الرسالة الأولى:
الأخ العزيز السماني
سلام من المنفى في أمريكا،
فلقد ظللت أتابع باهتمام قضية أختك أبرار الهادي محمد عبد الله. أبرار التي تقولان اسمها مريم يحيى. وربما أنت لا تعلم أني نشرت مقالين في سودانايل أشيد بأختك مريم/أبرار. وأعتمدها اليوم أنها أقوى امرأة في تاريخ السودان. فلم نسمع بامرأة في عمرها صمدت أمام الجلادين في حكومة الإنقاذ.جاءوها مسلحين بالسياط وبحبل المشنقة.وبأدوات التعذيب النفسي. بالملاحقة من قبل شيوخ الاستتابة، في المحكمة وفي سجنها.وبالأكاذيب أنها مسحورة مجنونة مقهورة تحتاج إلى "الرقيا". وبالمراقبة والاستفزاز من المشرفات المتجسسات من منظمة تائبات ناقلات الأخبار من داخل سجن النساء. وبالحبس في الزنزانة.وبالجنازير المقيِّدة للرجلين مع اليدين. جميعهم جلادو الإنقاذ كانوا يريدون بالإكراه وبالقهر وبالتنكيل إجبار أختك الشابة الجميلة المتعلمة المتزوجة الحامل بطفل ومعها آخر لم يبلغ العامين. إجبارها على التخلي عن الدين الذي قالت إنه هو دينها، المسيحية المعروفة في السودان.
وهم كانوا يريدون لها أن تعود إلى دين تنكره. دين لا علاقة له بالإسلام العظيم الذي نعرفه. ومن ثم هي أنكرته، فهو "إسلام" ناس الإنقاذ.نسختهم الخاصة المبتدعة التي هم ركبوها تركيبا ويصرون على إخضاع جميع السودانيين لها. فهم الجلادون لا يمكنهم الادعاء أنهم كانوا يريدون لأختك مريم/أبرار إسلاما مستنيرا مغايرا لتلك نسختهم الإنقاذية المعروفة.
وأقول لك إن هذه نسختهم من الإسلام لا يوجد مثيل لها حتى عند الطالبان. ولا هي عند بوكو حرام. لا مثيل لها. معرَّفة بممارسات الإنقاذيين على واقع الأرض. هنا لا أتحدث عن الإسلام برحمته وإنسانيته. ولا عن النص القرآني بسموه. بل أتحدث معك عن ذلك "إسلام" ناس الإنقاذ. إسلام المشروع الحضاري. الذي يلتقي به الشباب وخاصة النساء في حياتهم اليومية التجريبية المادية. في حروب الإنقاذ وآثارها المتمددة. وفي الميليشيات. وفي الإفقار في جميع مناحي الحياة. وفي الملاحقة من عسكر النظام العام. وفي القهر في المؤسسات التعليمية والصحية والخدمية جميعها. وفي خطاب الإنقاذ السقيم المحبط للشباب. وفي الفساد.
وحيث هي أبرار/مريم، مثلها مثل عدد متزايد من الشباب، رفضته أصلا هذا إسلام الإنقاذ المعروف لها في حياتها التجريبية، فمن حقها أن تتفكر في أية نسخة أخرى من الإسلام تفسرها هي. أو في أية ديانة أخرى. وهي اختارت المسيحية الديانة الأقدم في السودان. والتي ظلت موجودة في الحياة السودانية تنتشر وتنحسر وفق المتغيرات في اجتماعيات الحياة.
وأنت استمعت إلى أصدقائك الجدد حملة الدكتوراه والشيوخ والعلماء من سلالة الإنقاذ يتباكون على ازدياد عدد الشباب في السودان الذين لا يريدون الإسلام.ويقولون إن الشباب يهرعون إلى الجهات التنصيرية والكنيسة. ويتساءلون مستنكرين متى دخل هؤلاء الشباب الإسلام ليخرجوا منه. طبعا هم يتحدثون عن إسلامهم هم. فيهولون الأمر وكأنه عن "الإسلام" بإطلاق. ليجدوا مبررا لقتل أختك التي يصفونها أنها مرتدة. فهي ليست إلا ضالتهم أتتهم في مكانهم يريدون أن يقتلوها لإرهاب كل من يفكر في تحدي مشروعهم الحضاري الذي مات وشبع موتا.
وهي أبرار/مريم وجدته أخيرا هذا إسلام الإنقاذ في أسوأ أشكال تمثله حضورا ماديا. في السلطة القضائية السودانية. في المحكمة الظالمة. حكمت عليها بالجلد مائة جلدة وبالإعدام شنقا حتى الموت. لأنها مريم/أبرار كانت رفضت ذلك إسلام المشروع الحضاري. من صنعة الإنقاذ.
وهي وجدته إسلام الإنقاذ مجسدنا في طغيانه وفي تخلفه مدعوما بالقوة المادية للبطش. وبسلطة المعرفة الفقهية. وبفنيات الاستتابة.وبحملة شهادات الدكتوراه.وبالشيوخ. وبالكتاب. من سلالة الإنقاذ. وبالتمكين بقوة الحكومة ذات قاعات المؤتمرات الصحفية وذات المراكز والمتحدثين الرسميين والإعلاميين.جميعهم يفتون بأنها هي المرتدة يجب قتلها.
فأين لبوكو حرام وأين للطالبان من هذه إمكانات المعرفة والقوة والبطش والمال والإعلام كلها مجتمعة عند ناس الإنقاذ؟ ولهذا السبب يظل إسلام الإنقاذ أسوأ تشويهات الإسلام المعاصرة.
فأنت تعرف الآن موقفي، يا السماني. إزاء قضية أختك التي تريد أنت أن يقام فيها حد الردة.وأرجو أن تواصل القراءة.فعندي كلام كنت أرجأته أنتظر أولا أن تكون مريم في مكان آمن. وهي كما تعرف اليوم في سفارة أمريكا في ضواحي الخرطوم. تحت حماية الامبراطور باراك حسين أوباما. إنهم هذه الأيام في أمريكا يسمون فترته "بالرئاسة الأمبراطورية". بمعنى أنه أوباما أصبح الحاكم الذي يفعل ما يريد دون مراجعة أحد.
الرسالة الثانية
مريم يحيى هي أبرار الهادي
الأخ السماني،
فأنا شخصيا، بعد مراجعتي لكل الأوراق المتاحة، ومن مشاهداتي في الأنترنيت، أعتقد في وجود علاقة أسرية لك مع مريم/أبرار. رغم نفيها لوجود أية علاقة. وفي هذه الجزئية تحديدا، العلاقة الأسرية، أنا أصدقك أنت. ولا أصدق مريم/أبرار.ولا أصدق صمت المحامين الخمسة الذين كانوا يمثلونها أمام المحكمة. ولا إفصاح الحركيين المدافعين عنها الذين قبلوا الرواية البسيطة المريحة السارية أن والدها مسلم من دارفور هجرها هي وأمها الإثيوبية المسيحية فعاشت مسيحية منذ صغرها. ولا أصدق الرواية في وسائل الإعلام العربية والأجنبية التي التزمت بهذه الرواية البسيطة. وهي الرواية غير الصحيحة التي ستظل الوحيدة المقبولة عالميا إلى أن تقول مريم بنفسها إنها رواية غير صحيحة.
قد أكون مخطئا في بعض الاستنتاجات. لكن هذا ما توصلت إليه بصورة معقولة من دراستي لمجمل البيانات المتاحة التي محصتها. وخاصة من قراءتي لمذكرة المحامين الخمسة الذين دافعوا عن مريم، مذكرتهم إلى محكمة الاستئناف. ومن استماعي لتصريحات المحامي الرئيسي. وكلها فيها الدليل النصي الخارجي لصالحك، مما يثبت لي أن مريم يحيى هي فعلا كما قلت أنت إنها أبرار الهادي أختك. تحديدا لأن المحامين أقصوا هذه الواقعة الجوهرية من مذكرتهم. وربما يكون لهم حق في ذلك الخداع والغش بالصمت. لأجل حماية الطفلين مارتين ومايا. بحماية مريم/أبرار من الجلد والإعدام من السلطة القضائية المتربصة بها. لكن لا تفرح، كما فرحتَ بهتيفة الإنقاذ في قاعة الشهيد الزبير. يهللون ويكبرون كلما أنت حلفت بأن أختك يجب أن تعدم. فهنالك في رسائلي إليك ما سيبكيك. فإقراري بهذه الواقعة البسيطة المعروفة لك ولحلفائك الوحيدين في الدنيا ناس الإنقاذ له أهمية. لأنه يأتي من شخص من بين الذين يقفون في صف مريم. فيصنفهم حلفاؤك الإنقاذيون بأنهم من العلمانيين الملاحدة الزناديق المؤتمرين للغرب والمنظمات أعداء الإسلام. وغير ذلك من أوصاف وردت في صراخ أولئك حلفائك. أنت كنت معهم سمعته وتعرفه. فقد رأيتك جلستَ تستمع إليه على مدى ساعة ونصف الساعة في قاعة الشهيد الزبير.
وأتعاطف معك في محنتك، يا السماني. في حدودها الضيقة المتعلقة بك وأنت تريد أن تثبت واقعة ثابتة أصلا بالنسبة لك، أخوتك مع مريم يحيى، بينما العالم كله لا يصدق روايتك. وتعبير "العالم كله" لا يشمل عندي أولئك اللذين ذهبتَ إليهم تبحث عن النصرة. دكاترة الإنقاذ، وعلماء الإنقاذ، وصحفيي الإنقاذ، ومديري المراكز الإنقاذية. فهؤلاء ليسوا من العالم. هم سلالة مختلفة. فلكأنك لا تدرك أنه لا أحد في العالم يصدق من له علاقة بحكومة الإنقاذ. ولا أحسب أنه يوجد في العالم من يريد أن يسمع خطابهم أصلا. وخاصة خطابهم الذي ينتجه المتحدثون باسم الحزب والعلماء وحملة شهادات الدكتوراه منهم. ليس لأنهم ينطقون الكذب، فمنهم من يتحدث بصدق. ولكن بعلة علاقتهم بحكومة الإنقاذ المعروف اعتماد الكذب استراتيجية قائمة في مؤسساتها. وفي جميع الأحوال، فهم علماء السلطان. وأنت دون أن تدري وقعت في هذا شرك علماء حكومة الإنقاذ. ولا أقول لك أن تذهب للنصرة لدى أولئك الذي يسميهم أصدقاؤك الإسلاميون بالملاحدة والعلمانيين والزنادقة وناس المنظمات بتاعين حقوق الإنسان. ففيهم أيضا من لا يتحدث بالحق وهو يعلمه. فلا يبق لك إلا أن تجلس لوحدك وأن تتفكر في هذا الذي حدث. فابتعد أولا من ناس الإنقاذ. وفكِّر. فأمامك تحديات لا حصر لها.
الرسالة الثالثة
أقوالك المسجلة في مؤتمر الإنقاذيين
عزيزي السماني الهادي، قلبي معك.
فهنالك أقوالك المعلنة على العالم كله. وتمت ترجمتها إلى لغات أجنبية. وهي صدمت العالم. الأقوال التي أطلقتها أنت تحت رعاية حكومة الإنقاذ. وهي تعبر عن رأي الإنقاذ. في المؤتمر الصحفي عنوانه عن تداعيات قضية "المرتدة أبرار الهادي". فبعد الحكم بجلد أختك عن جريمة الزنا وبإعدامها عن جريمة الردة، ظهرت أنت في معية لفيف من علماء الإنقاذ في قاعة الشهيد الزبير. وهم كانوا يشعرون بزهو أجوف في تلك عزلتهم لم يأت لمؤتمرهم أحد غيرهم هم وأنت وأخيك وأمك. وكانوا يرددون على أنفسهم ذات أقوالهم المعروفة. خلت القاعة من أي صحفي غير إنقاذي. وابتعد عن القاعة الأمريكان والأوربيون الذين كانوا يسجلون حضورا مكثفا في جميع المساحات حيث قضية أختك أبرار/مريم. وجاءتها ندوة المؤتمر الصحفي مجموعة صغيرة من المؤيدين لمريم جلسوا في صمت وفي ذهول أصابتهم الكآبة. لا يصدقون أن الإنقاذيين بل هم أسوأ من جميع التصورات السابقة. (انظر اليوتيوب: "المؤتمر الصحفي لأشقاء المرتدة مريم تلفزيون السودان الجزء الأول"؛ "شقيق السودانية مريم يحى إما تعود عن المسيحية إلى الإسلام وإلا فلتقتل"؛و"برنامج بيتنا حلقة عن مريم يحيى وحكم الردة").
إن العالم ما عاد يكترث لأية رواية تأتيه من جهة حكومة الإنقاذ حتى إذا كانت صادقة. وفي ذلك المؤتمر قيل كلام بعضه صادق. وأكثره كان من اللغو الإنقاذي المعروف.
فقد رأيتك يا السماني تتحدث بقوة وبهدوء وبتدبر في كل كلمة، ثم تعلو نبرة حديثك تتوعد. بلغة عربية رصينة. رأيتك في اليوتيوب تتحدث في مؤتمر الإنقاذ بقوة رافعا يدك اليمنى إلى السماء مُقمسِما، "علي الطلاق". وممسكا بالمايكروفون من أدوات الحداثة بيدك اليسرى. مما يدل على أنك ابن زمانك وتعرف عن العالم كيف يدور. وأنك لست شخصا منغلقا من قرية أم شديرة. فهذه هي أقوالك التي شاهدك العالم تنطق بها أنت شخصيا:
"علي الطلاق. يا تُعدَم يا تَرجع".
"في النهاية القضية انحكمت. ونحن عندنا حاجتين.
والله الذي لا إله إلا هو.
يا إما ترجع، وترجع حبابها عشرة عزيزة مكرمة نشيلها فوق راسنا دا [الله أكبر وهتافات في الخلفية من ناس الإنقاذ]
وعليْ الطلاق يا تُعدم يا تَرجع.
غير الاثنين ما نقبل أي شيء. واحد من الاثنين. واحد من الاثنين.
رَجَعَتْ، حبابها عشرة. نحن نشيلها في راسنا.
ما رجعت، تقتل عِزا للدين [الله أكبر، هتاف ناس الإنقاذ في الخلفية]"
وهذه عبارتك الأخيرة، "تقتل"، هي التي ركز عليها الإعلاميون بعد ظهورها في اليوتيوب. ومعناها الظاهر أنك وأخوك وربما أمك زينب أقحمتماها في قضيتكما ستشاركون في قتل أبرار. إن وجدتم فيها أية فرصة. ومن ثم فإن السفارة الأمريكية لابد أخذت أقوالك مأخذ الجد وقررت لاحقا التحرك لحماية أبرار بعد صدور ذلك قرار محكمة الاستئناف.
فيا السماني،
هذه كلماتك المسجلة ستبقى أبد الدهر مسجلة في ما يسمونه بالأسافير. وستجد مكانها في الدراسات المستقبلية على مدى قرون عن العلاقات الأسرية القديمة والغريبة في السودان. عن تلك قرية أم شديرة. خاصة عبارتك "يا تٌعدَم يا ترجَع". وأنت يا سماني تفلتت منك عبارة "يا تُعدم" أولا قبل عبارة "يا ترجع". وهذا الترتيب خاطئ لغويا ومنطقيا. فالترتيب الصحيح وأنت تعرف اللغة العربية جيدا، هو "يا تَرجع يا تُعدم". فتقديمك للإعدام قبل الرجعة يمكن أن تتم قراءته على أنك أصلا لم تعد تحتمل أختك تريد أن يتم إعدامها. ولهذا تفلتت عبارة "تُعدم" من دواخل دماغك ولا وعيك مستعجلة للخروج أولا. لأنك تعطيها الأولوية. ومن بعد إعدام مريم أختك،فأنت ستنظر في "يا ترجع".باستتابتها مجددا من قبل شيوخ الإنقاذ. بعد أن يكون كان تم إعدامها. للرجوع من المسيحية إلى الإسلام!
فأنت يا السماني لا يمكنك أن تدعي الانفعال، أو فورة الغضب. مباشرة بعد أن وجدت أختك المسلمة تزوجت من وراء ظهرك بالجنوبي المسيحي الزنجي الأسود غير العربي دانيل واني. لا يمكنك أن تقول إنك كنت في حالة انفعال. وإن لك عذرا. فأنت عايشت هذا الأمر شهورا ممتدة. وراجعت نفسك فيه. وظل الدكاترة من علماء الإنقاذ يقدمون لك المشورة. مما لا اعتراض عليه. لأنك عاقل مميز. فأنت مسؤول عن جميع أقوالك. بما فيها تهديدك الغامض، بعد إلغاء محكمة الاستئناف للقرار الصادر من محكمة الحاج يوسف.تهديدك الغامض بأنك تعرف كيف ستنتقمون منهم. وبالرغم من أن جهات إنفاذ القانون في حكومة الإنقاذ ستتجاوز عن تصريحك بنيتك في الاعتداء بوسيلة ما ضد أعدائك المفترضين، وعن عبارتك حمالة الأوجه عن "تُقتل"، إلا أنك قد لا تريد لنفسك أن تتورط في مثل هذه التهديدات. وكلامك مسجل. لأنك صرحت به لشبكة عالمية. فالتبرير لملاحقتك سيكون سهلا. لن يسعفك أنك صاحب حاجة وتحتج على واقعة زواج أختك من دانييل واني. فعليك أن تتراجع عن تهديداتك المسجلة. مباشرة.
الرسالة الرابعة
أخوتك لأبرار لا تعطيك أي حق لتتحشر في حياة مريم وقراراتها الشخصية
الأخ السماني،
إن أخوَّتك المفترضة لمريم، أي العلاقة الأسرية التي تدعيها، وأنا أؤيدك في وجود علاقة أسرية بينك ومريم/أبرار. وكما قلت لا أصدق رواية مريم. ولا الصمت الماكر من قبل المحامين عن هذه الواقعة الجوهرية. هذه الأخوة لا تعطيك أي حق لتتحشر في حياة مريم. أو أن تحدد لها من تتزوج. أو أن تمنعها من اعتناق الدين الذي تريده هي. هذا كلام غريب جدا. نعم. ستقول لي. لكن، في نهاية الأمر، عليك أن تعترف بحدود مسؤوليتك. وهي لا تتعدى إلى المساحات التي أنت طرقتها. وأنا أتحدث معك على أساس أنك شخص متعلم ويفكر. أفكارك عجيبة، لكنها أفكارك ما دمت تحتفظ بها لنفسك. ولا أخادعك ولا أتعالى عليك بالقول إنك من بيئة محافظة ومن قرية أم شديرة وإن هنالك ثقافة محلية ومجتمع محافظ وغيره من كلام لا أصدقه. فأنت ظهرت للعالم وكأنك نازل من طائرة حطت بك للتو من استوكهولم. شايل ميكروفون. وتتحدث في المؤتمرات الصحفية. وللإعلام العالمي. تعرف أم شديرة وتعرف استوكهولم. فأنت مسؤول عن مواقفك وعن أقوالك.وقادر على التعامل مع الوضع الذي أمامك.
وأتفق معك في أنها مريم/أبرار، كأختك لا شك عندي في ذلك، كان عليها التزام أسري وثقافي واجتماعي، أن تستشيرك في الرجل الذي كانت تريد هي أن تتزوجه. وفي هذه حالة الاستشارة لا يتجاوز حقك أكثر من أن تبدي لها رأيك الصادق. بالتشجيع أو بعدمه. ولا أقول "الموافقة". لأن فاقد الحق لا يعطيه. فلا تتجاوز صلاحياتك هذه الحدود، وهي تقديم "رأيك". وهو ليس رأيا قضائيا مثل ذلك رأي القاضي يريد أن يعدم أختك. رأيك لأختك هو فقط للاستئناس، تقدمه عندما تطلب هي منك ذلك. وأنت لا تبادر به. من تلقاء نفسك. فيمكنها أن ترفضه. وواضح أن مريم/أبرار الواعية كانت قالت لدانييل إن أخاها لن يقبل زواجها منه دانييل واني حتى إذا هو دانييل واني كان أسلم مائة مرة. فأنت حقيقة متشدد. وتشددك معروف الآن. وكلهم الناس في العالم عدا ناس الإنقاذ يتعاطفون مع مريم/أبرار ضدك. ولا تسمع الكلام في تفسيرات الإسلاميين. عن الكفاءة، وعن الردة، وعن هذا مسيحي وهذا مسلم.
شغِّل مخك. وواضح أنت قادر على التفكير. كل ما تحتاجه هو أن تتخلص أولا من الأوهام التي ركبها في دماغك ناس الإنقاذ. خاصة هؤلاء الدكاترة. ولا تحسب أن كل دكتور يفقه شيئا.
وأذكرك أن مريم/أبرار لم تعد تلك الطفلة الصغيرة التي تقول إنك كنت تلاعبها. فحين تزوجت دانييل كانت هي في منتصف العشرين. عاقل. خريجة جامعية. وهي ظلت لأعوام مستقلة عنك. وتعلمت من الحياة في الخرطوم ومن تحدياتها كامرأة شابة جميلة بعيدة عن حماية شقيقها وعينو الحمرا. على مدى ثمانية أعواما. وهي مريم/أبرار اعتنقت المسيحية. لابد عن اقتناع ومن الإعجاب بالرحمة عند المسيحيين في السودان. مقارنة بما تراه من فظاظة الإسلاميين في حكومة الإنقاذ واضطهادهم للمواطنين وللنساء. وربما هي تعاطفت مع المسيحيين لأنهم مضطهدون. وأسبابها في ترك إسلام الإنقاذ ليست مهمة. المهم هو أنها قالت في كامل وعيها إنها كانت دائما مسيحية. انتهى الكلام. هكذا ركبت ذاتيتها وهويتها في تلك الفترة المحددة. وأنت في حمقك لم تصبر. جريت للمحكمة. فمن قال لك إن أبرار/مريم ما كانت ستغير رأيها حتى بدون أي تدخل من جانبك؟ شحنوك ناس الإنقاذ الردة الردة الردة. لا يتوبون لم يكتفوا بإعدام المفكر محمود محمد طه. وأنت ضيعت فرصتك في النقاشات التي كانت ستحدث والمشاغبات الدينية عن الأديان في أم شديرة عند كل زيارة من مريم. وربما هي كانت ستغير رأيها فعلا. كله لم يكن يستحق المعاملة القاسية التي تعرضت لها مريم/أبرار.
فيا السماني،
العالم تغير. وأنت يبدو عليك أنك تحسب أنك متدين. بل أنت متعصب لآرائك الفردية لدرجة أنك توافق على جلد أختك وشنقها بسبب ما تسميه وتحسبه غيرتك على "الإسلام". ياتو إسلام دا؟ ليس إلا إسلام ناس الإنقاذ. وأنت رأيت كيف أن المسلمين في العالم رفضوا إعدام أختك مريم. وحتى ذلك الطفل في الحادية عشرة ألَّف فيها أغنية يتحسر أن العالم لا يتدخل لإنقاذها.
فالذي كنت أتوقعه منك، بهذه الحمية المبالغ فيها أن تكون كنت رحلت مع زوجتك وأبنائك من أم شديرة. أو من أي مكان. لتكون في الخرطوم. بحيث تسهل على أختك مريم أبرار أن تذهب إلى الجامعة. ثم تعود منها يوميا إلى بيت شقيقها السماني لتجد مكانا آمنا، ومأوى، وغذاء، ودعما اجتماعيا.
وحيث أنت لم تفعل هذا، فهذا لابد يحرمك من بعض القدرات للتأثير في القرار بشأن تركيب مريم لحياتها. فمريم تكون وجدت في مدينة الخرطوم أنه لا دور لك في حياتها المادية. وهي لا يمكن لها في الخرطوم أن تستمر تشرب الإسلام وتأكل الإسلام وتنام على أنغام الإسلام الذي أنت تقول لنا إنه دافعك الوحيد لجلد أختك ولإعدامها شنقا حتى الموت.
طبعا أنا أحاول أن أستفزك. لا لغرض الاستفزاز. بل لأن أجعلك قادرا على التفكير وراغبا فيه. فأنت أصبحت مثل مكنات الإنقاذيين عطلوا قدراتهم في التفكير. وأصبحوا متعصبين يجترون لبعضهم البعض القصص من الكتب الصفراء. ويتبارون في التفسيرات للآيات. ويستعرضون قدراتهم على الصراخ. أنت لابد لاحظت ذلك في مؤتمرهم الصحفي وهم اثروا فيك فبدأت أحيانا تصرخ مثلهم وتهدد تملي شرطك التعجيزي.
وأرى أن من الأفضل أن تنسى كلام يا تُعدم يا ترجع. وأن تنسى أمور دكاترة الإنقاذ البيحرشوا فيك ديل.
إنت قاعد في أم شجيرة دي مفتكر ناس الخرطوم ديل جادين في كلامهم عن الإسلام؟
لقوك زعلان دخلوا ليك في مخك إنو أختك لازم يجلدوها ويشنقوها بحبل. وناس الإنقاذ يهللوا ويكبروا ليك.
إنت ما قادر تفهم ولاشنو! ماعندك أصحاب في أم شجيرة يوقعوا ليك الكلام؟
الحق نفسك قبل ما يجوك ناس الرقيا ويقولوا إنت مسحور.
واسمع كلامي. وضعيتك تغيرت. ترضى ولا تابا. فبفعلة مريم المدهشة، لم تعد أنت ذلك السماني ود العرب المُشَنِّق الطاقية لابس سديري وعامل إسلامي إنقاذي. فأنت الآن خال. أولاد أختك. ولد اسمو مارتن وبنت اسمها مايا. يودوهم ملجأ المايقوما؟ زي ما كان عايز قاضي الإنقاذ؟ وعندك نسابة من جنوب السودان. ناس دانيل واني. والخلطة ستحدث مع أخواتك التانيات. وما حتكون في حاجة اسمها نحن عركيين ركابية. وبس. هناك إضافات وتعقيدات.
وهذه تحديات تجريبية في الحياة.
وهنا أتعاطف معك بصورة صادقة.
وسأنتظر أنك ستدهشنا بالسماني الحقيقي الذي لا نعرفه.
عشاري أحمد محمود خليل
سودانايل