همسات قبل الانتخابات
الأولى : تابعت في الأيام الماضية ردود الفعل الكثيرة في بعض مواقع ومنتديات الانترنت ذات المشاركات والحضور الكبير! لنبأ سحب الحركة الشعبية لمرشحها لرئاسة الجمهورية ياسر عرمان ، وقد كانت فجيعة الكثيرين وصدمتهم كبيرة جداً أفصح عنها بوضوح كثير من (الشيوعيين) ودعاة التحرر ودعاة ما يسمى بالسودان الجديد !! وقد أعلنوا خيبة أملهم بوضوح وجرأة وشهدوا على أنفسهم أن آمالهم قد تحطمت وأصبحت رماداً !!وسعوا للتنفيس عن (غبينتهم) بسب وشتم لمن كانوا يرون فيهم (الخلاص) !!.
وأنا أقرأ تلك المشاركات والمداخلات تذكرت أولاً قول الله تعالى : (كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماءً حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً ) ، فقد تبددت أحلامهم ، وسقطت آمالهم ، وقد علقوا آمالهم بمخلوق لا يملك لهم نفعاً ولا ضراً ، فقد حصدوا السراب وأدركوا أن سعيهم في تباب ، ثم حزنت حزناً شديداً لما وصل إليه حالنا في هذه البلاد ، لقد طمع الشيوعيون في حكمنا !!! ولا أدري متى يستيقظ هؤلاء مما هم عليه ؟! إذ الفكرة الشيوعية من أولها إلى آخرها قائمة على التناقض ، وقد سقطت في مسقط رأسها ، وماتت وتم تشييعها وقبرت في عهد قورباتشوف ، وكان من ثمارها الفقر الشديد وحياة البؤس التي يعيشها كثير من سكان بعض دول ما كان يسمى بالاتحاد السوفيتي ، وقد وقفت على ذلك بنفسي ، فقر ليس له مثيل ، لم يعرفه حتى سكان أدغال إفريقيا ، فتيات يعملن عاملات شحن وتفريغ !! بدولار أو دولارين ، ومن يجد قطعاً من البطاطس مع خبز ناشف فكأنما طعم طعام الملوك!! فضلاً عن حكم الدكتاتورية والتسلط الذي مارسه الشيوعيون رغم ادعائهم ـ زوراً وبهتاناً ـ أن الشيوعية قامت لأجل العمال ونصرتهم !!
ولست هنا بصدد الحديث عن نهاية الشيوعية وتناقضاتها فسيكون ذلك في مقال مستقل قريباً بإذن الله تعالى ، لكن ما أردت توضيحه بهذه الهمسة هو أن يعتبر كل من أخذ هذا (الخاذوق) بأن يتأمل ويتعظ ويعتبر ويبحث عن الحق ولا ينخدع ، فلا مكان للشيوعية بين أهل هذه البلاد ، وهي كالمخلوق المشوه المنبوذ الذي قد لفظه كل من حوله !!!
ولذلك فإنهم يسعون لتكثير سوادهم بالربط بين الشيوعية والمجون والفنانين والفنانات والراقصين والراقصات !! وأحياناً أخرى تجدهم يدافعون عن بعض الأفكار كالفكر الجمهوري ويحتفلون بذكرى صلب زعيمه الهالك محمود محمد طه !! في محاولات يائسة لكسب مؤيدين ، ولكن هيهات!!!
وكيف يكون للشيوعية مكان بيننا والشيوعية نشأت معتمدة على نظرية دارون التي تقول إن الإنسان تطور بعد أن كان (قرداً)؟!! والشيوعية تقول إن الدين (أفيون) الشعوب ولا تعترف بالدين !!
وهمستي لهم هنا همسة المشفق عليهم بأن يحفظوا أوقاتهم وأعمالهم ويقلعوا عما هم فيه ويبتعدوا عن هذا الطريق وقد علم كل موفق أن نهايته سيئة وعاقبته وخيمة وأن حصاده في البداية والنهاية السراب !!!.
الثانية : تعيش البلاد هذه الأيام حالات (عرض البضائع) وتقديم المرشحين برامجهم للناخبين ، وتعددت الأحزاب وكثرت ، وإن كان هذا واقعاً مشاهداً ، وهي سنة كونية واقعة ، فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأن هذه الأمة سيقع فيها الاختلاف والافتراق ، فقد ورد في صحيح مسلم عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (سألت ربي ثلاثاً فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة ، سألت ربي أن لا يهلك أمتي بالسَّنة ، فأعطانيها ، وسألت ربي أن لا يهلك أمتي بالغرق ، فأعطانيها ، وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها) والسَّنة أي الجدب والقحط ، وأحاديث افتراق الأمة مشتهرة وواضحة ومعلومة.
وسؤالي هنا : ما موقف المسلم تجاه هذا الأمر ؟!
هل يقر هذا الاختلاف والتحزب؟
أم يؤيده ويرى أنه ظاهرة صحية؟!
أم يسكت؟!
وللإجابة الموفقة المسددة لهذا التساؤل المهم أقول هنا وفي كل شأن : (إن خير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم) ، فإن النبي عليه الصلاة والسلام مع أنه قد أخبر بوقوع التفرق والتحزب والاختلاف في هذه الأمة ، إلا أنه قد بين طريق النجاة وحذر أمته حتى تسلك سبيل الهداية وتبتعد عن طريق الغواية ، ودلّهم على طريق السلامة ، عليه الصلاة والسلام .
إن اعتصام الأمة بحبل الله ولزومها السنة واجتماعها عليهما، هو من أعظم أصول الإيمان ، ومما عظمت وصية الله تعالى به في كتابه الكريم (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا) (ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات) وهي وصية النبي عليه الصلاة والسلام في سنته ، في أحاديث كثيرة.
إذا أراد المسلمون التنمية والاستقرار والرخاء والأمن والسلام والحياة الطيبة والنجاة في الدنيا والآخرة فعليهم أولاً وقبل كل شيء آخر بالسعي الجاد ليكونوا جماعة واحدة مجتمعة على الحق مستمسكة بالكتاب والسنة ، وأن تنبذ كل النعرات والحزبيات والعنصريات وكل ما يلقي العداوة والبغضاء بينهم .
لقد كان شعار المهاجرين في الحروب (عبد الله ) وشعار الأنصار (عبد الرحمن) رواه أبو داود والإمام أحمد ، وذلك حتى لا يتحزب ويتعصب أحد لشيء غير الإسلام والإيمان والسنة وهي التي جمعت بينهم.
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال : غزونا مع النبي صلى الله عليه وسلم وقد ثاب معه ناس من المهاجرين حتى كثروا وكان من المهاجرين رجل لعاب فكسع أنصارياً ، فغضب الأنصاري غضباً شديداً ، حتى تداعوا وقال الأنصاري : يا للأنصار وقال المهاجري : يا للمهاجرين . فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فقال : (( ما بال دعوى أهل الجاهلية ؟ )) ثم قال : (( شأنهم ؟ )) فأخبر بكسعة المهاجري الأنصاري فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (( دعوها فإنها خبيثة )) . أخرجه البخاري ومسلم.
وهو من أبلغ الأحاديث في ذم العصبية إذ الاعتزاز يكون بالانتساب لدين الله تعالى ، وذم ومقت الانتساب لغير ذلك مما يكون الدعوة إليه جاهلية مرفوضة ، ومع أن ألفاظ (المهاجرين) و(الأنصار) وردت في الشرع ومع ذلك كان هذا التحذير العظيم من النبي الكريم عليه الصلاة والسلام.
فأهمس في أذن كل مسلم حريص على سلامة دينه ، ونجاته في آخرته أن ينأى بنفسه من الوقوع فيما لا يجوز له شرعاً ، ومن ذلك الولاء والبراء والموالاة والمعاداة ، وألا يعادي لأجل الحزب أو زعيمه ولا يوالي على ذلك.
قال شيخ الإسلام ابن تيمة رحمه الله كما في اقتضاء الصراط المستقيم : ( وليس لأحد أن ينصب للأمة شخصاً يدعو إلى طريقته يوالي ويعادي عليها غير النبي صلى الله عليه وسلم ولا ينصب لهم كلاماً يوالي عليه ويعادي غير كلام الله ورسوله وما اجتمعت عليه الأمة ، بل هذا فعل أهل البدع الذين ينصبون لهم شخصاً أو كلاماً يفرقون به بين الأمة ، يوالون به على ذلك الكلام أو تلك النسبة ويعادون (وإن واجب النصيحة يملي علينا أن نقول هذا الكلام في خضم هذه الأحداث ، إذ يبرأ أهل السنة إلى الله تعالى من هذا التحزب والتفرق على هذه الأسماء والشعارات ، ويبرأون من نتائجه وثماره التي تزيد الأمة وهناً وتفككاً وضعفاً ، وأملنا في الله تعالى كبير بأن يستجيب دعاءنا ويؤلف بين قلوب المسلمين ويجمع كلمتهم على الحق ، حتى يفوزوا برضاه ونصرته إنه هو القوي العزيز سبحانه ، فإن الفرقة نتيجتها معروفة وهي : الفشل ، قال الله تعالى : (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم).
الثالثة : تشتت ما عرف بـــ(تجمع جوبا) ، وأصبح أثراً بعد عين ، وكتبت على صفحات التاريخ تلك الخطوات التي جمعت قادة تلك الأحزاب وزعمائها بالنصارى والشيوعيين ، وباء بالفشل من سعوا لذلك الاجتماع الذي صدق عليه قول النبي عليه الصلاة والسلام في الصحيح : (إذا لم تستح فاصنع ما شئت) ، إذ لم يراع أولئك الزعماء لشعاراتهم ولا لأتباعهم ولا لتاريخهم ولا لمواقفهم ، فكان (الخذلان) هو نتيجة تلك الخطوات التي يحكم أقل الناس علماً بالدين بمخالفاتها الشرعية وضررها على وحدة البلاد لا سيما في هذه المرحلة.
فقد تخلت الحركة الشعبية عنهم ، كما تخلت عن بعضهم في مواقف شبيهة سابقة ، ولكن من يتعظ؟!!!
وإن كان جهل هؤلاء الزعماء بالأحكام الشرعية واضحاً ولذلك أصبح من المعتاد مخالفاتهم للشرع جهاراً نهاراً ومخالفاتهم لإجماع المسلمين ، إلا أنهم قد أثبتوا للعالم كله أنهم يجهلون كذلك بالسياسة التي ضحوا لأجلها بالكثير والكثير وأفنوا فيها أعمارهم.
وهمستي هنا لهم جميعاً ولكل من أيدهم في هذه المواقف (المخزية) بأن يستفيدوا من هذه الدروس والعبر ، والسعيد من وعظ بغيره ! فكيف بمن وعظ بنفسه ؟!! نسال الله العافية والسلامة.
الأخيرة : يقول الله تعالى : (إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده) أهمس في أذن كل من اجتهد للفوز وحرص على الأسباب الدنيوية بأن كلام الله وخبره حق وصدق ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، إن كنت مع الله كان الله معك ، وإن نصرت الله وكتابه ودينه وسنة رسوله نصرك الله ، وإن علقت آمالك كلها على هؤلاء المخلوقين الضعاف فإنهم مهما بلغوا ومهما بذلوا فإنهم لن ينفعوك مثقال ذرة إن أراد الله تعالى خذلانك ، أوالتخلى عنك ، فــ(لله الأمر من قبل ومن بعد ) (ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز) و (إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم) ونصرته سبحانه بنصرة دينه وكتابه وسنة رسوله ، والسعي لأن يعبد وحده سبحانه وتعالى ولا يشرك به شيئاً وأداء الأمانة العظيمة التي سيسألكم عنها الله رب العالمين ومالك يوم الدين.+
والموفق من وفقه الله تعالى ،،،،