٭ «طار» فرحاً بشهادته الجامعية عقب التخرج..
٭ ثم «طار» بالشهادة نحو «قِبلَ» الله الأربع بحثاً عن وظيفة..
٭ ثم صار يُلقّب بعد مضيّ عامين بـ «الفتى الطائر»..
...٭ فقد أضحى «طائراً» أضناه البحث عن عمل ليس له من «مؤهلاته!!» شيء.
٭ وأدرك أن الشهادة وحدها لا تكفي..
٭ فالمؤهلات المطلوبة ليست شيئاً يُدرّس في الجامعات..
٭ وليست شيئاً يندرج تحت باب المعلومات العامة..
٭ وليست شيئاً يُكتسب من تجارب الحياة..
٭ انها شيء «كُتُر»..
٭ فقرر ان «يبل» الشهادة و«يشرب مويتها»..
٭ واتخذ قراراً «تاريخياً» أذهل أهله ومعارفه وأبناء دفعته..
٭ فقد «طلعت في راسو» فجأة ان يصير شحاتاً..
٭ أن يصير متسولاً..
٭ فلو لم تكن مربحة مهنة «الشحاتة» لما امتلأت البلد بجيوش من الشحادين..
٭ و«كبَّ الدلاقين» في أول يوم قرر فيه ان يزاول مهنته ويمم وجهه شطر موقف عام من مواقف المواصلات..
٭ وفوجيء بأن أول نفحة تلقتها يده المفتوحة كانت من فتاة..
٭ وارتعشت اليد..
٭ ثم ارتعش القلب..
٭ وظل «متسمِّراً» في مكانه بجوار نافذة الحافلة لا تحيد نظراته عن الوجه الذي يطل عبرها نحوه.
٭ فقد كانت تنظر إليه بدورها نظرات حار في فهمها وهو الحائز على شهادة جامعية ذات تقدير..
٭ أهي نظرات عطف وإشفاق؟!
٭ أم هي نظرات «قرف» واشمئزاز؟!
٭ أم تُراها نظرات حب وإعجاب؟!
٭ وعند طرح هذا التساؤل الأخير بينه وبين نفسه شعر بجسده كله «يرتعش» وليس فقط الكف والقلب..
٭ وفي اللحظة ذاتها «ارتعش» هيكل الحافلة وانطلقت تحمل معها النظرات..
٭ و«طار» الشحاد نحو منزله بالحارة الطرفية..
٭ فقد اكتفى بشحدة واحدة «أغنته!!» ليومه هذا ولكنها لم «تُغنه» عن إعادة الكرَّة..
٭ وأضحى الخريج شحاتاً متخصصاً..
٭ فقد تخصص في موقف بعينه، في حافلات بعينها، في راكب بعينه..
٭ والسبب في التخصص هذا نظرات بعينها..
٭ أو بالأحرى؛ نظرات من «عينيها»..
٭ وبعد انقضاء اسبوع من تاريخ مزاولته المهنة رأى الشحات ان يطور من أسلوب شحدته..
٭ فهو لم يعد يكتفِ بما تنفحه إياه من حقيبتها..
٭ أو ما تنفحه من عينيها..
٭ شحدها هذه المرة شيئاً ثالثاً..
٭ شحدها رقم هاتفها الخاص..
٭ وفوجيء ببطاقة توضع في كفه إلى جانب الفلوس..
٭ و«طار» بالبطاقة نحو داره..
٭ وبحلول المساء كانت المكالمة الأولى له معها..
٭ ثم هي الأخيرة أيضاً..
٭ فقد شحدها ـ عبر الأثير ـ أن تبحث له عن «واسطة» من أجل مهنة كريمة، فوعدت..
٭ فشحدها أن تُوصي الواسطة بأن «تتوصّى شوية» بحثاً عن وظيفة «بترولية!!»، فوعدت..
٭ فشحدها أن «تلفت نظر» الواسطة إلى ضرورة أن تكون الوظيفة «عاصمية» في «برج!!» من «الأبراج!!»، فوعدت..
٭ عند ذاك شحدها أن تتزوجه «بالمرة!!» ما دامت «تحبه»..
٭ وما دام هو موعود بكل «الخير!!» ذاك..
٭ وعند هذه النقطة من السرد نورد ما كان قد حُجب لـ «ضرورات ما!!» في زمن قريب مضى..
٭ فما أن نطق «شحادنا» بكلمة «الخير» الذي هو موعود به حتى صفع أذنيه صوت يصيح مناديا اياه: «يا الخير»..
٭ صوت بدا له مألوفاً قبل أن يسقط الهاتف من يده..
٭ بدا مألوفاً جداً..
٭ ثم سقط هو نفسه إلى جانب الهاتف مغشياً عليه..
٭ ولـمّا أفاق شعر بأن عقله يرتعش كما هيكل الحافلة قبل الانطلاق..
٭ أو؛ كما جناحيّ طائر قبل «الطيران»..
٭ وفي لحظات الارتعاش القليلة تلك أبصر «حشداً!!» في موقف المواصلات «يتصدره!!» هو ونفر من «الرفاق!!»..
٭ وسمع «هتافات!!» كان لحنجرته النصيب «الأعلى» منها..
٭ واستشعر «دفعاً!!!!» كاد معه ان «يطير!!»..
٭ و«طار» منه ما لا يمكن ان يُنفح تسولاً ولو كان النافح هو صاحب الصورة تلك «نفسه!!»..
٭ الصورة التي أبصرها معلقة بجوار باب الغرفة «الموحشة!!» وهو ممدد على «البلاط البارد!!»..
٭ لقد كان الذي «طار!!» هذه المرة هو العقل.