مَنْ يسامح مَنْ يا سلفا كير؟
راشد عبد الرحيم
في الثامن عشر من أغسطس العام 1955م، نزع الجندي الجنوبي من السيدة أم الحسن عبد السلام القراي ابنها الذي لم يبلغ شهره العاشر ورفعه إلى أعلى وخَبط به الأرض، ثم عاد ورفعه إلى أعلى وضربه بالأرض حتى فارق الحياة
في ذاك اليوم فتح الجنود الجنوبيون النيران من أسلحتهم النارية على سجن النساء بتوريت وقتلوا خالتي أم الحسين محمدين أحمد سليمان وقتلوا معها حماتها نفيسة سرور وقتلوا من أهل الفتاة ذات السبعة عشر عاماً فائزة محجوب وتوجهوا من ثم إلى سجن الرجال وقتلوا فيمن قتلوا خطيب فائزة عز الدين.
لم أشعر يوماً أنني في حاجة لأطلب من أهل الجنوب إعتذاراً على الذي وقع لأهلي ولم أجد في نفسي كرهاً لأبناء الجنوب وَظلوا إلى اليوم إخوة لي وسيظلون. بيد أن السيد سلفا كير ميارديت لا يريد للجنوب أن ينفصل بسلام وأن ينسى اهل السودان مرارات الحرب بعد أن تحقق لهم المراد و((الإستقلال)) ببلادهم فقد طفق يدعو دعوات مريبة لاهل الجنوب ليسامحوا أهل الشمال.
الشاعر السوداني الكبير الهادي آدم الذي وثق لنا في رائعته توريت أحداث ما يسمى بتمرد توريت الذي كان الشرارة الأولى لتمرد الجنوب. والحقيقة أن تمرد تويت هذا لم يكن تمرداً ، فلقد كان أول عملية تطهير عرقي في تاريخ السودان .. راح ضحيته المئات من الأطفال والنساء والشيوخ من الشماليين الذين لم يكن لهم أي ذنب سوى أنهم شماليون.
توريــت
الهادي آدم 1955
توريت يا وكر الدسائس والخديعة والـدم
قد طال صمتك في الدجى هل آن أن تتكلمي
الغاب مطرقة الغصون على دجاك المـعتم
والصمت والليل الرهيب وخادعات الأنجم
لا شئ غير الريح تنفخ في رماد المأتم
ومغارة فيها المنايا السود فاغـرة الفم
ونعيق ضفدعة تنوح بـليلك المتجهم
يا قطة أكلت بنيها وهي ظمـأى للدم
أمعنت قتلا في النسـاء وغيلة للمحرم
لم ترحمي حتى صغارهم ،،، ولم تترحمي
والشيخ والحبلى،،، فأي جريمة لم تجرمي
حتى غدوت مع الدجى وكر الطيور الحوم
ومناظر الأشلاء تنهضها الغيوم فـــترتمي
*******
من سد أبواب الجنـوب بكل قفل محكم؟
من قسم السـودان بين بنيه شر مقسم؟
أهم الشماليون؟،،، هل كانوا هناك ؟،،،، تكلمي
ردي فإن العار كل العار أن تتجهمي
توريت ذاك هو العدو فهمت أم لم تفهمي
توريت إن غدا لناظره قريـب المقدم
فستـعرفين وتــندمين ولات ساعة مندم.
توريت .. القطة التي أكلت بنيها
وقبل أكثر من خمسين عاماً .. انهمرت الدماء مهراقة في توريت .. في يوم عبوس .. قمطريراً .. دماء شماليون تجار .. معلمون .. أطفال .. نساء .. زهقت أرواحهم .. دون.. جريرة .. ارتكبوها .. مذبحة توريت 1955م جريمة إنسانية .. راح ضحيتها .. مواطنون شماليون عزل .. ومع بعض من جنود الجيش السوداني .. المجزرة وقعت في أغسطس 1955م قبل إعلان الاستقلال .. وقعت والاستعمار الانجليزي البغيض .. في سدة الحكم .. لم تصوب وقتها بندقية .. على جندي أو مسؤول بريطاني .. لم تحصد أرواح البريطانيين الغزاة .. بل حصدت الشماليين.. المستعمرين الغزاة كما أسماهم المتمردون .. ولم يسموا البريطانيين .. استعماريين غزاة .. ولم يسألوا البريطانيين .. لماذا الجنوب متخلف .. وانتم الحاكمون؟!
بمكيالين .. وسيف وحراب .. على ظل الفيل .. لا على الفيل البريطاني الظالم .. فكانت مجزرة توريت .. دماً شمالياً .. تدفق ستون عاماً مؤامرة .. على الشمال وجرم حل بغير جارمة العذاب .. ومؤامرة القطة التي أكلت بنيها .. مؤامرة حاك خيوطها الانجليز فكانت توريت وكل الدسائس والخديعة والدم .. وقوف جراحاتها .. وذكرياتها الأليمة .. تجاوز الشماليون .. تلك الجراحات .. وتناسوا ذكراها .. فمن عفا وأصلح .. أجره عند الله .. تناسوا الماضي .. بكل جراحاته وآلامه وتناسوا .. ان البادي أظلم .. لكن وللأسف أن جنوبيين .. توريت مازالت في دواخلهم .. معركة تحرير .. حسب تفكيرهم وظنهم الخاطئ تحرير من استعمار شمالي فتوريت في أعماقهم .. معركة انتصار .. لا مجزرة .. لضحايا شماليين .. عزل ساقهم قدرهم إلى هذه المحرقة وبعد أن وضعت الحرب أوزارها وتناسي الشماليون جراحات توريت المذبحة .. جدد من في قلوبهم حقد دفين .. ذكري المذبحة .. فاحتفلوا بيوم المذبحة .. في ذات تاريخ ذلك اليوم الخامس .. من أغسطس .. احتفال المنتصر يا للتعاسة احتفلوا .. بيوم الدم البريء دم الأبرياء من الشماليين .. الذين راحوا برصاص الغدر والحقد والتحريش .. وراح دمهم مهدوراً من غير جريرة!!
احتفلوا في اغسطس الماضي بيوم مذبحة توريت وتناسوا اتفاقية السلام التي طوت مرارات الحرب اللعينة .. احتفلوا وللأسف احتفل معهم الرجل الثاني في الدولة الفريق سلفاكير والرجل الأول في الجنوب .. احتفاء الرجل المسؤول عن السلام في أرض المليون ميل مربع من حلفا الى نمولي .. ومن كسلا حتي الجنينة بيوم مذبحة توريت .. المذبحة السوداء التي أريقت فيها دماء مواطنين سودانين ذويهم وأسرهم .. مسؤول عنها اليوم سلفاكير .. الذي رشحته حركته رئيساً لكل السودان .. ولا أدري كيف يطلب سلفا .. صوتاً انتخابياً من ذوي وأهل من راحوا ضحايا في توريت التي يحتفل بذكراها؟
وكيف به وهو المسؤول عن تحقيق السلام.. ودفن مرارات الماضي البغيض؟!
أنها متاهة يصعب الخروج منها!!.. وكيف بحركته .. التي وقعت على سلام يطوي كل صفحات الماضي .. من مذبحة توريت الى آخر محطة من محطات الحرب التي قضت على الأخضر واليابس أن تجدد ذكرى .. يوم أسود لعين الخاسر فيه أبرياء .. حصدتهم بنادق منفلتة .. وكيف تجدد ذكري مذبحة لأطفال ونساء .. ماتوا غدراً .. وأمين الحركة باقان أموم .. اعتذر للشماليين عن هذه المذبحة .. وأخواتها .. وتعود الحركة الشعبية لتحتفي بهذه المذبحة!!
لا شيء نقول .. غير أنهم في الحركة الشعبية .. يقولون ما لا يفعلون .. وينقضون العهد والميثاق .. وأنهم ما يخادعون ألا أنفسهم ..
وليحتفلوا كما يشاءون .. فان شهداء مذبحة توريت .. ذكراهم باقية أبد الدهر .. ودعهم في طغيانهم يعمهون .. ويبقي .. برغم السقطات والانتهاكات الصريحة الحلم والصفح والعافين عن الناس ولا تستوي الحسنة بالسيئة ادفع بالتي هي أحسن..