تأليف: رضا الهجرسي
مسرحية من فصل واحد
الهروب العبيط
_____________
يفتح الستار وفى صدر المسرح محل ملابس أمام المحل منضدة موضوع عليها أقمشة بألوان مختلفة وبجانبها دكة خشبية يجلس عليها رجلان..(زيد ومسعود) الجميع يرتدون ملابس عصر هارون الرشيد ..وأصوات الناس بالسوق ..
ويقف رجل(جعفر) والثلاثة فى الثلاثين عاما من أعمارهم ..
الرجل والرجلان يتكلمان ويضحكان (جعفر) يرتب الأقمشة على المنضده ينتهى من ترتيب الأقمشة ثم يجلس بجانب الرجلين ...
جعفر : ياله من يوم ، بغداد كلها فى السوق ، فالبيع والشراء لا ينقطع
زيد : إحمد الله ياأخى جعفر.. فبضاعتك كلها رائجة..رابحة ..
مسعود : رزق الهبل.. فكل نسوان بغداد .. تشترى من دكانك ..
جعفر : يالكما من حاسدين..ماكرين.. خبيثين..فرواج بضاعتى مكسبا لكما أيضا . فأنتم جالبوه من شتى بقاع الأرض.. تشتروه رخيصا..وأبيعة غاليا..
أربح وتربحون ..
زيد : و النساء يشترون..
مسعود : والأزواج المساكين يدفعون..
جعفر : النساء يلبسون والأزواج يدفعون... ونحن الرابحون...
( الثلاثة معاً فى ضحكات عالية ).
( تدخل إمرأة رشيقة القوام تلبس ملابس نساء عصر هارون الرشيد وتضع يشمك على وجهها . يتوقف الرجال عن الضحك عندما يرونها ويقفز جعفر واقفاً ويسرع لأستقبالها يرافقها حتى يقفوا من ناحية دكة الأقمشة من الناحية الأخرى ويتغامز الصديقان عليهما ترفع المرأة اليشمك فنرى وجهها الجميل وهى شابة تخطت العشرين من عمرها )
(و فى قلق)
جعفر : ما الذى أتى بك يازوجتى الحبيبة.. هل الأولاد بخير..
الزوجة : إطمئن الأولاد بخير..
جعفر : إذن هو أبى ..هل هو مريض ..
الزوجة : أبيك بخير..أطمئن ..
جعفر : فما سبب مجيئك.. وما سبب الفزع البادى على وجهك ..
( تمسكه من يديه فى حب وتتحسسه )
الزوجة : هل أنت بخير هل تشعر بشئ من الإرهاق أو التعب أو المرض
جعفر : لا أشعر إلا بكمال الصحة والعافية..
(تضع يدها على صدرها تستند على دكة الملابس )
الزوجة : حمداً لله.. حمداً لله..
جعفر : أهدأى وأحكى لى ما القصة.. ولما كل هذا الذعر البادى علي
وجهك..ستقتليننى ياامرأة قلقا.. تكلمى ..
الزوجة : لقد سمعت أن ملك الموت قد نزل السوق يحمل دفتره فإنخلع قلبى
وأتيت مسرعة لأطمئن عليك..
( يبتسم جعفر وفى حنان يضحك )
جعفر : يالا النساء حقاً ناقصات عقل ودين إهدأى يا إمرأة . لقد عاشرتنى
وتعرفين أنى رجلاً مؤمناً بالله وقدره ولا أهاب الموت . أو أخشاه فلينزل ملك الموت الى سوق بغداد أو لا ينزل فقلب زوجك جعفر (فى طريقة خطابية )راسخاً فى إيمانه.. مؤمن بقدره.. شجاعاً فى مواجهة الموت و ملك الموت.. فإهدأى وأطمئنى فملك الموت يأتى ليأخذ من حان أجله ويذهب.. وأنا والحمد لله.. فى كامل عافيتى ولم يحن أجلى بعد..
( يمسكها من يدها فى ود )
جعفر : هيا هيا ..إهدأى وأطمئنى..
( يوجه كلامه وهو يتجه هو وزوجته الى صديقيه )
جعفر : سأغيب عنكم برهة.. وأعود ..
(عندما يخرج جعفرو زوجته من المسرح يتنهد مسعود ويضع يده
على قلبه فى مرح)
زيد : آها من الحب قاتل الرجال.. فجعفر رجل لا يهاب شئ إلا زوجتة
مسعود : صدقت فله قلب أسد يهابه الصناديد من الرجال ولا يهابهم يواجه
الوحوش بقلب وحش..و النمور بقلب نمر
زيد : ولكنه يواجه زوجته بقلب أرنب أو قل قطة.. أنه الحب ياعزيزى الحب
وأنت أعرف الناس بالحب ..وما يفعلة بصناديد الرجا ل..
( يسمع صوت هرج ومرج بالخارج وصراخ )
الأصوات : إهرب ، إختبئ ، إنه قادم من هذه الجهة لا لا إنه قادم من الجهة الشرقية
( يدخل رجل تعدى الستين من عمره وهو يمشى ببطء يبتسم فى سخرية عندما يراه الرجلان يقفان فى إحترام ويجرون ناحيته ويقبلون يده فى إحترام.
يتحدث فى سخرية )
أبو جعفر : يالا الناس يدعون الإيمان بالله ويفزعون ويهربون عندما يرون ملك
الموت يهربون من لقاءه.. المساكين ..الغافلين ..
( يفزع زيد ومسعود ويجرون )
( يصرخ فيهم أبو جعفر صرخة عالية )
أبو جعفر : إثبت يا ولد..
( يثبت الإثنان وجسدهما ينتفض ويرتعد وتصطك ركبهم فى بعضها وفى لهجة مرتعشة وفى تساؤل )
زيد : أهو قادم الي هنا..
( يقبل مسعود يد الشيخ فى رجاء)
مسعود : أقبل يدك.. يا شيخنا.. قل لنا الحقيقة ..أهو في الطريق إلي هنا..
أبو جعفر : أثبت ياولد.. وثبت قلبك وأيمانك..
( يدخل جعفر مسرعاً وهو فى حالة فزع وهلع وأنفاس لاهثة يجلس على الدكة
الخشبية وهو يضع يده على صدره ويأخد أنفاسه بصعوبة يلتف حوله صديقيه ويتجه الشيخ ناحيته فى خطوات وقورة ويقف أمامه وينظر جعفر الى أبيه ويقف وهو يلهث )
جعفر : أنقذنى يا أبي.. أنقذ ولدك الوحيد..
(يمسكه من كتفه فى قوة )
أبو جعفر : إهدأ يابنى إهدأ وقل لى ما القصة..
جعفر : أين أختبئ.. أين أختبئ منه..
( يحاول أن يختبئ خلف زيد و مسعود)
زيد : من هو ؟..
مسعود : منمن .. منمن تختبئ
جعفر : ملك الموت.. ملك الموت..
( تصطك أرجل زيد ومسعود فى بعضهما فى رعب وفى فزع )
( صارخاً فى قوة )
أبو جعفر : إثبت ياولد أنت وهو وأنت إهدأ وقص علينا قصتك
جعفر : أقبل يدك ياأبى ..لابد ان أغادر بغداد علي الفور ..
أبو جعفر : تغادر بغداد؟؟ وما السبب؟؟.. وإلى أين؟؟
جعفر : إنه يطلبنى يطلبنى ، فمنذ خروجى من بيتى وهو يطاردنى
يتفحصنى فى تعجب ويفتح كتابه ويسألنى ما أسمك فأجيبه.. جعفر فيسألنى ما أسم أمك فأجيبه.. سكينة فينظر فى كتابه ويتعجب ويظل يردد هذا عجيب فأتركه وأجرى هارباً من أمامه مذعوراً يكاد قلبى يتوقف.. فجأة أجده أمامى يكرر سؤاله ما إسمك وما إسم أمك فأجيبه فيعود للتعجب و الإستغراب ويعود للنظر فى كتابه..
( فتدخل زوجته بدون يشمك وعلامات الفزع بادية على حركاتها وتتجه لجعفر فى هلع )
الزوجة : ماذا حدث يا زوجي الحبيب.. كل سوق بغداد تتكلم عن مطاردة ملك الموت لك.. ولقد رأيته قادماً الى هنا ..
( يرتعد كل من زيد ومسعود صارخين فى صوت واحد ومعاً )
زيد ومسعود : الفرار... الفرار..الفرار..
(يغادرون المسرح مسرعين ويفزع جعفر ويرتعد )
( وعلامات القلق على وجه أبو جعفر)
أبو جعفر : أثبت يابنى وثبت إيمانك دعنى أقابله وأعرف منه القصة
جعفر : تقابل ملك الموت تذهب إليه بقدميك لا يا أبى أخاف عليك منه
أبو جعفر : لا تخف يارعديد أنه مجرد أداة لتنفيذ إرادة الله . إنتظرنى هنا
و لا تتحرك حتى أعود إليك ..
( يغادر المسرح فى تؤده وبطئ مع بعض الرهبة والخوف فى مشيته )
الزوجة : يجب أن تهرب من فورك..
جعفر : إهرب..
الزوجة : نعم..يجب أن تغادر بغداد وتهرب
( تخلع الحلي من يدها ورقبتها وتعطيه لجعفر)
جعفر : أهرب..أهرب إلى أين ..
( وهى تشده إلى الناحية الأخرى من المسرح )
الزوجة : الى البصرة هناك قافلة تتحرك الى البصرة هيا هيا إلحق بها و
إختبئ بالبصرة حتى يغادر ملك الموت بغداد هيا أسرع.. أسرع
( يتحرك جعفر بظهره الى الناحية الأخرى من المسرح وهو يشير الى زوجته بالوداع وهى ترفع يدها مودعة إياه الى أن يغادر المسرح )
( يدخل أبو جعفر من الناحية الأخرى وقد بدت عليه علامات الحزن الشديد ويتحرك بأعياء شديد )
( يقف ابو جعفر فى مواجهة زوجه جعفر فى منتصف المسرح )
أبو جعفر : أين جعفر؟
الزوجة : هرب..
أبو جعفر : هرب؟؟ الى أين؟؟
الزوجة : إلى البصرة فقد لحق بالقافلة المتوجهة إلى البصرة..
( صارخا )
أبو جعفر : يا الله.. يا اللة ..عفوك ..وغفرانك..
الزوجة : لقد أعطيته كل ذهبى لينجو بنفسه...
أبو جعفر : أيتها التعيسة لقد أرسلته لقدره وساعته ..
لقد سألت ملك الموت ..
عن سبب تعجبه كلما رأى جعفر فأجاب الملك الكريم ..
أنه مكتوبا فى الكتاب لديه أنة سيقبض روحه بعد يومين بالبصرة
وعندما رآه ببغداد.. تعجب..وسأله ليتأكد أنه المكتوب لديه ..
( تنكس رأسها وتسقط الزوجة على ركبتيها ويردد أبو جعفر صارخا )
أبو جعفر : اللهم لا مهرب منك إلا أليك
اللهم لا مهرب منك إلا أليك ..
( تسدل الستار )