(( أن تشاهد مناظر الموت في أطراف بلادنا فهذا لم يعد من الأمور التي تثير الدهشة والإستغراب ناهيك عن الإدانة والإستنكار .. ولعله أصبح من الأشياء المألوفة في حياتنا ان نرى صور أمعاء الأمهات “متدلية” من البطون ، وأشلاء الأطفال مبعثرة في العراء ، ودموع الفتيات المغتصبات منهمرة على الخدود .. بفعل فظائع الجيش الحكومي و”مليشياته” في مناطق : “دارفور” و”جبال النوبة” و”النيل الأزرق” .. ولكن الذي أثار إستغرابي ودهشتي هو تلك الضجة التي عمّت المواقع “السودانية مستنكرة الجريمة الأخيرة : جريمة إغتيال الشهيد “رمضان” ضحية “الشطة” ..
هاج النشطاء كما الخُمّل وساحوا في ساحات “الانترنت” وكأنهم يعيشون في “سويسرا” وليس بـ” سودان البشير” .. وكأنهم لم يشاهدوا من قبل فيديوهات القتل الممنهج ضد المدنيين في أطراف البلاد .. وكأنهم لم يسمعوا بجرائم “مليشيات الموت” الحكومية في دارفور : ومنها إدخال “الزجاج” في مؤخرات المتهمين بالتعاون مع حركات المقاومة المسلحة ! وكأنهم لم يسمعوا بعارنا الأبدي في (تابت) ، حيث تم إغتصاب أكثر من (200) امرأة! وكأن وطنهم واحة للأمن والاستقرار والفضيلة ، وليس “وطن الرذيلة” الذي يتصدر قوائم : القتل ، والفساد ، والإنحطاط ، والشلل ، وإغتصاب الأطفال ، والإبادة الجماعية ، وقوائم المشردين واللاجئين والحزانى والمحرومين ؟!! ولكن يقيني بان تلك الضجة “الانترنتية” ماهي إلا جزء من مشهد الإضطراب العقلي الجماعي الذي ضرب مجتمعنا .. ذلك المجتمع الكذوب الذي يعيش على “أساطير الأولين” .. وعلى قصص سخيفة ومكرورة يرددها عن شجاعة أجداده ، بينما يحيا واقعاً جباناً وأليماً ومخزياً ..
ولا أذيعكم سراً حين أقول بان الذين حاولوا تبرئة “المجتمع” من الجريمة البشعة كانوا يكذبون – وأضع نفسي في أول القائمة – لأن أصدق ما يعبر عن الواقع المعاش في مجتمعنا كتبه أولئك الذين أيدوا وهللوا وصفقوا لمنظر “حشو” مؤخرة ” الفقيد” بالشطة .. وبرروا ذلك – وكتابة- بان الدين الإسلامي يقول بقطع يد السارق ، وان الشطة كانت من رحمة الله عليه – يا للهول – وإذ أتقزز من هذا الإنحطاط العلني إلا انني لا أنكر ان ما كتبه أولئك “الشواذ” إنما يعبر عن حقيقة الواقع المُعاش في بلادنا .. لأنهم نتاج ثقافة العنف والقطع والرجم والقتل التي تم حشو أدمغة صغارنا بها طوال الـ (26) عاماً الماضية .. وهاهم قد شبوا وأصبحوا على أهبة الإستعداد لتبرير كل الفظائع والجرائم الوحشية باسم العقيدة و”الدين” .. ولو أدى ذلك لتحريف آيات الله وتدنيسها وتلويثها ، ولو تحولت آيته إلى: النفس بالنفس ، والعين بالعين ، والأذن بالأذن ، والسن بالسن ، و”الشطة” في المؤخرة!
ان الطريقة المتوحشة التي تم بها قتل الشهيد “رمضان” – رحمه الله – هي الحقيقة التي ظللنا نهرب منها ، ونرفض الإعتراف بها ، وهي : ان دين “الترابي” قد نجح في تشويه إنسان بلادنا .. وان “البشير” قد حوّلها إلى مأوى للوحوش والتماسيح ، والكلاب .. وان الذين تناوبوا على نهش “رمضان” هم أبناء “تلك الكلاب” .. وان مجتمعنا قد فقد إنسانيته .. ولن يستردها بكتابة المناحي والمراثي ، ولا بذرف الدموع على شبكة الانترنت .. ولن نسترد إنسانيتنا إلا بإبتدار عمل ميداني حقيقي يعمل على إبادة تلك “الكلاب” .. وإلا فان البديل ، هو ، ان : تجهزوا مؤخراتكم ، وتستعطفوهم بان يحسنوا “الحشر” .. لأن “الشطة” آتية لا ريب فيها .. وان يوم “الحشر” لقريب. )).
عبدالمنعم سليمان / حريات
http://www.hurriyatsudan.com/?p=191150