Bakry
 |  موضوع: المفاعل النووى السودانى وغياب الاستراتيجية  الأحد 6 ديسمبر 2009 - 21:15 | |
| المفاعل النووى السودانى وغياب الاستراتيجية
كلما أوهمت نفسى بأن هذه هى آخر أخطاء مسؤلينا وأنهم بعد الآن سيخضعون قراراتهم لمزيد من التمحيض بعد أن بحت أصوات منحوسى الحظ مثلنا والذين يكتبون فى الشأن العام وتقلقهم مايحدق بالبلاد من مخاطر مرئية وغير مرئية الا ان نفوسهم أبت واصرت أن تأتينا بالعجب العجاب ويهدوننا مفاجأة جامدة ترتعد لها فرائضك وأنا هنا أتحدث عن خبر قرأته فى عدة صحف سودانية قبل أسابيع ومغزاه أن وزارة التقانة تنوى شراء مفاعل نووى لغرض التدريب وتوليد الطاقة وهنا أتانى السؤِال البديهى (الناس ديل جادين؟) وحتى لا يتطاير الشرر من كلماتى وأخرج عن نطاق الموضوعية وأقذع بالنقد كل الجوانب وأتوه فى آتون الغيظ الذى يعمى البصيرة سأحاول حصر مقالى فى غياب الاستراتيجية وغياب وسائل الأمن والسلامة فى هذا الاختيار غير الموفق لمثل هذا المشروع.
أنفقت الحكومة الملايين من الدولارات فى انشاء السدود لتوليد الطاقة ومؤخرا تم افتتاح سد مروى الذى وعدنا أن السماء ستمطر ذهبا وكهرباء وتمنى ولكن بدلا عن ذلك غرق أهلنا فى الظلام. اذا كانت الاستراتيجية هى انتاج الطاقة من المصادر المائية والمتوفرة لدينا من خلال وادى النيل وروافده وهى وسيلة قليلة التكلفة نسبيا والتقنية التى تتطلبها اما موجودة فى السودان أو لدى السودانيين العاملين بالخارج والذين يمكن استقطابهم (وده موضوع تانى لفشل الحكومة التام فى ايجاد استراتيجية جاذبة لعودة المؤهلين كما فعلت الهند ,البرازيل, غانا, أو لبنان) أو يمكن استيعاب خبراء أجانب من الدول المجاورة. فلماذا هذه الخطرقة؟ ينتابنى بان وزاراتنا لاتتحدث مع بعضها ولاتنسق وكل فى هواه ولو كانت هناك اى نوع من الاستراتيجية القومية لفطن المسؤلين لتضارب تلك السياسات.
يا أهل الخير هذه هى نفس الحكومة التى تتجه بكل ثقلها الى انتاج الطاقة من الموارد المائية ويأتينا الوزراء بالتصريحات أن الأولوية لانتاج الطاقة. هى نفس الحكومة والتى بدعوى الانهماك فى تحويل الموارد المالية الى انتاج تلك الطاقة تعطل احداث ثورة صيانة وتحديث للمدارس التى يجلس أطفالها على الأرض فى كثير من مدن وقرى السودان ومستشفياتها لا تتوفر فيها أبسط المتطلبات العلاجية و أدنى درجات النظافة ناهيك عن الصحة وفى ليلة وضحاها تريد انتاج الطاقة من المفاعل النووى المرتقب. أعتقد أن القارئ من الذكاء بمكان أن يرى وبوضوح مدى تضارب الأولويات والغياب الكامل للاستراتيجيات. أذا أتتنا وزارة التقانة ممثلة فى وزيرها ووزيرة دولتها وقالت نحن (ندرس) جدوى شراء المفاعل النووى لساورنا نوع من الشك المفعم بالأمل الأغبش الذى يوحى لنا أنهم وعلى الأقل يضحكون على دقوننا لغرض التطمين ليوهمونا بأنهم (سيدرسون) هذا الأمر ومن ثم يأتوا لاحقا ويخطروننا أنه وبعد دراسة ضافية قررنا أن نشترى ذلك المفاعل. أنهم لم ولايأبهون بالكل انهم قرروا أن يشتروا المفاعل كما ورد على الصحف. نحن ليست لدينا الايدى المدربة المحلية لتشغيله ولأن مثل هذه التقنية تنضوى تحت لواء الأمن القومى الوطنى حيث لايمكنك أن تسلم زمام الأمر بها لخبير أجنبى له ولائات أخرى وكما نعلم نحن موضع شك ومراقبة من معظم دول العالم التى تتحكم فى هذه التقنية وبالتالى تعطيها تصريح بالتقلقل الكامل فى مستقبل البلاد. هذه ليست بدعوة عرجاء منى وزعم زائف بأن كل مفاعل العالم يديرها وطنيين فقط حيث يعمل الاجانب فى كل مفاعل العالم النووية وأول النجاحات الأمريكية فى هذا المجال كانت قد تمت بمساعدة وجهد العلماء الألمان ومعظم المشاريع الاستراتيجية فى كل انحاء العالم تستعين بالخبرات الأجنبية التى تفتقدها ولكن ذلك يتم فى حدود حيث لابد لك من توفر الحد الادنى من المؤهليين الوطنيين الذين يمكنهم توجيه الاستراتيجية مع الاستعانة بالخبرة الأجنبية. أما عن السلامة فحدث ولاحرج حيث نحن نغرق فى شبر موية من أمطار تنبأت لها وسائل الارصاد, نبنى الأنفاق بلامجارى للتصريف, يموت المواطن من جراء تهدم السايفون الذى بنى دون أدنى درجات السلامة لغياب الصرف الصحى ولانستطيع اخراج ذلك المواطن لمحدودية آليات فرق الانقاذ. تسرب الاشعاع من شرنوبل فى الاتحاد السوفيتى فى ثمانينات القرن الماضى وقتل ماقتل وشوه ماشوه فى دولة تفوقنا فى ذلك الزمان وتفوقنا الآن بسنوات ضوئية. ياعباد الله نحن نريد لوطننا أن تكون له كل التقنية الحديثة, نريد له المفاعل النووى المبنى للأغراض السلميه لأننا وبعد أكثر من عشرين عاما من الاحتراب لانريد حربا أخرى تشرد وتخرب الديار, نريد لوطننا كل التقنية والتطور (وحاجات بلاد بره) التى نراها فى أرض الله الواسعه ولكن هذه الأمنيات دائما تأتى ضمن منظومة استراتيجية متناسقة ومنسقة ومتزامنة ومحددة لتلائم حوجة متسلسلة ويتنبأ لها بعد دراسات وتخطيط ممنهج . تأتينا هذه الأمنيات بعد أن نخطط لها ونعد لها ليس المال فقط ولكن الوسائل والآليات. هذه ليست بالأولوية للسودان, أولويتنا هى اصلاح التعليم الذى يمكننا ويؤهلنا لاقتناء وتشغيل هذا المفاعل, أولوياتنا هى ايجاد المقاعد لأبنائنا ورفعهم من على الأرض الى المقاعد وتوفير الفصول والكتاب والمعلم والمعامل ولو وددت سرد ماتحتاجه المدارس لأحتجت لمقالات. مستشفياتنا تئن من انعدام الشاش ونريد أن نبنى مفاعلا يتناقض مع استراتيجية الحكومة التى خططت لها هى؟ وكما قال رجل شرطة المرور الشهير بالخرطوم (اصحى يابريش).
سيف الدين عبد العزيز ابراهيم – محلل اقتصادى بالولايات المتحدة | |
|
