بسم الله الرحمن الرحيم
لو كشف لك من علم الغيب عن خفي أجلك، فأخبرت أن ما تدركه من رمضان
هذه السنة هو آخر رمضان لك في الحياة..ثم أنت لا تدري أتتمه أم تنقطع
بالموت دونه، لو قيل لك ذلك... كم سيكون الخير فيك؟!
وكم ستجهد في استغلال أيامه ولياليه، وتحقيق الإخلاص والصدق فيه؟!
وكم هي أعمال البر التي سنقوم بها؟!
إن الشعور بالوداع وتضايق الفرص يبعث في النفس من
الاهتمام والجد والتوجه شيئاً لا يبعثه التسويف وطول الأمل..
جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال: يا رسول الله علمني و أوجز. فقال: إذا قمت
في صلاتك فصل صلاة مودع)) (رواه بن ماجة وحسنه الألباني 4171).
تصور أنك تصلي صلاة تنتظر بعدها الموت، كم ستخشع فيها ويحضر قلبك؟!
وكم ستتمها وتحقق الإخلاص فيها؟!. لماذا لا نستحضر روح
الوداع في عباداتنا كلها؟! ونستشعر أننا نصوم رمضان هذه السنة
صوم مودع؟ وننظر إلى إقبالة رمضان هذه السنة على أنها إقبالة ملوح بالوداع..
كم كنت تعرف ممن صام في سلف * * * من بين أهل وجيران وإخـوان
أفناهم الموت واستقباك بعدهــم * * * حياً فما أقرب القاصي من الداني
ومعجب بثياب العيد يقطــعها * * * فأصبحت في غدٍ أثواب أكفان
فكم من مستقبل يوماً لا يكمله، ومؤملاً لغدٍ لا يدركه،
وقد روي في الحديث (افعلوا الخير دهركم وتعرضوا لنفحات رحمة الله فإن لله
نفحات من رحمته يصيب بها من يشاء من عباده) (نداء الربان 1/166).
فتعال معي أيها الحبيب نستحضر أحاسيس الوداع،
ولوعة الفراق، علَّنا نودع بها دعة أتلفت أيامنا، وكسلاً أذهب أعوامنا،
وأمانٍ أضعت أيماننا.. تعال معي: نخص هذا الشهر الكريم بمزيد عناية وكأنا نصومه
صوم مودع، دعنا نخرجه من إلف العادة المستحكمة، إلى
روح العبادة المشرقة.. والله يتولانا وإياك بعونه ورعايته..
دمتم بكل الود