الفتوى الصادرة من الشيخ/ علاء الدين عبد الله ابو زيد/الأمين العام لجمعية الإمام مالك الفقهية الصادرة في ابريل / 2008 عن مشروعية الاحتفال بالمولد النبوي الشريفبسم الله الرحمن الرحيم
مقدمةا
لحمد لله الرب العالمين و الصلاة والسلام علي خير المرسلين سيدنا محمد الصادق الأمين وعلي آله وصحبه أجمعين
أما بعد
فقد كثر الكلام عن حكم الاحتفال بالمولد النبوي وما كنت أود أن اجمع شيئا مما كتبه العلماء في هذا الموضوع وذلك لان ما شغل ذهني وذهن العقلاء من المسلمين هو اكبر من هذه القضية الجانبية لأن أعداء الإسلام اليوم قد جمعوا لضرب الأمة الإسلامية وقطعها من جذورها وصار الحديث عن حكم المولد أشبه ما يكون بالحولية التي تقرأ في كل موسم وتنشر في كل عام وقد ظهرت بعض الطوائف التي تنكر علي الناس مثل هذه الاحتفالات من غير علم ومعرفة .
وخوفا من أن يكون ذلك من كتمان العلم ، أقدمت علي المشاركة في جمع ما كتبه بعض العلماء في هذا الموضوع
والله ولي التوفيق وهو الهادي إلي الطريق المستقيم .تمهيد :ا
لأحكام الشرعية إنما تعرف بالأدلة التي أقامها الشارع لترشد المكلفين إليها وتدلهم عليها وتسمي هذه الأدلة بأصول الأحكام أو المصادر الشرعية للإحكام أو أدلة الأحكام ، فهي أسماء مترادفة والمعني واحد .
والدليل في اللغة : ما فيه دلالة أو إرشاد إلي أمر من الأمور.
وفي اصطلاح الأصوليين : ما يمكن التوصل بالنظر فيه إلي مطلوب خبري ، والمطلوب الخبري هو الحكم الشرعي .
وقد اشترط بعض الأصوليين في الدليل أن يكون موصلا إلي حكم شرعي علي سبيل القطع، فان كان علي سبيل الظن فهو إمارة لا دليل ولكن المشهور عند الأصوليين إن هذا ليس بشرط ، فالدليل عندهم ما يستفاد منه حكم شرعي عملي علي سبيل القطع أو الظن والأدلة الشرعية لا تنافي العقول لأنها منصوبة في الشريعة وتعرف بها الأحكام وتستنبط منها فلو نافتها لفات المقصود منها كما إن الاستقراء دل علي جريان الأدلة علي مقتضي العقول بحيث تقبلها العقول وتنقاد لمقتضاها . تقسيمات الأدلة : تقسم الأدلة إلي تقسيمات مختلفة بالنظر إلي اعتبارات مختلفة أي بالنظر إلي الجهة ينظر منها إليها ونذكر في ما يلي تقسيمين من التقسيم :التقسيم الأول : من جهة مدي الاتفاق والاختلاف في هذه الأدلة وهي بهذا الاعتبار الأنواع التالية :
النوع الأول : وهو محل إجماع بين أئمة المسلمين ويشمل هذا النوع (القران والسنة ) .
النوع الثاني : وهو محل اتفاق بين أئمة المسلمين وهو ( الإجماع والقياس ) فقد خالف في الإجماع النظام من المعتزلة وبعض الخوارج ، وخالف في القياس الجعفرية والظاهرية .
النوع الثالث : هو محل اختلاف بين العلماء حتى جمهورهم الذين قالوا بالقياس وهذا النوع يشمل العرف والاستصحاب والاستحسان و المصالح المرسلة وشرع من قبلنا ومذهب الصحابي ، فمن العلماء من اعتبر هذا النوع من مصادر التشريع ومنهم من لم يعتبرها .التقسيم الثاني :ا
لأدلة من حيث رجوعها إلي النقل أو الرأي وتنقسم إلي قسمين نقلية وعقلية .النوع الأول الأدلة النقلية: وهي الكتاب والسنة ويلحق بهذا النوع الإجماع ومذهب الصحابي وشرع من قبلنا علي رأي من يأخذ بهذه الأدلة ويعتبرها مصادر للتشريع و إنما كان هذا النوع من الأدلة نقليا لأنه راجع إلي التعبد بأمر منقول عن الشارع لا نظر ولا رأي لأحد فيه .النوع الثاني الأدلة العقلية : أ
ي التي ترجع إلي النظر والرأي وهذا النوع هو القياس ويلحق به الاستحسان والمصالح المرسلة والاستصحاب وإنما كان هذا النوع عقليا لان مرده إلي النظر والرأي لا إلي أمر منقول عن الشارع وهذه القسمة التي ذكرناها إنما هي بالنسبة إلي أصول الأدلة أما بالنسبة إلي الاستدلال بها علي الحكم الشرعي فكل نوع من النوعين مفتقر إلي الآخر لان الاستدلال بالمنقول عن الشارع لابد فيه من النظر واستعمال العقل الذي هو أداة الفهم كما أن الرأي لا يكون صحيح معتبر إلا إذا استند إلي النقل لان العقل المجرد لا دخل له في تشريع الأحكام .المبحث الأول
في معني الاحتفال
ا
لاحتفال : بمعني إظهار الفرح والسرور
معني الاحتفال بالمولد :
هو التعبير عن الفرح والسرور بالمصطفي صلي الله عليه وسلمالمبحث الثاني
في الأدلة
الدليل الأول من القرآن الكريم :إ
ن الفرح بالنبي (ص) أمر مطلوب بنص القرآن الكريم والاحتفال نوع من أنواع الفرح قال تعالي في سورة يونس ( قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا) فالله أمرنا أن نفرح بالرحمة والنبي (ص) أعظمة الرحمة قال تعالي ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين).الدليل الثاني من السنة:1
/ أنه صلي الله عليه وسلم كان يعظم يوم مولده ويشكر الله تعالي فيه علي نعمته الكبرى عليه وتفضله عليه بالوجود لهذا الوجود إذ سعد به كل موجود وكان يعبر عن ذلك التعظيم بالصيام كما جاء في الحديث عن أبي قتادة رضي الله عنه: إن رسول الله (ص) سئل عن صوم يوم الاثنين فقال :( فيه ولدت وفيه أنزل علي) رواه الإمام مسلم في كتاب الصيام ،وهذا في معني الاحتفال به إلا أن الصورة مختلفة ولكن المعني موجود سواء كان ذلك بصيام أو إطعام أو اجتماع علي ذكر أو صلاة علي النبي صلي الله عليه وسلم أو سماع شمائله الشريفة.
2/ فقد جاء في البخاري أنه يخفف عن أبي لهب كل يوم اثنين بسبب عتقه لثويبةجاريته لما بشرته بولادة المصطفي (ص) ويقول في ذلك الحافظ شمس الدين محمد بن ناصر الدين الدمشقي:إذا كان هذا كافراً جاء ذمه بتبت يداه في الجحيم مخلدا
أتي أنه في يوم الاثنين دائماً يخفف عنه بالسرور باحمدا
فما الظن بالعبد الذي كان عمره بأحمد مسرورا ومات موحدا [/siz
e]
[size=18]وهذه القصة رواها البخاري في الصحيح في كتاب النكاح ونقلها الحافظ بن حجر في الفتح ورواها الإمام عبد الرازق الصنعاتي في المصنف ج7 ص 478، والحافظ البيهقي في الدلائل ، وابن كثير في السير النبوية من البداية ج1 ص224، والحافظ البغري في شرح السنة ج9 ص76 وغيرهم من الأئمة.
وهي وإن كانت مرسلة إلا أنها مقبولة لأجل نقل البخاري لها واعتماد العلماء من الحفاظ لذلك، ولكونها في المناقب والخصائص لا في الحلال والحرام وأهل العلم يعرفون الفرق في الاستدلال في الحديث بين المناقب والأحكام.
الدليل الثالث من القياس: القياس في اللغة: يطلق علي تقدير شيء بشيء آخر.
في اصطلاح الأصوليين: تسوية واقعة لم يرد نص بحكمها بواقعة ورد النص بحكمها في الحكم المنصوص عليه لتساوي الواقعتين في علة الحكم.
أركان القياس:
1/ الأصل ويسمي بالمقيس عليه وهو ما ورد النص بحكمه.
2/ حكم الأصل وهو الحكم الشرعي الذي ورد به النص في الأصل ويراد تعديته للفرع.
3/ الفرع ويسمي بالمقاس وهو ما لم يرد نص بحكمه ويراد أن يكون له حكم الأصل بطريق القياس.
4/ العلة وهو الوصف الموجود في الأصل والذي من أجله شرع الحكم فيه وبناء علي وجوده الفرع يراد تسويته بالأصل في هذا الحكم.
في مسألة المولد. ما هو الأصل والفرع والحكم والعلة؟
الأصل: هو أنه صلي الله عليه وسلم لما وصل المدينة ورأي اليهود يصومون يوم عاشوراء سأل عن ذلك فقيل له أنهم يصومون لأن الله نجي نبيهم وأغرق عدوهم فهم يصومونه شكراً لله علي هذه النعمة فقال صلي الله عليه وسلم: ( نحن أولي بموسي منكم) فصامه وأمر بصيامه.
حكم الأصل: صيام يوم عاشورا ( مندوب) أي سنة.
الفرع: الاحتفال بالمولد.
العلة في الأصل: الشكر لله تعالي ، والعلة كذلك في الفرع الشكر لله تعالي علي بعثة النبي صلي الله عليه وسلم اذن هناك تساوي ما بين علة الأصل والفرع وهي الشكر، فلذا يكون حكم الأصل وهو (الندب) حكماً للفرع وهو الاحتفال بالمولد.
إذن يكون الاحتفال بالمولد (مندوب) قياساً.
ولقد قام بهذا القياس ابن حجر العسقلاني صاحب كتاب فتح الباري علي صحيح البخاري، وقد ذكر هذا الإمام الحافظ السيوطي في كتابه حسن المقصد في عمل المولد وهو مطبوع مع الحاوي للفتاوى في الجزء الأول.
الدليل الرابع:
إن المولد أمر استحسنه العلماء والمسلمون في جميع البلاد وجري به العمل في كل بلد فهو مطلوب شرعاً للقاعدة المأخوذة من حديث ابن مسعود الموقوف: (ما رآه المسلم حسناً فهو عند الله حسن وما رآه المسلم قبيح فهو عند الله قبيح)أخرجه أحمد.المبحث الثالث
أقوال العلماء في جواز الاحتفال بالمولد [/size
]
[size=18]قول ابن تيميه في كتاب ( اقتضاء الصراط المستقيم) ص294 فتعظيم المولد واتخاذه موسماً قد يفعله بعض الناس ويكون له فيه أجر عظيم لحسن قصده وتعظيمه لرسول الله صلي الله عليه وسلم.
وقال أيضاً في ص294 من الكتاب نفسه وكذلك ما يحدثه بعض الناس إما مضاهاة للنصارى في ميلاد عيسي عليه السلام وإما محبة للنبي صلي الله عليه وسلم وتعظيماً له والله قد يثيبهم علي هذه المحبة والاجتهاد.
المبحث الرابع
الكتب المصنفة في المولد النبوي الشريف [/size
]
[size=18]الكتب المصنفة في المولد كثيرة جدا منها المنظوم ومنها المنشور ومنها المختصر والمطول والوسط ، لا نريد في هذه العاجلة الموجزة ذكر ذلك كله لكثرته وسعته فإني سأقتصر علي ذكر كبار علماء الأمة من الحفاظ و الأئمة الذين صنفوا في المولد:
1/ الحافظ محمد بن أبي بكر بن عبد الله الدمشقي المعروف بابن ناصر الدين الدمشقي والمولد سنة (777) هجرية وله كتاب باسم *جامع الآثار في مولد النبي المختار*.
2/ الحافظ عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن المصري الشهير بالحافظ العراقي المولد سنة (725) هجرية له كتاب باسم * ألهني في المولد السني*.
3/ الحافظ محمد بن عبد الرحمن بن محمد القاهري المعروف باسم الحافظ السخاوي المولود سنة (831) هجرية قال في كشف الظنون أن للحافظ السخاوي جزء من المولد الشريف.
4/ الحافظ بن كثير، صنف مولداً نبوياً طبع أخيراً بتحقيق الدكتور/ صلاح الدين المنجد.
5/ الحافظ السيوطي، كتابه باسم * حسن المقصد في عمل المولد* مطبوع مع كتابه الحاوي للفتاوى.
وقد صنف غيرهم من الأئمة والعلماء وجزأهم الله خيراً عن الإسلام والمسلمين.
المبحث الخامس
في*هل الترك يدل علي المنع ؟*
قال علماء الأصول لا يدل الترك علي الحرمة أي بمعني ما ترك رسول الله (ص) فعله أو أصحابه أو التابعين لا يدل علي أنه حرام لأن الحرام لا يثبت إلا بنص.
واستدلوا علي ذلك بترك النبي(ص) أكل لحم الضب ، وعندما سئل أحرام هو؟ قال: لم أقل حرام ولكنه غير معروف عند أهلي .
فلذا ليس كل ما لم يفعله السلف ولم يكن في الصدر الأول فهو بدعة منكرة سيئة يحرم فعلها ويجب إنكارها بل يجب أن يعرض ما أحدث علي أدلة الشرع فما اشتمل علي مصلحة فهو واجب أو علي محرم فهو محرم أو علي مكروه فهو مكروه أو علي مباح فهو مباح أو علي مندوب فهو مندوب، وللوسائل حكم القصد.
قال الإمام الشافعي (رضي الله عنه): ما أحدث وخالف كتاباً أو سنة أو إجماعاً أو أثر فهو البدعة الضالة وما أحدث من خير ولم يخالف شيئاً من ذلك فهو محمود.المبحث السادس
حلوي المولد
ما يصنع من حلوى المولد في أيام الاحتفال بذكري المولد النبوي الشريف أمر مباح، بل لو قصد صاحبها إظهار الفرح والسرور بالنبي (ص) فله الأجر علي ما فعله.
وهذه الحلوى ليست داخلة في التصاوير التي منعها النبي (ص) بل تدخل في لعب الأطفال والدليل علي ذلك ( قد دخل النبي صلي الله عليه وسلم علي عائشة رضي الله عنها وهي تلعب بالبنات فأقرها ولم ينكر عليها).