تهتم العديد من الدراسات في مجالي علم النفس وعلم النفس الاجتماعي بمسألة التأثير الذي تضفيه الجماعة على الفرد ، فالمرء طوال مسيرة يظل منتميا الى الجماعة الانسانية فيسعى باستمرار الى تحقيق التوازن بين ما يرضيه شخصيا ويرضي المجموعة التي ينتمي اليها في النواة المجتمعية الأولى ( الأسرة) ، ثم في مجموعات أخرى عديدة يحيا الانسان وسطها .. يتعلم خلال لحظات العمر الكثير ، ويغيب عنه ايضا الكثير.
وفي هذا الجانب اهتمت دراسات اجتماعية عديدة بما اصطلح على تسميته بالضبط الاجتماعي ،حيث ان الفرد يستشعر باستمرار صعوبة ان يقوم بمسلك اجتماعي لا تقبله اسرته الصغيرة أولاولا تقبله كذلك اسرته الكبيرة ( المجتمع). ان العديد من الناس يتعمق لديهم الاحساس بأهمية التحاور والتاعل مع الأسرة ومع المجتمع وصولا الى اتزان نفسي يكفل لهم الصمود وسط عواصف القلق العديدة التي تعرفها مجتمعاتنا المعاصرة .
يظل الفرد دائما في حوار معلن أو ربما صامت احيانا مع المجتمع العريض من حوله . وتتشكل المفاهيم والقيم في المجتمعات كلها بتوالي المراحل والعصور من خلال الحوارات التي تديرها المجتمعات .
ان النظرة الى مسألة الحوار داخل المجتمع تظل دائما أمرا ضروريا .. فالمجتمعات تختبر الصواب والخطأ من خلال تجاربها الذاتية . وهي ايضا تستلهم بعض الافكار من جماعات انسانية اخرى ربما تبتعد عنها نسبيا في الجغرافيا والتاريخ.
من هذا المنطلق يجد المتأمل لمعطيات الابداع في المجالين الفكري والثقافي ، ان هنالك بعض المفاهيم والرؤى والافكار التي يجتهد بعض المبدعين وبعض المثقفين من اجل غرسها في مجتمعاتهم. فمهمة النخب في الفكر والثقافة والابداع تظل باستمرار مهمة لا غنى عنها ، فهم الذين يستكشفون الطرق ويراجعون احوال المجتمعات ويجرون المقارنات بتعمق في الافكار ، ثم يتوصلون في خاتمة المطاف الفكري والابداعي الى رسم مسارات بعينها ينادون اليها خطوات افراد المجتمع من حولهم .
وتاتي هنا الخاطرة التي تدفعني للقول انه من المهم ان تتحاور مجتمعاتنا مع الافكار الجديدة ولكن دون ان يعني ذلك التخلي عن الاصول والقيم الراسخة.
أتذكر هنا ان أديب العرب الحائز على جائزة نوبل اتلروائي والقاص الراحل نجيب محفوظ قد حرص في حوار ثقافي أجرى معه عقب حصوله على تلك الجائزة العالمية المرموقة على تاكيد اهمية ان تحقق مجتمعاتنا معادلة الانتماء الى تراث تعتز به هذه المجتمعات ، وفي الوقت ذاته التطلع الى معانقة الجديد من انجازات الفكر الانساني .
وان تبقت خاطرة هنا فهي الاشارة تلميحا الى المخاوف التي بدأت تثار في عصر الانترنت حول موقع قراءة الكتب في حياتنا .. فهل سيفلح الجيل الجديد في تطويع " النت" للاستزادة من القراءات أم لا ؟