمرَان عَلَيْهِ السَّلَام، فقد نطق الْقُرْآن بِقِصَّتِهِ فِي غير مَوضِع، مِنْهَا قَوْله تَعَالَى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ {7} فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ {8} وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ {9} وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ {10} وَقَالَتْ لأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ {11} وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ {12} فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ {13} } [الْقَصَص: 7-13] .
فَلَا شدَّة أعظم من أَن يبتلى النَّاس بِملك يذبح أَبْنَاءَهُم، حَتَّى أَلْقَت أم مُوسَى ابْنهَا فِي الْبَحْر مَعَ طفوليته، وَلَا أعظم من حُصُول طِفْل فِي الْبَحْر، فكشف الله , تبَارك اسْمه , ذَلِك عَنهُ، بالتقاط آل فِرْعَوْن لَهُ، وَمَا أَلْقَاهُ فِي قُلُوبهم من الرقة عَلَيْهِ، حَتَّى استحيوه، وَتَحْرِيم المراضع عَلَيْهِ حَتَّى ردُّوهُ إِلَى أمه، وكشف عَنْهَا الشدَّة من فِرَاقه، وَعنهُ الشدَّة فِي حُصُوله فِي الْبَحْر.
وَمعنى وَقَوله تَعَالَى: {لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} [الْقَصَص: 8] ، أَي: يصير عَاقِبَة أمره مَعَهم إِلَى
(1/75)
________________________________________
عَدَاوَة لَهُم، وَهَذِه لَام الْعَافِيَة، كَمَا قَالَ الشَّاعِر:
لدوا للْمَوْت وَابْنُوا للخراب ... وكلكم يصير إِلَى ذهَاب
وَقد علم أَن الْولادَة لَا يقْصد بهَا الْمَوْت، وَالْبناء لَا يقْصد بِهِ الخراب، وَإِنَّمَا عَافِيَة الْأَمر فيهمَا تصير إِلَى ذَلِك.
وعَلى الْوَجْه الأول، قَوْله تَعَالَى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ} [الْأَعْرَاف: 179] أَي: إِن عَاقِبَة أَمرهم، وفعلهم، واختيارهم لنفوسهم، يصيرهم إِلَى جَهَنَّم، فيصيرون لَهَا، لِأَن الله عز وَجل، لم يخلقهم ليقصد تعذيبهم بالنَّار فِي جَهَنَّم، عز الله عَن هَذَا الظُّلم.
وَجعل الله عَاقِبَة أَمر مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام، من تِلْكَ الشدائد، وشدائد بعْدهَا، إِذْ أرْسلهُ إِلَى فِرْعَوْن، لتخليص بني إِسْرَائِيل، وقصصه الَّتِي قبلهَا، وَحَدِيثه إِذْ خرج خَائفًا يترقب، فَهَذِهِ شدَّة أُخْرَى كشفها الله تَعَالَى عَنهُ من تِلْكَ الشدائد، وشدائد بعْدهَا نالته يَأْتِي ذكرهَا أَن بَعثه نَبيا , وأنقذ بِهِ بني إِسْرَائِيل من الشدائد الَّتِي كَانُوا فِيهَا مَعَ فِرْعَوْن، فَقَالَ عز وَجل، فِي تَمام هَذِه الْقِصَّة: {وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ {20} فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ {21} } [الْقَصَص: 20-21] ، فَهَذِهِ شدَّة أُخْرَى كشفها الله عز وَجل.
قَالَ تَعَالَى: {وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ {22} وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ
(1/76)
________________________________________
امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ {23} فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ {24} } [الْقَصَص: 22-24] ، فَهَذِهِ شدَّة أُخْرَى، لحقته بالاغتراب، وَالْحَاجة إِلَى الِاضْطِرَاب فِي الْمَعيشَة والاكتساب، فوفق الله تَعَالَى لَهُ شعيبا، قَالَ الله عز وَجل، فِي تَمام هَذِه الْقِصَّة: {فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [الْقَصَص: 25] .
ثمَّ أخبر الله تَعَالَى فِي هَذِه الْقِصَّة، كَيفَ زوجه شُعَيْب ابْنَته، بعد أَن اسْتَأْجرهُ ثَمَانِي حجج، وَأَنه خرج بأَهْله من عِنْد شُعَيْب، فَرَأى النَّار، فَمضى يقتبس مِنْهَا، فَكَلمهُ الله تَعَالَى، وَجعله نَبيا، وأرسله إِلَى فِرْعَوْن، فَسَأَلَهُ أَن يُرْسل مَعَه أَخَاهُ هَارُون، فَشد الله تَعَالَى عضده بِهِ، وَجعله نَبيا مَعَه، فَأَي فرج أحسن من فرج أَتَى رجلا خَائفًا، هَارِبا، فَقِيرا، قد أجر نَفسه ثَمَانِي حجج، بِالنُّبُوَّةِ وَالْملك؟ قَالَ الله تَعَالَى فِي { [الْأَعْرَاف:] وَقَالَ الْمَلأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ} [سُورَة الْأَعْرَاف: 127] ، فَهَذِهِ شدَّة لحقت بني إِسْرَائِيل، فكشفها الله عَنْهُم، قَالَ سُبْحَانَهُ: {قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ {128} قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي
(1/77)
________________________________________
الأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ {129} } [الْأَعْرَاف: 128-129] .
وَقَالَ تَعَالَى، فِي تَمام هَذِه الْقِصَّة، فِي هَذِه ال { [، بعد آيَات:] وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ} [سُورَة الْأَعْرَاف: 137] ، فَأخْبر تَعَالَى عَن صنعه لَهُم، وفلقه الْبَحْر حَتَّى عبروه يبسا، وإغراقه فِرْعَوْن لما اتبعهم.
وكل هَذِه أَخْبَار عَن محن عَظِيمَة انجلت بمنح جليلة، لَا يُؤدى شكر الله عَلَيْهَا، وَيجب على الْعَاقِل تأملها، ليعرف كنه تفضل الله عز وَجل بكشف شدائده وإغاثته، بإصلاح كل فَاسد لمن تمسك بِطَاعَتِهِ، وأخلص فِي خَشيته، وَأصْلح من نِيَّته، فسلك هَذِه السَّبِيل، فَإِنَّهَا إِلَى النجَاة من المكاره، أوضح طَرِيق، وَهدى دَلِيل.

قصَّة أَصْحَاب الْأُخْدُود
وَذكر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فِي: وَالسَّمَاء ذَات البروج أَصْحَاب الْأُخْدُود، وروى قوم من أهل الْملَل الْمُخَالفَة لِلْإِسْلَامِ عَن كتبهمْ أَشْيَاء من ذَلِك، فَذكرت الْيَهُود وَالنَّصَارَى: أَن أَصْحَاب الْأُخْدُود كَانُوا دعاة إِلَى الله، وَأَن ملك بلدهم، أضرم لَهُم نَارا، وطرحهم فِيهَا، فَاطلع الله تَعَالَى على صبرهم، وخلوص نياتهم فِي دينه وطاعته، فَأمر النَّار أَن لَا تحرقهم، فشوهدوا فِيهَا قعُودا، وَهِي تضطرم عَلَيْهِم، وَلَا تحرقهم، ونجوا مِنْهَا، وَجعل الله دَائِرَة السوء على الْملك، وأهلكه.
(1/78)
________________________________________
قصَّة دانيال عَلَيْهِ السَّلَام
وَذكر هَؤُلَاءِ الْقَوْم: أَن نَبيا، كَانَ فِي بني إِسْرَائِيل بعد مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام بِزَمَان طَوِيل، يُقَال لَهُ: دانيال، وَأَن قومه كذبوه، فَأَخذه ملكهم، فقذفه إِلَى أَسد مجوعة فِي جب، فَلَمَّا اطلع الله تَعَالَى على حسن اتكاله عَلَيْهِ، وَصَبره طلبا لما لَدَيْهِ، أمسك أَفْوَاه الْأسد عَنهُ، حَتَّى قَامَ على رءوسها برجليه، وَهِي مذللة، غير ضارة لَهُ، فَبعث الله تَعَالَى إرميا من الشَّام، حَتَّى تخلص دانيال من هَذِه الشدَّة، وَأهْلك من أَرَادَ إهلاك دانيال.
وعضدت روايتهم، أَشْيَاء رَوَاهَا أَصْحَاب الحَدِيث، مِنْهَا
مَا حدّثنَاهُ عَليّ بن أبي الطّيب الْحسن بن عَليّ بن مطرف الرامَهُرْمُزِي، قَالَ: حَدثنَا أَحْمد بن مُحَمَّد بن الْجراح، قَالَ: حَدثنَا أَبُو بكر عبد الله بن مُحَمَّد بن أبي الدُّنْيَا الْقرشِي، قَالَ: حَدثنَا أَحْمد بن عبد الْأَعْلَى الشَّيْبَانِيّ، قَالَ: إِن لم أكن سمعته
(1/79)
________________________________________
من شُعَيْب بن صَفْوَان، فحدثنا بعض أَصْحَابنَا عَنهُ، عَن الْأَجْلَح الْكِنْدِيّ، عَن عبد الله بن أبي الهديل قَالَ: ضرى بخت نصر أسدين، فألقاهما فِي جب، وجا بدانيال فَأَلْقَاهُ عَلَيْهِمَا، فَلم يهيجاه، فَمَكثَ مَا شَاءَ الله، ثمَّ اشْتهى مَا يَشْتَهِي الآدميون، من الطَّعَام وَالشرَاب، فَأوحى الله إِلَى إرميا، وَهُوَ بِالشَّام، أَن أعد طَعَاما وَشَرَابًا لدانيال، فَقَالَ: يَا رب، أَنا بِالْأَرْضِ المقدسة، ودانيال بِأَرْض بابل من أَرض الْعرَاق، فَأوحى الله تَعَالَى إِلَيْهِ أَن أعد مَا أمرناك بِهِ، فَإنَّا سنرسل إِلَيْك من يحملك، وَيحمل مَا أَعدَدْت فَفعل، فَأرْسل الله إِلَيْهِ من حمله، وَحمل مَا أعد، حَتَّى وقف على رَأس الْجب.
فَقَالَ دانيال: من هَذَا؟ قَالَ: أَنا إرميا.
قَالَ: مَا جَاءَ بك؟ قَالَ: أَرْسلنِي إِلَيْك رَبك.
قَالَ: وذكرني؟
(1/80)
________________________________________
قَالَ: نعم.
قَالَ: الْحَمد لله الَّذِي لَا ينسى من ذكره، وَالْحَمْد لله الَّذِي لَا يخيب من رجاه , وَالْحَمْد لله الَّذِي من توكل عَلَيْهِ كَفاهُ، وَالْحَمْد لله الَّذِي من وثق بِهِ لم يكله إِلَى غَيره، وَالْحَمْد لله الَّذِي يَجْزِي بِالْإِحْسَانِ إحسانا، وبالسيئات غفرانا، وَالْحَمْد لله الَّذِي يَجْزِي بِالصبرِ نجاة، وَالْحَمْد لله الَّذِي يكْشف ضرنا، بعد كربنا، وَالْحَمْد لله الَّذِي هُوَ ثقتنا، حِين تسوء ظنوننا بأعمالنا، وَالْحَمْد لله الَّذِي هُوَ رجاءنا، حِين تَنْقَطِع الْحِيَل منا.
(1/81)
________________________________________
الشدائد الَّتِي جرت على نَبينَا مُحَمَّد صلوَات الله عَلَيْهِ
وَقد ذكر الله تَعَالَى فِي مُحكم كِتَابه، الشدَّة الَّتِي جرت على مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وعَلى آله الأخيار، فِيمَا اقتصه من قصَّة الْغَار، فَقَالَ سُبْحَانَهُ: {إِلا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التَّوْبَة: 40] .
وروى أَصْحَاب الحَدِيث، مَا يطول إِعَادَته بألفاظه وَأَسَانِيده، أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لما خَافَ أَن يلْحقهُ الْمُشْركُونَ، حِين سَار عَن مَكَّة مُهَاجرا، دخل الْغَار هُوَ أَبُو بكر الصّديق، فاستخفى فِيهِ، فَأرْسل الله عنكبوتا فنسج فِي الْحَال على بَاب الْغَار، وحمامة عششت، وباضت، وفرخت للْوَقْت، فَلَمَّا انْتهى الْمُشْركُونَ إِلَى الْغَار، رَأَوْا ذَلِك، فَلم يشكوا أَنه غَار لم يدْخلهُ حَيَوَان مُنْذُ حِين، وَأَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأَبا بكر، ليريان أَقْدَامهم، ويسمعان كَلَامهم، فَلَمَّا انصرفوا، وأبعدوا، وَجَاء اللَّيْل، خرجا، فسارا نَحْو الْمَدِينَة، فورداها سَالِمين.
وروى أَصْحَاب الحَدِيث أَيْضا، من شرح حَال النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
(1/82)
________________________________________
فِي المحن الَّتِي لحقته من شقّ الفرث عَلَيْهِ، ومحاولة أبي جهل، وَشَيْبَة وَعتبَة ابْني ربيعَة، وَأبي سُفْيَان صَخْر بن حَرْب وَالْعَاص بن وَائِل، وَعقبَة بن أبي
(1/83)
________________________________________
معيط، وَغَيرهم، قَتله، وَمَا كَانُوا يكاشفونه بِهِ، من السب والتكذيب، والاستهزاء والفدع والتأنيب، ورميهم إِيَّاه بالجنون، وقصدهم إِيَّاه غير دفْعَة بأنواع الْأَذَى والعضيهة والافتراء، وحصرهم إِيَّاه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَجَمِيع بني هَاشم فِي الشّعب، وتخويفهم إِيَّاه، وتدبيرهم أَن يقتلوه، حَتَّى بعد، وَبَيت عليا عَلَيْهِ السَّلَام على فرَاشه، مَا يطول اقتصاصه، وَيكثر شَرحه، ثمَّ أعقبه الله تَعَالَى من ذَلِك بالنصر والتمكين، وإعزاز الدَّين، وإظهاره على كل دين، وقمع الجاحدين وَالْمُشْرِكين، وَقتل أُولَئِكَ الْكَفَرَة المارقين والمعاندين، وَغَيرهم من المكذبين الْكَاذِبين، الَّذين كَانُوا عَن الْحق ناكثين،
(1/84)
________________________________________
وبالدين مستهزئين، وَلِلْمُؤْمنِينَ مناصبين متوعدين، وَلِلنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مكاشفين محاربين، وأذل من بَقِي مِنْهُم بعز الْإِسْلَام بعد أَن عاذ بإظهاره، وأضمر الْكفْر فِي إسراره، فَصَارَ من الْمُنَافِقين الملعونين، وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين.
(1/85)
________________________________________
أَخْبَار جَاءَت فِي آيَات الْقُرْآن
وَهِي تجْرِي فِي هَذَا الْبَاب وتنضاف إِلَيْهِ
1: 86 2 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي الطَّيِّبِ بْنِ مُطَرِّفٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْجَرَّاحِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقُرَشِيُّ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ أَبِي الدُّنْيَا، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ رَاشِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَمَّادٍ الشُّعَيْثِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا كَهْمَسُ بْنُ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي السَّلِيلِ، قَالَ: قَالَ أَبُو ذَرٍّ: كَانَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَتْلُو هَذِهِ الآيَةَ: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا {2} وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ
(1/86)
________________________________________
حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ} [الطَّلَاق: 2-3] ، ثُمَّ يَقُولُ: يَا أَبَا ذَرٍّ، لَوْ أَنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ أَخَذُوا بِهَا لَكَفَتْهُمْ
1: 87 3 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْجَرَّاحِ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ بَذِيمَةَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إِنَّ بَنِي فُلانٍ أَغَارُوا عَلَيَّ، فَذَهَبُوا بِإِبِلِي وَابْنِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ آلَ مُحَمَّدٍ، لكَذَا وَكَذَا أَهل، مَا فِيهِمْ مُدٌّ مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَاعٌ مِنْ طَعَامٍ، فَسَلِ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ.
(1/87)
________________________________________
فَرَجَعَ إِلَى امْرَأَتِهِ، فَقَالَتْ: مَا قَالَ لَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرَهَا.
فَقَالَتْ: نِعْمَ مَا رَدَّكَ إِلَيْهِ.
فَمَا لَبِثَ أَنْ رَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِ إِبِلَهُ أَوْفَرَ مَا كَانَتْ، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ.
فَصَعِدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمِنْبَرَ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَأَمَرَ النَّاسَ بِمَسْأَلَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَالرُّجُوعِ إِلَيْهِ، وَالرَّغْبَةِ فِيهِ، وَقَرَأَ عَلَيْهِمْ: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا {2} وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} [الطَّلَاق: 2-3] .
1: 88 4 - وَحَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي الطَّيِّبِ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْجَرَّاحِ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْفَرَسِيُّ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ يُونُسَ بْنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلانِيِّ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، وَسُئِلَ عَنْ هَذِهِ الآيَةِ: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي
(1/88)
________________________________________
شَأْنٍ} [الرَّحْمَن: 29] ، قَالَ: سُئِلَ عَنْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «إِنَّ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَغْفِرَ ذَنْبًا، وَيَكْشِفُ كَرْبًا، وَيَرْفَعُ أَقْوَامًا، وَيَضَعُ آخَرِينَ» .
أَخبرني مُحَمَّد بن الْحسن بن المظفر الْكَاتِب، قَالَ: أَنبأَنَا مُحَمَّد بن عبد الْوَاحِد، أَبُو عمر، قَالَ: حَدثنَا بشر بن مُوسَى الْأَسدي، قَالَ: حَدثنَا أَبُو بكر الْأَسدي، قَالَ: حَدثنَا أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ، قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الْكَرِيم، قَالَ: سَمِعت سعيد بن عَنْبَسَة يَقُول: بَيْنَمَا رجل جَالس وَهُوَ يعبث بالحصى ويحذف بهَا، إِذْ رجعت حَصَاة مِنْهَا فَصَارَت فِي أُذُنه، فجهد بِكُل حِيلَة، فَلم يقدر على إخْرَاجهَا، فَبَقيت الْحَصَاة فِي أُذُنه دهرا تؤلمه، فَبَيْنَمَا هُوَ ذَات يَوْم جَالس، إِذْ سمع قَارِئًا يقْرَأ: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ} [النَّمْل: 62] . . . . . الْآيَة
(1/89)
________________________________________
، فَقَالَ الرجل: يَا رب أَنْت الْمُجيب، وَأَنا الْمُضْطَر، فاكشف ضرّ مَا أَنا فِيهِ، فَنزلت الْحَصَاة من أُذُنه.
قَالَ مؤلف هَذَا الْكتاب: وَقد لقِيت أَنا أَبَا عمر مُحَمَّد بن عبد الْوَاحِد الْمَعْرُوف بِغُلَام ثَعْلَب، وبالزاهد، وحملت عَنهُ، وَأَجَازَ لي جَمِيع مَا يَصح عِنْدِي من رواياته، وَلم أسمع هَذَا الْخَبَر مِنْهُ، إِلَّا أَنه قد دخل فِي الْإِجَازَة
حَدثنَا عَليّ بن أبي الطّيب، قَالَ: حَدثنَا ابْن الْجراح، قَالَ: حَدثنَا ابْن أبي الدُّنْيَا، قَالَ: حَدثنَا خَالِد بن خِدَاش، قَالَ: حَدثنَا عبد الله بن زيد بن أسلم، عَن أَبِيه زيد , عَن أَبِيه أسلم: أَن أَبَا عُبَيْدَة حصر، فَكتب إِلَيْهِ عمر: مهما نزل بامرئ من شدَّة، يَجْعَل لَهُ الله بعْدهَا فرجا، وَلنْ يغلب عسر يسرين، فَإِنَّهُ يَقُول: {اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمرَان: 200]
1: 90 5 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي الطَّيِّبِ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْجَرَّاحِ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ:
(1/90)
________________________________________
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَخْرٍ: أَنَّ يَزِيدَ الرَّقَاشِي
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
مائة صفحة من كتاب: (الفرج بعد الشدة)..(1)
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» خمسون صفحة من كتاب: (الفرج بعد الشدة)..(2)
» من كتاب: الفرج بعد الشدة (قصة لوط عليه السلام).
» من كتاب: الفرج بعد الشدة (قصة أصحاب الأخدود).
» من كتاب: الفرج بعد الشدة (قصة آدم عليه السلام).
» من كتاب: الفرج بعد الشدة (قصة نوح عليه السلام).

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
 :: المكتبه العامه ومنتدى الحصاحيصا التوثيقى :: مكتبة الحصاحيصا العامه-
انتقل الى: