الكتابة امرأة عاشقة
والحب رجل عاشق .
تحملك الكتابة على سحابة زرقاء، ففي كل ممارسة كتابية ثمة طاقة، والكتابة ذاتها تنطوي على نوع من التفكير . نحن نفكر ثم نكتب .
التفكير يواكب فعل الكتابة ويدعمه بقوة العقل، لكن الكتابة قبل ذلك تنتمي إلى القلب أكثر مما تنتمي إلى العقل . هكذا يقول الشعراء على الأقل، وبما أن الكتابة هي ابنة القلب أو شقيقته الصغرى المحبوبة، فهي مشتقة من الحب أو من مادة الحب، وما من إبداع كبير وعميق إلا وهو مكتوب على خلفية حب خصوصاً في الشعر، والروايات الكبيرة والباقية في ذاكرة البشر وقد تم إنجازها قبل عشرات أو مئات السنوات، لم تعش ولم تبق وتستمر في الحضور أو في قلب الإنسان إلا لأنها قائمة على فكرة الحب أو فلسفة الحب .
تكتب قطعة جميلة لأنك تحب الفكرة التي تقوم عليها هذه القطعة، وأنت هنا لا تؤلف، فالتأليف عمل آلي، وقد تكون في واقع الأمر مسافة طويلة بين التأليف والكتابة .
والكتابة حب لأنها مسرّة، لأنها استقبال للحياة واحتفاء بها . والكتابة حب لأنها نوع من العطر ينبعث حتى من الحجارة، وهي حب لأن شعرة صغيرة فقط تفصل بين “جسد” الكلمة المكتوبة وبين عضلة في القلب أو بهجة في الروح .
الكتابة قبل الحب، أو الحب قبل الكتابة . . لا فرق . قبل الحب تكون الكتابة مجرد لغة أو أبجدية متحركة في الكلمات، لكنها كالإسفنجة قابلة لامتصاص عطر الحب والاحتفاظ به إلى الأبد .
الحب أيضاً مسرّة المسرات .
إنه يباغت أحياناً، ينام ويحلم الحب تماماً مثل تلك الفتاة النائمة في لوحة تشكيلية ولكنها لفرط التحديق بها، أي في اللوحة، أخذت الفتاة المرسومة تتثاءب وتصحو وتسرّح شعرها أمام مرآة مثبتة في الغيم وليس في جدار .
الحب طاقة هو الآخر .
الحب احتفاء بالإنسان، وهو دعوة مفتوحة إلى الفرح المطلق وإلى مثالية الإنسان وصفائه وشفافيته وهو يغتسل بالحب، فيصبح طاهراً ومحباً لكل الناس، بل، يصبح محباً حتى للأشجار التي لا يملكها . . ومحباً للبيوت التي ليست له، ومحباً للحقول والضيعات والعزب والممتلكات التي لا يملك منها أي شيء .
في وسط الطريق . . طريق هذه الحياة المصنوعة من الحلو ومن المرّ . . من الأبيض ومن الأسود، يلتقي الحب بالكتابة . تلتقي المرأة العاشقة بالرجل العاشق، فيتحول المجاز إلى حقيقة والسحابة الزرقاء في بطنها طفل يولد من امرأة اسمها الكتابة وأب اسمه الحب .
كيف نكتب ونحن على ذمّة الحب؟
سؤال ليس معقداً إذا عثرنا على الإجابة في القلب، وليس في أي مكان آخر .