مِنْ عَمَايِلْكِنْ ..! خط الاستواء عبد الله الشيخ زمن الزمن زين، كان الشوايقة يهاجرون إلى مارنجان والحصاحيصا وسنار و بورتسودان وكوستي، كانت تلك المدائن أكثر طراوة من هيوستون وسيدني ودبلن.. وكان شوايقة ذاك الحين، أكثر نغنغةً من أحفادهم الذين ضربوا شقوق البلدان هرباً من تراتيل التمكين، بحثاًعن الطراوة في الخلجان، وعند الأمريكان.. كان الشغل راقد، والأوفر تايم يصرفوهو يوم الخميس الساعة 12، و السكن "موية ونور " في بيوت المحالج ،، البيعرف "يفِكْ الخَطْ" ، يسكن بيوت الموظفين.. لم يكن سيد أحمد الشايقي زول قراية، و ما كان راغباً أصلاً في "وجع الرأس"..! وصل الحصاحيصا بالقطر عصراً بدري، وفي اليوم التالي دبرت له "الجالية" عملاً في المحالج..تبدأ ورديته دغشاً بدري، وتنتهي مع " تكية عين الشمش".. كان جيبه على الدوام مليان، "عِلِي لاكينْ السنْجكْ خَمْجَانْ"..! قلع الأبرول ما قلعوا، الساعة أربعة " كَكْ " تلقاهو في بيت البُقانة ،، و ما يمرق من هناك إلا أنصاص الليالي.. يدخل البيت "حالج".. يقف أمام الباب، يَدُقْ الكفْ ويقفز قفزات الدليب، فيسمعه الجيران: "النفوس الطيبة ما كانت شريرة، أنا والله طاريك يا أم درق، وطاري العشيرة"..! مع الفجّاج ، يخرج إلى المحالج ومعاهو "باقيها"، وهناك يتعهدونه بالجبنة والموية الباردة ..! استمر حال سيد أحمد هكذا: من المحالج الى بيت البقنية، فلم يكن لديه وقت ليفهم: لماذا جاء الإنجليز الى السودان و كيف تم الجلاء..!؟ كان له تعليق واحد ــ بِصِيّغ مختلفة ــ كلما سمع بأن الحكومة "إنقلبتْ".. .. سمع بإنقلاب عبود فقال: "هي الحَكومِي دي،، مِتينْ كانت مِستعدلي"..!؟ سمع بإنقلاب نميري فقال: " حيكومة الجِنْ دي، أنا مما جيت الكمبو دا، أسمع بيها تِتْقلَّبْ، التَّقول عندها وجع مصارين"..! في ليلة من ذات الليالي، كان أحد القادة يزور المحالج.. وجد سيد أحمد نفسه شبه وحيد في بيت البقنية.. دخل في " شأنه اليومي "، لكن لم تستحلي له العقدة،، فسأل ست البيت:
" أيّا خرابة ، الخرابات ديل مشوا وين"..!؟ كانت ست البيت على علم بالزيارة، وكانت تفهم كثيراً من تصاريف الاحوال السياسية..قالت له :" أنت يا سجم الرماد قاعد فوق إضنيك..؟! الحكومة كلها الليلة إتخمخمت ، جات تزور المحالج "..! جَبَدَ الشايقي نذراً ليس بالقليل من القرعة وقال:"جَاياكُنْ البِتِتْشقلبْ كلُ يومينْ دي، واللّا شيتاً تاني"..!؟ إنتهت الزيارة، وتبعتها زيارات، وكان سيد أحمد غائباً عن أيامه، لا يدري بـ "المأمول"..! ذات خميس، دخل سيد أحمد الى بيت القبانة، وكان البيت عامراً..أخذ تكويعته المريحة في الرُكُنْ، و كانت تلك الرائحة تقول " وا غُربتي "..استبد به شوقٌ عارم الى بلل الصعيد، فصرخ ينادي للمزيد: "يا خرابة، ما تجيبي الشيء دا"..! كان منتشياً في تكويعته ،يتأمل"الفقاقيع"، حين وقع ما لم يكُن فى الحُسبان..! إنهمر رواد البيت وسيداته إلى الشارع.. كان يسمع صراخهم "طَشاشْ طَشاشْ"،، يسمع ضرباً على صفائح وبراميل،، ومرة يسمع زغاريد،، ومرة بتخيل أن الحكاية مناحة أو مديح..!! مرة أخرى وجد نفسه وحيداً، ممسكاً بتلابيب النداء للمزيد : "يا خرابة،، ما تجيبي الشيء دا"..! عندما تأخرت إستجابة "الخرابة" خرج الشايقي إلى حيث الناس.. كانت"الخرابة" التي ينتظرها للمزيد، تنقُز وتضرِبْ على الجردل..تزغرد مرة، وتسكلِبْ مرة.. لم تحفل به، فيئس منها ، و دنا قريباً من "خرابات أُخريات"، كُنّْ يمارسن النقزي مثلها... سألهُنّ: "مَالكِنْ يا خرابات..!؟ الحَكومِي إنْقلبتْ تانِي..؟! قلن له باصوات متداخلة متشابكة: " هيّا السنجك الغبيان، يا الما بتخاف الله..! إنت ما شايف القمرا دي خَنّْقْتْ"..!؟ رفع الشايقي عينه للسماء و تأكّد من حدوث الظاهرة الفلكية،، فعاد صارخاً فيهنّ بأعلى صوته: "وكمان يَكُوركِنْ القمرا خَنّْقْتْ،، القمرا خَنّْقْتْ.. نانْ مِي خَنّْقْتْ مِنْ عَمَايِلْكِنْ، وَكِتْ بِقيتِنْ تَسِّونّهَا رِقَيْقِي"..!