الشيوعية في الميزان
لفضيلة الشيخ/ محمد علي عبد السميع - كلية الدعوة وأصول الدين
الإنسان متدين بطبعه:
لقد خلق الله هذا الكون لغاية فاضلة وحكمة سامية؛ فلم يخلقه لهوا ولا عبثا، وإنما خلقه للدلالة على ذاته وعنوانا على قدرته وإحكامه، ثم اقتضت حكمته تعالى أن أرسل من لدنه رسلا لينقلوا الناس من دياجير الجهل والظلام ومهانة الإفك والضلال إلى نور العلم والعرفان؛ حتى لا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل، قال تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} .
وإن الناظر في هذا الكون العجيب ليرى الأدلة ناطقة على حكمة خالقه، والبراهين ساطعة على قدرة موجده، ولقد درج الإنسان من مبدأ الخليقة على التديّن والإقرار بأن للوجود إلها هو مسيّر أمره ومدبّر شأنه، والجماعات الإنسانية على مدى العصور والدهور وإن لم تتفق على من هو ذلك الإله، إلا أن الشعور من قرارة نفس كل فرد يناديه بأن قوة قاهرة هي المسيطرة على الوجود، وبالتالي يسميها الإنسان بالإله.
ومردّ ذلك الاختلاف بين الجماعة الإنسانية هو أن الديانات السماوية وإن أجمعت على أن إله الكون هو الله تعالى الذي لا إله إلا هو، إلا أن كثيرا ما كان ينحرف الناس عن تعاليم تلك الديانات؛ فيرمزون إليه بكوكب تارة، أو بحيوان تارة أخرى، أو غير ذلك من الأشياء التي يرون فيها القوة الخارقة والقدرة الفائقة؛ لاستشعارهم أن الإله لا بدّ أن يكون ذا جبروت لا يبارى واقتدار لا يجارى، وفي بعض الأوقات يرمزون إليه بشيء يجدون احتياجهم إليه شديدا، وأن حياتهم متوقفة عليه، وليس بلازم
أن يكون ذا بأس وقوة. كل هذه المعاني وتلك الاتجاهات من الإنسان تدل على اقتناعه في قرارة نفسه على أن للوجود إلها هو الذي إليه يرجع الوجود في كل أمر من أموره.
استمر الأمر على ذلك قرونا وقرونا وأجيالا وأجيالا يسطع نور الحق، حاملا مشعله رسول يرسل أو نبي يبشر، ويخبو نوره تارة أخرى عندما تمتدّ الفترة بين الرسل؛ فتنتكس عقائد الناس ويركسون في الضلالة من جديد، حتى أرسل الله محمدا صلى الله عليه وسلم بشيرا ونذيرا، ورسولا إلى الخلق كافة؛ فملأ هداه الخافقين وانتشر نبأ رسالته في المشرقين، وهناك في أوربا وآسيا كانت المسيحية ضارية شرسة في القرون الوسطى، وكان لرجالها سلطان قوي، وكان للقياصرة في روسيا بأس شديد؛ فتسلل أحد قساوسة اليهود إلى صفوف هؤلاء القياصرة، وكان داعرا منحلا؛ فأشاع الدّعر والعهر بين صفوف هؤلاء القياصرة من حكام روسيا، فشوّه بذلك صورتهم ولطّخ بهذا الصنيع سمعتهم، فظهروا في أعين الناس بمظهر منبوذ كريه كما ظهر بهذا المظهر ذلك القسيس، وهنا أصبح رجال الدين والحكم في نظر العامة عنوانا على الفساد الخلقي والانحلال السلوكي؛ فتبرّم الناس بالقياصرة رجال الحكم وبالقساوسة رجال الدين، وقد كان الناس يئنون من بشاعة حكم هؤلاء وتسلّط أولئك؛ فوجدوا الفرصة سانحة لأن ينفضوا عن أنفسهم غبارا طال ما تراكم عليهم، وكتم أنفاس التخلص تغلي في صدورهم؛ فقرّروا أنه لا بد من التخلص منهما معا؛ لأن كلا منهما ظهر بصورة حطّت من شأنه وهوّنت من احترامه في نفوس الناس.