حين عزل انقلابيو ٢٣ (يوليو) ١٩٥٢ ملك مصر والسودان فاروق الأول وطردوه من بلده (كان السودان تابعاً إدارياً لمصر مع نفوذ بريطاني في البلدين)، انحلت العلاقة بين جهتي وادي النيل وتُرك السودان الى مصيره ليستقل عن مصر منذ العام ١٩٥٤ ، تاريخ انفراد جمال عبدالناصر بالحكم في القاهرة.
هكذا تخلى زعيم القومية العربية عن الوحدة مع البلد الأقرب ليعقدها مع سورية البعيدة بعد أربع سنوات.
ومنذ انقلاب الإنقاذ على الشرعية في السودان (بتعاون الحليفين اللدودين، العسكري عمر حسن البشير ورجل الدين حسن الترابي) ضاق « الإنقاذ » بوحدة السودان ولم يتحمل غير مسلمين في الجنوب لا يتقبلون فرض الشريعة. واكتمل ضيق الإنقاذ، هذه المرة بشخص الرئيس البشير الذي خلع صاحبه الترابي، لأن النفط المكتشف تقع أكثر منابعه في الشمال، فاستعجل التقسيم بسياساته الدافعة والمغذية لمشاعر الانفصاليين الجنوبيين ومن يؤازرهم من البعثات التبشيرية.
وفي الطريق الى تقسيم السودان أعلن الرئيس البشير أن حكومته ستكون أول من يعترف باستقلال الجنوب إذا قرر الانفصال... وأنه سيعمل بعد ذلك إلى وحدة جاذبة مرة أخرى..
وكانت الحركة الشعبية لتحرير السودان» قدمت الى البشير خدمة حين « رشحت أمينها العام ياسر عرمان لينافسه في انتخابات الرئاسة، ولم ترشح رئيسها سلفاكير الأقدر في جمع الأصوات، لأن هذا ينتظر منصباً آخر هو رئيس دولة جنوب السودان الجديدة. ما يعنينا حضارياً أن سياسات الانقلاب الإنقاذي (البشير – الترابي) كسرت بوابة العرب على الداخل الأفريقي مكملة ما بدأ انقلابيو مصر ١٩٥٢ .
وبتقسيم السودان تكتمل القطيعة بين وسط أفريقيا وشمالها العربي، قطيعة قد تؤدي الى عداء في المقبل من السنوات. وما يعنينا أيضاً أن أحلام المثقفين السودانيين بأدب وفن يجمعان الغابة والصحراء ستبقى أحلاماً، لأن النفط المستكشف في الشمال هو المستقبل والأمل والحاجز، وليس ذلك السودان الغني الموصل بين العرب والأفارقة..
إذاً «المؤتمر الوطني» يرى أن «الإنقاذ» سيكون عبر التخلص من الجنوب «المرهق» و«المكلف» والذي يحتاج إلى قرن من الزمان لتنمية إنسانه أولاً حتى تتاح الفرصة لتتفشى التنمية بعد ذلك في بقية مفاصله
فإذا كان السودان موحداً يحتاج لعشرات السنين لينهض اقتصاده ... فإنه سينهض ويصبح عملاقاً في عشر سنوات فقط بعد الانفصال... بعد أن يكشف عن الموارد المخبأة لما بعد الانفصال...
(لأن الجنوب والجنوبيين كما قال أحد المصريين المتواجدين هناك حالياً ... دول جارين ليكم فرملة اليد جامد أوي).
إذاً نحن وحسب هذا التصور موعودون بما تبقى من «الرفاهية» التي سيحصل عليها «الإنقاذيون» خلال السنوات التي سيحكمون فيها الشمال منفصلاً عن الجنوب ... وأظنها شخصياً ستكون طويلة جداً.. لذلك نرى كثير ممن فهم هذا الأمر يركض وراء الانضمام للإنقاذ لما سيجره ذلك عليه من مكاسب ...
أما الذين يخافون من مطالبة الشرق والغرب للانفصال ترى الحكومة أن هذه المناطق لا ينطبق عليها ما ينطبق على الجنوب لأن تنميتها ليست بذات صعوبة تنمية الجنوب... الذي لن يشهد استقراراً قريباً بحكم قراءة الواقع على الأرض ...
وبعد أن يرى الجنوبيون ما آل إليه وطنهم من دمار وما آل إليه الشمال من عمار سيقام الاستفتاء مرة أخرى لصالح الوحدة مع الشمال ...
وسيتكرر سيناريو تايوان والصين مرة أخرى ... وسيتواجد الموساد والـ CIA وكذلك المخابرات السودانية الشمالية والمصرية والكينية ويستمر السجال ... دعم حكومي للمؤيدين للشمال ودعم غربي صهيوني للمؤيدين للانفصال .. وسنتأثر ولكن ليس كثيراً لأن القوات الدولية ستحرس الحدود بين الشمال والجنوب ...
هذه مقتطفات لرؤية المؤتمر الوطني ... الذي يسعى جاداً للانفصال..