حوار وطني أم مشروع جديد؟. 1 من 2
10-10-2015 02:00 AM
ابوذر علي الامين ياسين
الذي يتوقع حواراً في العاشر من إكتوبر الجاري فاليُعد البصر كرات ومرات. ذلك لآنه ومنذ خطاب الوثبة الشهير وضح أن هناك مشروعان (مشتبكان) يسعى كل مشروع للإستفادة من الآخر. قد يكون خلف هذان المشروعان تفاهمات ما على مستويات ما سبقت الاعلان الذي عرف ب(الوثبة) وقد لا يكون، لم يعد هذا ذو أهمية الآن، لكن المهم هو كيف برز وظهر هذان المشروعان طوال الفترة منذ خطاب الوثبة وحتى الآن؟!. وقبل أن نجيب على هذا السؤال نوضح أن المشروعين هما مشروع الرئيس البشير، ومشروع الشيخ حسن الترابي المعرف ب(المنظومة الخالفة) أو حسب كمال عمر (النظام الخالف).
أوضحت لحظة اعلان الخطاب وتلاوته على شاشات التلفاز أن المطلوبين لهذا الحوار محدودين ومحددين!، هم من وجهت لهم الدعوات قبل فترة كافية، وآخرين وجهت لهم الدعوات بعد الثانية ظهراً قبل يوم أو اقل من 24 ساعة على القاء خطاب الرئيس بقاعة الصداقة أما الحركات المسحلة فلم يكن لها وجود ولو على لا شعور من اعدو خطة الحوار الوطني الواثب. رسمت خارطة المشاركين الحضور شكل القوى المرغوب فيها لحوار مع النظام من جهة، والتصورات التي شكلت أفكار مشروع النظام أو المنظومة الخالفة من جهة اخرى. وتركت كل القوى السياسية الاخرى بالاضافة للحركات المسلحة خارج نطاق المشروعين على الاقل لحظة اعلان حوار الوثبة, لينفتح مجال للعب السياسي على خلفية مشروعي الرئيس البشير والشيخ الترابي كل يلعب اوراقه غير آبة للمشروع الآخر من جهة ولا للمآلات والخواتيم التي سينتهي إليها مشروع حوار خلفيته شئ آخر غير مجمع عليه ولا متفق عليه بل كل يدفع بجملة تكتيكات تضمن له القدح المعلى واليد الطولي في الدفع باتجاه اهدافه.
لعله كان واضحاً جداً أن مشروع الرئيس البشير يهدف الى ابقاءه على مقعد الرئاسة بأي ثمن، وكان هذا أول وأهم ثمرات مشروع الحوار الوثاب، اذ استفاد الرئيس البشير من ظهور كل من الشيخ الترابي والسيد الصادق المهدي في ارباك القوي السياسية مما سمح له بعد ذلك في توظيفها لبلوغ الانتخابات التي ستأتي به رئيساً منتخباً فارضاً امراً واقعاً على الجميع!. كما كان الرئيس البشير واعياً لمخاطر وجود شخصيتين مثل الشيخ الترابي والسيد الصادق المهدي على وضعه اذا ما مضى مشروع الحوار الوثاب كما صور وقدم للناس كل الناس. وهنا تخلص السيد الرئيس من الصادق المهدي على خلفية تصريحاته التي استهدفت قوات الدعم السريع. ليخرج بعدها السيد الصادق المهدي خارج معادلة الحوار، وليوفر مساحة أوسع لمجال حركة الرئيس وتكتيكاته للتحكم في الوثبة المطلوبة لحواره. ومنذ اعتقال الصادق المهدي بدأ واضحاً أن الرئيس يدفع بإتجاه حوار يتحكم فيه هو وهو فقط. لذلك جرى التضيق على القوى السياسية وما دونها من قوى المجتمع المدني والصحف بصورة غير مسبوقة وعلى نطاق اوسع مما كان ليبلغ رسالة واضحة. هناك حوار نعم لكنه حوار الرئيس ولا يوجد طرف آخر، وسيرأسة الرئيس وليس شخص آخر، ويقدم الضمان الرئيس وليس طرف آخر داخلى أو دولي، وسيعتمد البرامج والاوراق والتفاصيل وكل المسير الرئيس البشير وليس شخص أو طرف آخر داخلي محايد كان أو شخصية قومية، ولا منظمة دولية كانت أو اقليمية الا وفقاً لترتيبات واشارة الرئيس البشير. بالنتيجة لن تكون مخرجات الحوار مهما توقعت لوثباته أن يتخطى خط ورضى الرئيس البشير، كون (الفيل الذي بغرفته) يتضخم ولا يرى أمامه سوى طريقاً من حشيش يقطمه أو يموت تحت رجليه.
المعادلة وفقاً للمشروع الآخر ايضاً لا علاقة لها بالحوار مهما كانت مخرجاته ونهاياته!!!؟. فمشروع المنظومة الخالفة أو النظام الخالف ولا اعتقد أن السيد (المحامي) كمال عمر قد اخطأ في التسمية، ولكن المساحة بين المنظمومة والنظام مفتاح لمعرفة آفاق مشروع أغرب ما فيه أنه ظل سراُ محدود التدوال داخل المؤتمر الشعبي الحزب صاحب الفكرة أو المشروع!!. ويوضح هذا أول ما يوضح أن التعويل على انفاذ هذا المشروع على أرض الواقع لايتم عبر الحزب المفترض أنه صاحب المشروع والمبادر به. خصوصاً وأن وضع الحزب يماثل النعل بالنعل ما يجري بالمؤتمر الوطني، فأمناء الامانات ظلوا لفترة طويله هم هم، كمال عمر مثلاً تنقل من الامانة العدلية الى السياسية، والآخرين كذلك يتنقل ذات الاشخاص من آمانة لأخرى، ودار الحزب من يردها محدودون، فالحزب وضعه مشلول لا يقوى على فعل استناداً على قواعده وقواه، على الاقل هذا هو الظاهر. لذلك المنظومة أو النظام الخالف يتوسل أدوات أخرى لا علاقة للحزب بها وليس له أن يعلمها أو أن يكون له دور فيها على الاقل خلال الفترة التي سيستغرقها الحوار الوثاب، لذلك كانت سرا على أهل الحزب وستظل ولكن هل هي كذلك للطرف الرئيس في الحوار!!؟. لندع كل ذلك ونسأل ما هو مشروع المنظومة أو النظام الخالف؟. وما هي الخلفية التي يقف عليها والتي ترسم اهدافه؟.
لنعود للسيد كمال عمر الذي صور المنظومة الخالفة أو كما سماها النظام الخالف في أشهر تصريحاته بأنه مشروع يجمع قوى كبيرة وكثيرة ليُكون حزباً جديداً. أول سؤال يتبادر لمن يطلع على تصريح السيد كمال عمر هو ما هي الحاجة لحزب كبير؟. وماذا عن الحزب الذي يمثله كمال عمر؟. واذا كنت تتبني الحوار وتدافع عنه بأكثر ممن بادر به ما هو الحزب الكبير المرتقب؟. بالتأكيد غير الاسلاميين ستكون الصورة أمامه واضحة، وحدة الاسلاميين وعودتهم للسلطة كما كانوا أول مرة. أما الاسلاميون فيكون سؤالهم لقد جربنا ذلك مرات، ولكن هذه المرة تستدعي مشروع يجمع الناس بأكثر من عاطفة أو توجهات دينية واحدة لأطراف متعددة، وفقاً لأي مشروع سيقوم الحزب الكبير الجديد؟. اذا كنا قد فشلنا خلال ربع قرن من ابراز مشروع يستحق مجرد (لقب) مشروع.
كل هذه الاسئلة لا محل لها في مشروع المنظومة أو النظام الخالف. لآن المشروع المصرح به من قبل كمال عمر عمره سنوات قبل الوثبة!!!، وظل طيلة هذه الفترة سراً على كل الحزب ألا لعدد محدود مروا عليه مروراً سريعاً ولم يقفوا عنده كثيرا. واذا دققنا في اهدافه فهي تستدعي ذات فكرة أهل القبلة والكيان الجامع وحتى فكرة المؤتمر الوطني الواحد لآول الانقاذ. فهو يأمل أن يؤسس الحزب الجديد بمعية المهدي والميرغني وانصار السنة بكل اطايفهم والصوفية والشخيصيات الوطنية وكثيرا من الشخيصيات التي كانت تنتمي لأحزاب علمانية ويسارية وهلم جرا. فاذا لم يتحقق هذا المشروع في عز فترة عطاء التنظيم ورغم كل تجارب الجبهات الناجحة سياسياً فهل سينحج وقد شاخ الحزب وعمره تجاوز السته عقود؟!!.غض النظر عن طبيعة هذا المشروع وطموحه، فهو بالتأكيد لن يكون متوافقاً مع مشروع الرئيس البشير، بل يعتبر مهدداً كبيراً مباشر له شخصياً. اذا مشروع المنظومة أو النظام الخالف مطروح ليوفر اطاري الترغيب والترهيب تجاه النظام القائم ليحقق أكبر أهداف ممكنة لما بعد النظام وهذا هو مرتكز مشروع شيخ حسن لذلك هو في الاطار الداخلي للحزب المنظومة الخالفة كونها في هذا الاطار تقدم صورة لتطوير الحزب أو هكذا يتم الترويج لها. أما خارج الحزب فهي (نظام خالف) وهذا يستدعي أن أهداف هذا المشروع كلها قائمة على نهاية النظام الحالي، وليس على خلفية حوار وثاب يفضي إلى تسوية مجمع عليها ومتفق.
شئ آخر يستبطنه مشروع (النظام الخالف) وهذه عندي صفته الاقوى، كونه يحاول أن يعد نفسه لوضع انهيار النظام واندلاع الفوضى، ومستفيداً من ضعف النظام فيستعد من خلال الحوار ومداه الزمني في الترتيب لخريطة سياسية يشكلها حزبان حزب يجمع أهل الدين وأخر يجمع العلمانيين واليساريين. والترتيب هنا هو الهدف من تبني الحوار والدفاع عنه بأكثر من أهله، كون الاعداد الآن يسمح في حالة اندلاع الفوضى وبدفع منها وتوظيفها منذ الآن في انجاح الحزب الكبير العريض، وهذا بالطبع يدفع الآخرين للتجمع في كيان آخر موازي وهكذا يكون ترتيب المستقبل جاري منذ طرح فكرة النظام الخالف والان يجري توظيف الحوار لصالحها ليس إلا. لذلك جاءت الدعوات والمشاركات في خطاب الوثية على هذه الشاكلة المقصودة. لكنها ارتبكت بخروج الصادق المهدي الذي ذهب في اتجاه التجمع الآخر غير المفترض له.
لكن الشيخ الترابي ليس بهذه المثالية، فهو يعلم أن الأمور لن تجري تماماً كما مرتب ومخطط لها، لذلك هو سيكتفي في المرحلة الأولي (قبل اندلاع الفوضى وقبل انهيار النظام) باستقطاب عدد مقدر من الشخصيات (المفتاحية) في كل هذه الاحزاب والقوي السياسية التي يخطط لتصطف معه خلفاً للنظام، وعندما تندلع الفوضى سيعيد توظيفها لاستدراج المهدي وغيره بالاتجاه التي سيفضي لنظام ذو حزبين فقط اسلامي الوجهة وعلماني. هذه القاعدة ستطبق بحسب الاحوال مع كل طرف حتى الحركات المسلحة.
الان يمكن أن نفهم الاطار الحواري الذي يحاول كل طرف الاستفادة منه لصالح مشروعه. ويمكننا أن نضع كل حدث وتطور في اطار واضح ومفهوم. وأن المدى الزمني للحوار يجري توظيفه باتجاه احد المشروعين لأقصى مدي ممكن، وكلا الطرفان يعرفان أن هناك لحظة مفارقة قادمة، كلٌ يتحسب لها بحرص واضح. البشير يدفع باتجاه تدعيم موقعه واستقرار ولو نسبي لنظامه حتى يكمل دورته الرئاسية الحالية وربما القادمة حتى الممات فذلكم هو السبيل الوحيد لتفادي الجنائية دولياً والمسآلة والمحاسبة داخلياً وخارجياً اذا سقط نظامه. والشيخ حسن الترابي يري رأي العين أن هذا النظام عملياً انتهي لا أمل فيه وعليه أن يرتب أوضاعه لما بعده. كل ذلك يقود لخلاصة اكيدة ليس هناك حوار اصلاً ولن تكون هناك وثبة.
ونواصل