" مهداة إلى أمي "
لو سافرت بحورا
ولو قطعت صحارى
ولو إجتزت أوطانا
فلن أجد عش أدفأ
من صدرك وحضنك
يا أمي
ولو جبت قارات الدنيا ومدنها
ولو سكنت اليونان وسمرقند
بلاد فارس والهند
فلن اعثر عن حصن
أأمن من روحك يا أمي
ولن أجد قلب يسعني
برحمته وغفرانه إلا
قلب أمي
وجهك وردة مبتسمة من داخل
الشمس
وأسراب سنونو
في خريف الزمن وشتائه
سافرتي من جبال وأشجار
الصنوبر الخضراء لبلادك
لتنثري هوائها العليل
ورائحة الصنوبر
في بلد النخيل والبيداء
قبل أكثر من ثلاثين عاما
وكلك شوق وعنفوان ووفاء
بالفتى العربي الأسمر
يوم أشرقتي في الدار
كان أبي قد سافر
إلى السماء لجلب نجمة
كم هما دافئتان وطيبتنان
عيناك يا أمي
خمائل الجنة فيهما
تفيانني وتقيانني
نيران الوحشة والمجهول
دهاليز التيه وسهام العتمة
كنت آرى وجهي
في مرآتيهما الزمردية
وأنا صغير
والآن ملائكان يسكنان
عينيك داعيان ربهما
بالسلامة والتوفيق لي
في كل نبضة من عمري
عندما يكفهر وجه بيتنا
رنين ضحكاتك
تبعث فينا آمالا وأفراحا
وفي الأعياد يا أمي
أنت لنا أكبر عيد
وسفر الأفراح
ربيع حياتنا أنت إخضراره
البنفسج يضحك
والقرنفل يغرد
وورد الجوري ينحني
لطلتك البهية ونور وجهك
وإبتسامتك المشرقة
يامن أطعمتينا
الصغير والكبير
الجار والصديق
بالرغيف والنبيذ
ولبيتي نداء كل محتاج
في صباحات طفولتي
أستيقظ
وهداياك ترقص على الطاولة
وقلبي يقفز من السعادة
فأسرع لأشكرك
فلا أجد العبارات
فتراني
وضعت رأسي الصغير
بين يدي أمي
كم هما دافئتان يداك
يا أمي
أدفأ من الحنان
وكل كلمات الشعر والنثر
تنساب الألوان المضيئة
من أناملك الذهبية
لتنقش الأشكال البديعة
وشدات ورد من سلال بيض
مبارك برسومات براقة
في الأعياد
ونحن ساهرون حتى أجراس
منتصف الليل
قصاصات الورق التي تحمل
خط يدي
احتفظتي بها بحنان
هناك في الدرج
بين رائحة وتراب السنين المعتق
في دارنا ببغداد
تبحث عنا
وأشجار الصفصاف في حديقتنا
لازالت باقية تنتظرنا
في بابل
وقد حفرت أمي اسامينا عليها
فعلى من ستلقي سلام الصبح
من بعدنا يا ترى؟
وأشجار الرمان والمشمش
والعنب والليمون .. ماذا حل بها؟
فهي تأن لرحيل أيادي أصحابها
لقطف ثمارها
أماه بيديك نزعتي أشواك
روحي الممزقة شوكة شوكة
حتى تدمى يديك
نمت في البرد
حتى أنام في الدفء
وعمدتيني عشرون ألف مرة
بشريان قلبك
وأنا بعيد عنك
بطيشي وجنوني
على لوحة باردة
في منتصف غربة الريح
وصفير القطارات والغرباء
أنت يا أمي أول خيط ذهبي
يشق السماء إلى نصفين
كل فجر
أنت آخر صلاة أسمعها من المؤذن
كل مساء
أنت البحر
الذي فيه تغرق الشمس في أحضانه
كل مغيب
لتطلع منه مع أول نجمة
كل مساء
بجناحي نسر
تحلقين في غرفتنا
أنا وشقيقتي ليلا ونحن صغار
لتدفئيننا ولتطمئنين علينا
وتعبق أنفاسنا
بطيبك
وبركاتك
وصلاتك
وعبيرك
يا لؤلؤية البسمة
أعرف جيدا إنني لن استطيع أن أفي حق
ثنية واحدة من تجاعيد وجهك
أو دين شعرة واحدة بيضاء
من رأسك
في عيد ميلادك يا أمي
أجيئك مهنئ يا قصيدة خضراء
يا حكايات تاريخ معتقة بأريج السنين
وفصولها
أقبل خديك
يديك
وقدميك
ومتوسلة أن تصفحي عني
أنت توراتنا وانجيلنا
يا أمي
فكل عام وأنت بألف خير