موضوع: كان مروان مع عائشة في حرب الجمل السبت 29 مايو 2010 - 8:39
كان مروان مع عائشة في حرب الجمل كان من أوائل الذين بايعوا علياً عليه السلام بعد عثمان ، ومن أول الناكثين المتحمسين لحربه ، زاعمين الطلب بدم عثمان ، مع أنهم يعرفون براءته عليه السلام من دم عثمان !
واتفق الرواة على أن مروان قتل طلحة في حرب الجمل ، لأنه برأيه أول محرض على قتل عثمان ، ففي مجمع الزوائد:9/150: (عن قيس بن أبي حازم قال: رأيت مروان بن الحكم حين رمى طلحة يومئذ بسهم فوقع في عين ركبته فما زال يسيح إلى أن مات . رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح). (ورواه في الطبقات:5/38 ، والمستدرك:3/370 ، وغيرها ) .
وبعد قتله لطلحة خنس مروان في أيام معركة الجمل وكان متسكعاً خلف عائشة ، فهو سياسيٌّ وليس مقاتلاً ! وفي اليوم السابع كان في أول المنهزمين: (أُخِذ مروان بن الحكم أسيراً يوم الجمل فاستشفع الحسن والحسين عليه السلام إلى أمير المؤمنين عليه السلام فكلماه فيه فخلى سبيله ! فقالا له: يبايعك يا أمير المؤمنين؟ فقال عليه السلام : أوَلم يبايعني بعد قتل عثمان؟! لاحاجة لي في بيعته! إنها كف يهودية لو بايعني بكفه لغدر بسُبَّته(بمقعده)! أمَا إن له إمرةً كلعقة الكلب أنفه ، وهو أبو الأكبش الأربعة وستلقى الأمة منه ومن ولده يوماً أحمر). (نهج البلاغة:1/123).
وفي كتاب الأم للشافعي:4/229أن مرواناً قال لعلي بن الحسين عليه السلام ما رأيت أحداً أكرم غَلَبَةً من أبيك ! ما هو إلا أن وليَنا يوم الجمل فنادى مناديه: لا يُقتل مدبر ولا يُذفف على جريح) . (ومجموع النووي:19/202 ، وسنن البيهقي:8/181).
وقالوا إن مروان يومئذٍ شم رائحة الخَجَل: (لما انهزم الناس يوم الجمل اجتمع معه طائفة من قريش فيهم مروان بن الحكم فقال بعضهم لبعض: والله لقد ظلمْنَا هذا الرجل ونكثْنَا بيعته من غير حَدَث ! والله لقد ظهرَ علينا فما رأينا قطُّ أكرمَ سيرةً منه ولا أحسن عفواً بعد رسول الله . تعالوا حتى ندخل عليه ونعتذر إليه فيما صنعناه ! قال: فصرنا إلى بابه فاستأذناه فأذن لنا ، فلما مثلنا بين يديه جعل متكلمنا يتكلم فقال عليه السلام : أنصتوا أكْفِكُم ، إنما أنا بشر مثلكم فإن قلت حقاً فصدقوني وإن قلت باطلاً فرُدُّوا عليَّ ، أنشدكم الله أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله قبض وأنا أولى الناس به وبالناس من بعده؟ قلنا: اللهم نعم ، قال: فعدلتم عني وبايعتم أبا بكر فأمسكت ولم أحب أن أشق عصا المسلمين وأفرق بين جماعاتهم . ثم إن أبا بكر جعلها لعمر من بعده فكففتُ ولم أهج الناس وقد علمت أني كنت أولى الناس بالله وبرسوله صلى الله عليه وآله وبمقامه فصبرت حتى قتل وجعلني سادس ستة فكففتُ ولم أحب أن أفرق بين المسلمين . ثم بايعتم عثمان فطغيتم عليه وقتلتموه وأنا جالسٌ في بيتي وأتيتموني وبايعتموني كما بايعتم أبا بكر وعمر ووفيتم لهما ولم تفوا لي ! فما الذي منعكم من نكث بيعتهما ودعاكم إلى نكث بيعتي؟ فقلنا له: كن يا أمير المؤمنين كالعبد الصالح يوسف إذ قال: لاتَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ، فقال: لاتثريب عليكم اليوم ، وإن فيكم رجلاً لو بايعني بيده لنكث بإسته ! يعني مروان بن الحكم). ( الجمل للمفيد/222، وشرح الأخبار:1/393 ، وأمالي الطوسي/507) .
أقول: قوله عليه السلام (إنما أنا بشر مثلكم)لايتنافى مع إمامته وعصمته ، فهو كقول النبي صلى الله عليه وآله للكفار إنما أنا بشر مثلكم. كما يلاحظ أنه عليه السلام قال لهم: لاتَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ ولم يكمل الآية ولم يقل لهم: الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ ! لا غفر الله لهم .
وروى في الإحتجاج:1/416، طرفاً من مناظرة الإمام الحسن عليه السلام مع مروان والمغيرة والوليد بن عقبة في مجلس معاوية ، تدل على أن تكبر مروان وشرَّه لم يتغير رغم ذلته في حرب الجمل ، فعندما دخل الإمام الحسن عليه السلام بادروه بالفخر بأنفسهم والحط من بني هاشم: (وذكروا أشياء ساءت الحسن بن علي وبلغت منه فقال عليه السلام : أنا شعبة من خير الشعب ، وآبائي أكرم العرب ، لنا الفخر والنسب والسماحة عند الحسب ، ونحن من خير شجرة أنبتت فروعاً نامية وأثماراً زاكية وأبداناً قائمة ، فيها أصل الإسلام وعلم النبوة ، فعلونا حين شمخ بنا الفخر واستطلنا حين امتنع بنا العز ، ونحن بحور زاخرة لا تنزف وجبال شامخة لا تقهر ! فقال مروان بن الحكم: مدحت نفسك وشمخت بأنفك ، هيهات هيهات يا حسن نحن والله الملوك السادة والأعزة القادة ، لاتبجحن فليس لك عز مثل عزنا ولا فخر كفخرنا ، ثم أنشأ يقول:
شفينا أنفساً طابت وقوراً فنالت عزها فيمن يلين
فأبْنَا بالغنيمة حيث أبنا وأبْنَا بالملوك مقرَّنين
...فتكلم الحسن عليه السلام فقال: يا مروان أجُبْناً وخَوْراً وضعفاً وعجزاً ! زعَم أني مدحتُ نفسي وأنا ابن رسول الله ، وشمختُ بأنفي وأنا سيد شباب أهل الجنة ، وإنما يبذخ ويتكبر ويلك من يريد رفع نفسه ، ويتبجح من يريد الإستطالة ، فأما نحن فأهل بيت الرحمة ومعدن الكرامة وموضع الخيرة ، وكنز الإيمان ورمح الإسلام وسيف الدين . ألا تصمت ثكلتك أمك قبل أن أرميك بالهوائل وأسِمَك بميسم تستغني به عن اسمك ، فأما إيابك بالنهاب والملوك ! أفي اليوم الذي وليت فيه مهزوماً ، وانجحرت مذعوراً فكانت غنيمتك هزيمتك ، وغدرك بطلحة حين غدرت به فقتلته ! قبحاً لك ما أغلظ جلدة وجهك ! فنكس مروان رأسه وبقي مغيرة مبهوتاً ) .
ثم أجاب الإمام عليه السلام المغيرة بن شعبة شبيهاً بجوابه لمروان... فقال معاوية: إرجع يا مغيرة هؤلاء بنو عبد مناف لاتقاومهم الصناديد ولا تفاخرهم المذاويد ! ثم أقسم على الحسن بالسكوت فسكت). انتهى.
أقول: وهكذا جعل معاوية بدهائه الفخر لبني عبد مناف ، الجد المشترك لبني أمية وهاشم ، ليقول لهم بذلك إن الحسن عليه السلام منا نحن بني عبد مناف !
كما ينبغي الإلفات الى حقيقة عظيمة ذكرها الإمام الحسن عليه السلام وهي الغنى الخاص الذي يعطيه اختيار الله تعالى للنبي صلى الله عليه وآله وعترته الطاهرين عليهم السلام ، فهو حالتهم النفسية وحديثهم عن أنفسهم يختلف عن الآخرين ! قال عليه السلام : (زعَم أني مدحتُ نفسي وأنا ابن رسول الله ، وشمختُ بأنفي وأنا سيد شباب أهل الجنة ، وإنما يبذخ ويتكبر ويلك من يريد رفع نفسه ويتبجح من يريد الإستطالة..الخ.).
وقد أوضحت هذه الحقيقة رواية الصدوق في الخصال/215: (عن محمد بن أبي عمير قال: ما سمعت ولا استفدت من هشام بن الحكم في طول صحبتي له شيئا أحسن من هذا الكلام في عصمة الإمام ، فإني سألته يوماً عن الإمام أهو معصوم ؟ فقال: نعم ، فقلت: فما صفة العصمة فيه ؟ وبأي شئ يعرف ؟ فقال: إن جميع الذنوب أربعة أوجه لا خامس لها: الحرص والحسد والغضب والشهوة فهذه منفية عنه ! لا يجوز أن يكون حريصاً على هذه الدنيا وهي تحت خاتمه لأنه خازن المسلمين فعلى ماذا يحرص ، ولا يجوز أن يكون حسوداً لأن الإنسان إنما يحسد من فوقه وليس فوقه أحد فكيف يحسد من هو دونه؟!
ولا يجوز أن يغضب لشئ من أمور الدنيا إلا أن يكون غضبه لله عز وجل ، فإن الله عز وجل قد فرض عليه إقامة الحدود وأن لا تأخذه في الله لومة لائم ولا رأفة في دينه حتى يقيم حدود الله عز وجل . ولا يجوز له أن يتبع الشهوات ويؤثر الدنيا على الآخرة لأن الله عز وجل حبب إليه الآخرة كما حبب إلينا الدنيا فهو ينظر إلى الآخرة كما ننظر إلى الدنيا ، فهل رأيت أحداً ترك وجهاً حسناً لوجه قبيح ، وطعاماً طيباً لطعام مر ، وثوبا لينا لثوب خشن ، ونعمة دائمة باقية لدنيا زائلة فانية) ؟! (وأمالي الصدوق/731 ، ومعاني الأخبار/133).