السادة الولاة يجب أن يتحملوا المسؤولية "الأدبية" والسياسية للكوارث التي حلت على المواطنين من جراء إهمال حكوماتهم، ويجب على االولاة أن يستقيلوا من مناصبهم من أجل تكريس لمفهوم المسؤولية المعنوية للمسؤول الأول في أي وزارة او دائرة. فهذا المفهوم تجذر عرفاً في الدول الديمقراطية حيث المساءلة الاخلاقية والسياسية أقوى في أحيان كثيرة من المساءلة القانونية في الإدارة العامة.
نحن في السودان في حاجة ماسة لتكريس مفهوم الثواب والعقاب . فغياب المساءلة السياسية خلق بيئة سمحت بانتشار الترهل في العمل العام ووفر طمأنينة غير مستحقة للمسؤولين في مجتمع لم يتكرس فيه بعد ان هؤلاء المسؤولين هم خَدَمة عامون لا أصحاب مناصب محصنة ضد المساءلة والرقابة المجتمعية.
لكن استقالة أي مسؤول لا تغلق ملف الفساد الذي صار مستشرياً في كل مرافق الدولة. ولابد من تكوين لجان تحقيق فنية محايدة تتقصى الحقائق حول الإهمال والقصور ، ولا بد من متابعة قضائية لمن يثبت أنه تسبب في معاناة الألوف من المواطنين. وإعلان هذه النتائج جزء من مسؤولية أخرى غير المسؤولية "الأدبية" وهي مسؤولية ضمان الشفافية وسيادة القانون في ادارة الشأن العام.
إضافة الى ذلك، يجب ان تنتهي ازمة ومعانات أهالي السودان كل خريف ومراجعة شاملة للآلية المتبعة في ضمان سلامة وحياة المواطن السوداني كلما طل الخريف براسه. وثمة حاجة أيضاً لتفعيل القانون للحد من ممارسات غير قانونية مثل الاعتداء على شبكات تصريف المياه، وذلك بالمراقبة الدورية لها.
أزمة الخريف في السودان جزء من مشكلة متعددة الجوانب. جزء منها مرتبط بترهل في التزام الاجراءات المحددة لضمان الجودة في تصريف المياه او غيرها من الخدمات. لكن الجزء الآخر مرتبط بممارسات غضت الحكومات الطرف عنها في اطار سياسات الاسترضاء التي اتبعتها لعقود فسمحت لبعضٍ ان يكون فوق القانون يعتدي على اراضي الدولة وغيرها من الممتلكات العامة.
ازمة الخريف لهذا العام وأعوام أخرى سبقته عرّت ضعفاً وركاكة لا يُبرَّران في البنية التحتية. ولا حاجة لانتظار ازمات جديدة لاكتشاف اختلالات اخرى. فقد يكون من المفيد ان تشكل الحكومة فرق عمل "محايدة" تدرس حال البنى التحتية المرتبطة بالخدمات الرئيسية مثل المياه والكهرباء والمجاري. ولو كانت المسؤولية المعنوية والمساءلة القانونية اجراءات متجذرة في العمل العام، لما انتشر الترهل والإهمال في الكثير من إدارات البلد.، لذلك نقول لهم جميعاً أرحلوا ولا أسفاً عليكم