عندما كنت يافعاً، نذهب في الاجازات الصيفية لنقضي بعض الشهور في قنتي، وكان لي حبوبتي أم والدي، كانت إمرأة يمكن ان تقول عليها سابقة لعصرها في ذلك الوقت، من حيث نظرتها إلى الحياة وكانت داهية ولها نوع من الذكاء غريب، كنت أقضي الإجازة بين الأهل، ومعظم الوقت أقضيه مع حبوبتي لأبي علي أتعلم منها أشياء، وكانت بحق مدرسة ولكن بطريقة ساخرة تفوق سخرية الوالد ترتورة لمن يعرفون ترتورة، وبحكم احتكاكي بها لاحظت أنها إمرأة تشك في أي شخص يدخل دارها ، وكان لها عنقريب تنام عليه وتحت هذا العنقريب شنطة حديد ام بُقَع، وقد لاحظت عندما يدخل عليها زائر، وهي مستلقية على العنقريب تغير رقدتها وتنزل رجليها عند منتصف العنقريب، لكي تعمل حماية للشنطة بأرجلها التي أنزلتها من العنقريب، وفي بعض الأحيان لا تقوى على النهوض، وترد السلام على الزائر وهي مستلقية على العنقريب ولكن تضع الشعبة بتاعتها بصورة، تمنع من الوصول إلى الشنطة، وعندما لاحظت تكرار هذه العملية من حماية الشنطة تارة بأرجلها وتارة أخرى بالعصاية.
الأسئلة تجول بخاطري، فسألتها عن سر عدم ثقتها بالناس الذين يزوروها من أجل التحية والمجاملة، فقالت هذه قصة طويلة أحكيها ليك بعدين، وانا في أحر من الجمر على موعد فك رموز شفرة هذا الشك، وبعد العشا بالفطير واللبن، بدأت تسرد لي.
في ليلية من ليالي رمضان وفي عز الشتاء بعد أن حصدنا القمح ودرسناهو بالنورج وجمعت الانتاج الذي يخصني وكان عبارة عن ستة شوالات من القمح، وتم تحميل هذا المحصول بواسطة جمل أحد العرب" وكلمة عرب تطلق علي الهواوير الذين يأتون إلى القري علي شريط النيل في موسم حش التمر وحصاد المحصولات الأخرى، ودَخّل العربي شوالات التمر في كِيم الدانقة، وانا نمت في الأوضة الجوانية " والكلام لحبوبتي" وبعد السحور حسيت بضوء أبيض رهيب سطع في الأوضة والدانقة، وصحيت من النوم ومن شدة الضوء وانا لازلت مستلقية علي سريري وعيوني مركزة على موقع شوالات القمح، أكاد أريى حبات القمح التي تساقطت من الشوالات على الأرض، وقلت في سري " والكلام لايزال لحبوبتي" قطع شك ديل حرامية جو يسرقوا قمحي، وبدأت تصيح ألحقوني الحرامية، واختفى الضوء، ولكن تجمع حولها الجيران كل يحمل في يسراه فانوس وفي يمناه عكاز ووجدوا كل شيء ساكن والظلام يعم الأرجاء، وعندما استفسروها من الأمر حكت لهم ما حصل، وبخوها على فعلتها بأنها فرصة وضيعتها من بين يديها، وهذا الضوء كان هو ليلة القدر، ومن تلك الليلة كان نصيبها أن تشك في الناس حسب معتقد الناس في ذلك الزمن الزين ومن يومها صارت تشك في أي شخص إلى أن توفاها الله فلها الرحمة