منذ ظهور أول حالة إيدز في صيف 1981 في شاب جنسياً في كاليفورنيا بالولايات المتحدة وحتى الآن، وهذا المرض يكتنفه الغموض، ففي كل يوم من عام 2008 فقط، كان هناك 6800 شخص على مستوى العالم يلتقطون عدوى فيروس الإيدز، بينما كان هناك حوالي 5700 شخص يموتون نتيجة الإصابة بعدواه، ولهذا يعيش مرضاه على أمل أن يستيقظوا في يوم من الأيام ليجدوا علاجاً جذرياً شافياً لهذا الفيروس، وليس علاجاً يؤخذ للسيطرة على المرض واستعادة نشاط الجهاز المناعي بشرط أن يتناوله المريض مدى الحياة ولا يوقفه أبداً على الرغم من تكاليفه الباهظة.
* وسائل انتقال عدوى الإيدز أصبحت معروفة ومؤكدة وهي: الاتصال الجنسي الطبيعي أو الشاذ إذا كان أحد الشريكين يحمل عدوى الفيروس، ونقل الدم ومشتقاته ومكوناته مثل عوامل تجلط الدم، وكرات الدم الحمراء والصفائح الدموية، والأعضاء البشرية إذا تم نقلها من إنسان يحمل العدوى، والمشاركة في الحقن سواء بالمخدرات أو بالأدوية، وكذلك من خلال الآلات الحادة مثل أمواس الحلاقة، وآلات ثقب الأذن، وأدوات الوشم وغيرها، وأخيراً من الأم الحامل إلى المولود في 5 - 15% من الحالات، ويمكن أن تنخفض هذه النسبة إلى أقل من 2.5% مع استخدام الأدوية المضادة للفيروسات للأم أثناء الحمل، وللجنين بعد ولادته.
وهناك الكثير من النظريات التي تحاول إيجاد تفسير لنشأة فيروس الإيدز، وكيفية انتشار الوباء بهذا الشكل على مستوى العالم، إلا أن أياً منها لم تصل إلى درجة اليقين من خلال البحث العلمي - ولن تصل بالطبع - لأن هناك من يمنع ذلك. وتتراوح التفسيرات ما بين فكرة المؤامرة، والخطأ، إلى فكرة انتقال العدوى من الحيوانات - خاصة الشمبانزي - وأكثر النظريات قبولا والتي تفسر نشأة فيروس الإيدز هي نظرية «الصياد» Hunter theory، وتشير هذه النظرية إلى أن انتقال عدوى الإيدز إلى الإنسان تمت من خلال نوع معين من الشمبانزي من سلالة «بان تروجلودايتس تروجلودايتس» أصابته عدوى فيروس نقص المناعة السيمياني SIV، وأثناء عمليات الصيد انتقلت العدوى للإنسان إما من خلال العض من الشمبانزي أثناء نقله، أو نتيجة لوجود جرح في جلد الإنسان يجعل دم الشمبانزي يختلط بدمه أو ربما من خلال بعض الممارسات الجنسية الشاذة مع بعض هذه الحيوانات، ثم حدثت بعد ذلك طفرة حولت هذا الفيروس إلى فيروس «إتش أي في HIV» المسبب للإيدز. وفي عام 2006 نشرت دراسة تشير إلى أن فيروس الإيدز جاء في الغالب من نوع من الشمبانزي يعيش في غابات المنطقة الشرقية من الكاميرون وبنسبة أقل في كينشاسا والكونغو، ومن خلال 7 سنوات من البحث والدراسة على ما يقرب من 1300 من هذا النوع من الشمبانزي، استطاع فريق البحث من جامعة ألاباما في برمنغهام الوصول إلى هذه النتيجة، من خلال التحليل الجيني للعينات التي تم أخذها من الشمبانزي، وبحساب نسبة حدوث الطفرات يقدر العلماء بداية ظهور هذا الفيروس في الفترة ما بين عامي 1915 و1941، وقد انتقل الفيروس من أفريقيا إلى جزيرة هايتي ومنها إلى الولايات المتحدة، وفي عام 2007 أيضاً نُشرت دراسة تشير إلى أن فيروس الإيدز «إتش أي في» HIV، قد انتقل إلى الولايات المتحدة من جزيرة هايتي عبر الشواذ جنسياً، حيث كان الأميركيون يذهبون للسياحة وممارسة الجنس الشاذ هناك، وكان قد انتقل إلى «هايتي» من أفريقيا الوسطى والكونغو.
أما النظرية الثانية فهي نظرية «لقاح شلل الأطفال» وتشير إلى أن فيروس الإيدز انتقل إلى الجزء البلجيكي من الكونغو في أفريقيا في الخمسينات من القرن الماضي بواسطة هيلاري كوبروفسكي التي كانت تعمل باحثة في مجال لقاح شلل الأطفال الذي يؤخذ عن طريق الفم، والذي تم تحضيره على نسيج الكلى لهذا النوع من الشمبانزي، ومن خلاله انتقل فيروس نقص المناعة السيمياني من الشمبانزي إلى الإنسان، وحدثت له طفرة وتحول إلى فيروس إتش آي في HIV، إلا أنه في فبراير (شباط) عام 2000 تم العثور على زجاجة من تطعيم شلل الأطفال الذي تم استخدامه خلال هذه الفترة في معهد «ويستار» في فيلاديلفيا بالولايات المتحدة، وتم تحليلها ولم يتم العثور لا على فيروس الإيدز HIV أو فيروس نقص المناعة السيمياني SIV. وفي دراسة أخرى ثبت أن نسيج الكلى لا يمكن أن تتم عدواه بأحد هذين الفيروسين، وبالتالي فإن نظرية «لقاح شلل الأطفال» لم تثبت أيضاً علمياً ورفضت بواسطة العلماء المتخصصين. وبعض العلماء يعتقدون أن فيروس الإيدز ما هو إلا صناعة أميركية، حيث تم تصنيعه كسلاح بيولوجي في المعامل البيولوجية العسكرية في «فورت ديريك» بميريلاند من خلال دمج جينات نوعين من الفيروسات هي Visna، وأيضا HTLV-1، وبناءً على هذه النظرية، فمن المتوقع أن هذا حدث ما بين عامي 1977 – 1978، حيث تمت تجربته على المساجين بعد أخذ موافقتهم في مقابل أن يتم الإفراج المبكر عنهم، ويعتقد أن هؤلاء المساجين هم النواة الأولى التي نقلت بذرة الوباء بعد خروجهم من السجن حسب نظرية عالم البيولوجيا الألماني جالوب سيجال الذي اتهم بعد ذلك بأنه عميل سوفياتي يروج لهذه النظرية لصالح السوفيات، والحقيقة أن هناك الكثير ممن يؤيدون هذه النظرية ومنهم فاجناري مآثاي الحاصلة على جائزة نوبل للسلام، وأيضاً فاسيلي متروخوم وكذلك آلان كانتويل الذي يعتقد أن هذا الفيروس قد تم تصنيعه من خلال الهندسة الوراثية لفيروسات موجودة بالفعل بهدف إبادة أجناس معينة، وتمت تجربته على الشواذ جنسياً من خلال التجارب على فيروس الكبد الوبائي «ب» B ما بين أعوام 1978 – 1981 في كل من لوس أنجليس - نيويورك، سان فرانسيسكو، سانت لويس – دينيفر – شيكاغو، ويعتقد د. كانتويل أن الذي أشرف على هذه التجارب كان اسمه د. وولف زمونس، وأنه حدث نوع من الإخفاء لهذه التجارب عن وسائل الإعلام عندما تم البحث عن مصدر فيروس الإيدز. إلا أن هناك أبحاثاً أخرى تعارض نظرية المؤامرة هذه ودور الولايات المتحدة فيها، فهناك تحاليل تم إجراؤها على الدم المختزن منذ أغسطس عام 1959 على أحد البحارة الذي ظهرت عليه كل أعراض الإيدز ودخل أحد المستشفيات بمانشستر في إنجلترا، وبالطبع لم يتم اكتشاف سبب انهيار الجهاز المناعي وظهور العدوى الانتهازية والأورام، ولأن الحالة كانت محيرة، فقد تم الاحتفاظ بعينات من دم المريض قبل وفاته حتى تم إعادة تحليلها في عام 1990 وثبت وجود فيروس الإيدز بها ونشر هذا البحث في مجلة «لانسيت» الطبية إلا أنهم عادوا ليلصقوا التهمة مرة أخرى بأفريقيا، حيث عادت المجلة ونشرت على لسان الباحثين أنفسهم عام 1996 أنهم أخطأوا في التحليل، وأن العينات كانت ملوثة بعينات أخرى من الفيروس لينفوا التهمة عن أجناس الشعوب البيضاء المتقدمة ويلصقوها بالقارة السمراء، وفي بحث آخر تأكد وجود فيروس الإيدز في عينات لرجل من كينشاسا في أفريقيا تم الاحتفاظ بدمه منذ عام 1959، ولرجل آخر من جزيرة «هايتي» كانا مصابين بنفس أعراض الإيدز وماتا في العام نفسه، وثبت وجود عدوى فيروس الإيدز في العينات التي تم الاحتفاظ بها قبل موتهما.
وهناك بعض النظريات الأخرى التي نشرت في هذا السياق عن أصل فيروس الإيدز ولكنها لم تلقَ صدى أو قبولا واسعاً في المحافل العلمية مثل تلك التي يتبناها «بيتر دويسبرج» منذ عام 1984 وحتى الآن، وتشير إلى أن فيروس HIV ليس هو السبب في حدوث مرض الإيدز ولكن هناك عوامل أخرى مثل الفقر والجوع وسوء التغذية والأمراض والطفيليات المزمنة والتلوث والعوامل البيئية الأخرى، هي التي تؤدي إلى انهيار الجهاز المناعي، إلا أن دويسبرج لم يستطيع أن يثبت لماذا لا يحدث كل هذا إلا مع وجود العدوى بالفيروس، ولماذا تتحسن حالة المريض بمضادات الفيروسات التي تثبط عمل الفيروس وتوقف نشاطه فيعود الجهاز المناعي إلى العمل مرة أخرى ويتعافى المريض!