حينما كنت أتصفح المنتدى قابلتني مشاركة من الأخ حسن وراق حينما عرض الحال المزرية للسوق بصورة عامة والجزارة وسوق الفاكهة بصفة خاصة
وكذلك مشاركة الأخ جعفر قوليب حينما عرض الجدول الذي حفرته المحلية لتصريف الأمطار والسيول وقد أصبح مكباً للنفايات
حقيقة كلما أشاهد مثل هذه المشاهد أتذكر عمنا وخالنا المرحوم محمد ود الأزرق وأتحسر وأقول ... الله يرحمك يا ود الأزرق
تخيلوا ... الحصاحيصا منذ ذلك الزمن الذي كان يعمل فيه المرحوم مفتشاً للصحة والآن يكاد عدد الأحياء السكنية لم يزد كثيراً
فكان - الله يرحمه - وعلى قدميه فقط .. ينتقل من مكان إلى مكان ومن شارع إلى شارع ومن سوق إلى سوق ومن حي إلى آخر في جولة تفتيشية تفقدية لا يكل ولا يمل ويفرض شخصيته وهيبته واحترامه على الجميع
وسبحان الله لم تكن آبار التصريف معروفة على نطاق واسع وكان كل بيت أمامه (بالوعة) لتصريف المياه ولديه «WC» به جردل لتصريف الفضلات يؤخذ كل يوم في توقيت معين ورغم ذلك كله لم تكن الحصاحيصا تعرف البعوض ولا الذباب ولا حتى الأمراض
فكان يجبر الجميع على تصريف هذه البالوعة بصفة يومية وليس ذلك فحسب بل كنا نحرص على تنظيف المساحة التي تقع أمام البيت وحتى نلتقي مع الجار الذي أمامنا في منتصف
الشارع ونقوم بحمل الأوساخ إلى البرميل المعد لذلك .. ونستعد لاستقبال ود الأزرق وهو يخطو قادم إلينا من اتجاه السكة الحديد عند بداية الشارع وهو في كامل أبهته
الكسكتة الخواجية والقميص الأبيض والبنطلون بني على خفيف (على ما أذكر) وعصاته الأنيقة ... يمشي في ثقة وشموخ ونظراته تتفحص الشارع
ويا ويلك ... لو رأى عليك ملاحظة لن تسلم من تعليقاته الساخرة واللاذعة ومحاضرته التثقيفية عن النظافة .. بصوته القوي الجهور ... محذراً في الوقت نفسه من فرض الغرامة عليك.. فكان الناس يحبونه ويحترمونه ويهابونه في الوقت نفسه ... وكنا أسعد ما نكون نحن في البيت بحكم صداقته مع الوالد - نسأل الله له الرحمة - حينما يكون الوالد في انتظاره على وجبة الفطور في ذلك اليوم من الأسبوع الذي كان مخصصاً للحلة الجديدة - فكنا نتسابق لخدمتهما وتلبية طلباتهما على السرعة المطلوبة حتى نعود إليهما للاستماع والاستمتاع بحديثهما وذكرياتهما وضحكاتهما وسخريتهما المعهودة
فما أطيبهما وأجملهما في تلك اللحظات .. التي لن ننساها وقد رحلا عن دنيانا وتركا السيرة العطرة
وعزاءنا في الإخوة طارق وعبدالعظيم وعوض الكريم وسراج وعثمان وعينة ... الذين يحملون له أجمل الذكريات ... تظهر في حديثهم عنه .. وسرد طرائفه ..
فكان بحق زعيم بمعنى الكلمة ... له الرحمة ...
ورددوا معي حينما ترون مثل هذه المناظر ... الله يرحمك يا ود الأزرق.