حسن وراق حسن
| موضوع: ودالفتير .. متعة الحكي والسرد لشوقي بدري ( لاتفوت هذا البوست المنقول) السبت 25 يونيو 2011 - 4:43 | |
| الاكثر مشاهدةً /ش
ود الفتير (2) شوقي بدري shawgibadri@hotmail.com
كما ذكرت في موضوع ود الفتير الاول , فأن الاخ مهدي فرح ( ود الشيخ ) قد دبسني بموضوع ود الفتير عندما كتب موضوعاً في سودانيز اوفلاين شبه الانقاذ بود الفتير . و قال للقراء : (عمكم شوقي سيشرح ليكم من هو ود الفتير ) . و كما ذكرت ان ود الفتير كان ضخماً و قوياً بصورة مبالغ فيها . و كان يبيع البنقو بالمفتوح و كان يضع البنقو في جيب العراقي الايسر و يضع فرار في جيب العراقي الايمن و يلبس سكين ضراع . و هو كذلك جزار كيري , و جزار الكيري هو من يذبح خارج السلخانة و يبيع بدون الختم الذي يختم به اللحم . و كان متخصصاً في ذبح الهوامل . و الهوامل هي الاغنام التي تجوب الطرقات . و كان يبيع اللحم من منزله . و كان لوالدته سعدية حوش كبير تربي فيه الاغنام و تبيع اللبن . مفتش امدرمان برمبل بنى زريبة لجمع الهوامل من اغنام و خراف و بعض الحمير , التي كانت تقضي على الشتول و الازهار التي كان يزرعها برمبل في امدرمان . و الزريبة عرفت بالحملة . فبوليس البلدية كان يقوم بحملة و يجمع الهوامل . و الحملة كانت في شارع الموردة في مكان مدرسة الاحفاد الحالية . و كان صاحب الغنماية أو الحمار يدفع عن كل يوم . و هنا أتى المثل ( تاني تجي الحملة ) . و الهوامل كانت تباع في دلالة بعد فترة . ود الفتير شاهد مجموعة من العتان في الحملة , هذا بعد ان انتقلت الى منطقة العرضة فوق . و وضع اثنين من العتان تحت أبطه الايسر و كان يريد ان يحمل اثنين تحت أبطه الايمن . فأندفع الغفير لأيقافه . فأخذ عتوت و صفع به الغفير الكحيان . فانطرح ارضاً . فأراد العساكر ان ينقضوا على ود الفتير الا ان المفتش برمبل أوقفهم . فبرمبل كان يعرف ان ود الفتير شوية فاكه معاه . احدى النسوة اتت لشراء اللحم من منزل ود الفتير الذي كان قريباً من فريق برمبل , و غرب البريد الحالي . فشاهدت جلد غنمايتها معلقاً في الراكوبة . فقالت مستاءةً : (دي غنمايتي الامريكانية . في زول بضبح غنماية امريكانية؟ ) . فقال ود الفتير: ( امريكانية و لا بت ريف ضبحناها خلاص ) . و أظن ان هذا صار مثلاً امدرمانياً . الاغنام الامريكانية كانت حمراء اللون . و كانت تحلب صباحاً و مساءاً , و اذا وجدت الأكل الجيد تحلب رطلين في الصباح و رطلين في المساء . و هذا ضعف او ثلاثة مرات انتاج الأغنام العادية . و لقد أتت الارسالية الامريكية بهذه الأغنام من سوريا . و كانت توزعها على الناس بالمجان . و لتحسين نسل الأغنام السودانية . الاخ حسين ابو سنينة في فريق السردارية , شاهد حماراً قوياً و عليه سرج جميل و فروة مرعد , و هذه أجمل فروة ممكن ان تزين الحمار . و الحمار كان يسير لوحده , فاخذ هو و صديقه الحمار الى مركز البوليس ( الاوسط ) . و عندما أتى صاحب الحمار طولب بعشرة في المائة من قيمة الحمار و السرج الذي قدر بثلاثة جنيهات . و استملوا احدى عشر جنيهاً و تلك كانت ثروة . لأن سينما العرضة وقتها كانت بقرشين . و هذا يعني دخول السينماء 550 مرة . فأصاب ابناء الحي حمى الحمير . شاهد الاخ رشاد الذي صار حداداً في ورشة ادريس الهادي فيما بعد , حماراً مربوطاً في العمود امام منزل الفكي عبد الله . و الحي لم يعرف الحمير كثيراً , و المنزل يواجه منزل احمد عبد الماجد وزير المالية . فسأل رشاد الاخ العزير عبد العزير عبد الله المشهور بالدب . و هو العملاق عبد العزيز حارس الفريق القومي عندما فاز السودان بكأس الامم الافريقة . و صار الدب خليفةً لحارس المرمى سبت دودو الاسطوري . فذهب الدب داخل المنزل و رجع قائلاً أنه شاهد والده لوحده , و ليس معه أي زائر . و أن من الممكن الزائر كان في الحمام . فذهب رشاد و صديقة بالغنيمة الى مركز البوليس . و بينما الامباشا يسجل البلاغ أتى صاحب الحمار هائجاً و وجه صفعة للولد قليل الادب . و لكن يبدو ان رشاد كان سريعاً و وقعت الصفعة على الامباشا و خرج رشاد و صديقه جرياً . تاركين صاحب الحمار في ورطة . شقيقي العميد , بابكر ابراهيم بدري الذي يصغرني , يعرف امدرمان خيراً مني , و لكنه ليس من يحب الكتابة . و هو و صديقه المليح اكملوا لي بعض معلوماتي عن ود الفتير . و المليح صديق العميد و اهله لا يزالوا يسكنون في شارع العناقريب . و جده و والده من صانعي العناقريب . و المليح يقول أنهم في طفولتهم كان أول ما يقومون به في يوم العيد , هو ان يركضوا الى بيت ود الفتير الذي كان يحب الأطفال , و كان كريماً في العيدية . إلا ان له فلسفة غريبة . فكان يعطي الصغار ريالاً و يعطي الكبار شلناً او خمسة قروش . و ربما فلسفته أن الكبار قد اخذوا مرات اكثر . أو ان الكبار يأخذون العيديه من عدد اكبر من الأهل و الاقارب . و قديماً في امدرمان كنا نتلقى العيدية من الأهل و الزوار . و بعض الصبية كانوا يعيدون على الناس في الطريق و يطالبون بعيدية بدون سابق معرفة . كحق لكل الاطفال . لقد ذكرت في الموضوع السابق بأننا كنا نسمع أن ود الفتير قد حرق العسكري . و عرفت من المساجين السياسيين و احدهم د.محمد محجوب عثمان , أنهم شاهدوا شبط بوليس سجون في مكتب مدير السجون , و الشبط قد تعرض للحرق . و كان هذا تذكيراً للعساكر لكي لا يقسوا على المساجين . و القصة ان السجان قد ادخل في فرن السجن . كما عرفت اخيراً من العميد و المليح فأن ود الفتير قد ذهب على غير عادته للشرب في انادي حمد النيل . و يبدوا انه قد تعرض للاستفزاز و الاستخفاف بواسطة مجموعة من الرواد . فقام ود الفتير بأنتظار رئيس المجموعة . و عندما اتى خارجاً قام بذبحه . و ربطه على حماره و أطلق الحمار . ثم ذهب ليسلم نفسه للبوليس . و قديماً كان الناس يقولون : ( تقتلوا و تمسك كراعو ) و كان هذا يحدث . هذا اعتراف بالقتل و الاستعداد لتحمل العقوبة . و لقد حكم على ود الفتير بالسجن عشرين سنة . و الجريمة هي القتل العمد مع سبق الاصرار و الترصد . و العقوبة هي الأعدام . و لكن الانجليز كانوا يتفادون الأعدام كلما كان هذا ممكناً . و لقد اتبعهم في هذا القضاة السودانيون . و لكن يبدو أن حالة ود الفتير خففت عنه الحكم . لأنه كان لا يخلو من بعض الجنون . و لقد كان يقوم بأيصال مشتري البنقو الى منزله اذا احس ان الطريق مراقب أو ان الانسان خائف . و كان البوليس يتفادى الاصطدام به . الدكتور مختار الشيخ الذي عمل في سجن كوبر لفترة , كان يحكي لنا انه عندما كان يتخصص في تشلوفاكيا , عن احد المحكوم عليهم بالسجن و الذي كان شرساً و كان يهدد الدكتور قائلاً : ( انا لو كنت لاقيتك برة , كنت اضبحك من الاضان الى الاضان ) . هذا القاتل , انا قد تحدثت عنه من قبل . و عرف بطافي لمبة . فلقد تعرض للأستفزاز في الانداية بواسطة مجموعة من الزبائن , و كانو يسخرون منه امام صاحبة الانداية و يقولون طافي لمبة . فخرج احدهم ليتبول و تأخر . و خرج الثاني و لم يرجع . فأحس البقية بأن هنالك شئ ما , فبدؤوا بالصراخ . و تجمع كل رواد الانداية و قبضوا عليه . و كان يقول لهم : ( انا كنت حا اكملكم واحد واحد ) . و هذا القاتل شنق في الستينات . العم المليح كان يقول , كما عرفت , بأنهم ذهبوا لأستقبال ود الفتير في السكة حديد بعد ان قضى فترة العقوبة بسجن بورتسودان . الا انهم لاحظوا انه لم يكن عادياً . و كان يبدو ان عقله قد ذهب . و لهذا انقطعت اخباره و قصصه . و مكث فترة في امدرمان . و كان لا يخرج من داره كثيراً الى ان انتقل الى جوار ربه . و جثمانه كان أول جثمان يوضع في لوري . فلضخامته صار العنقريب يطقطق . و كان وزنه قد ازداد كثيراً و لم يكن من الممكن حمله . فوضعوه في لوري و ساروا خلفه . ثم صار هذا تقليداً في امدرمان . أظن ان اللوري الذي حملوه فيه هو لوري اخي خلف الله احمد ( ود صافيات ) . و هو احد اشداء امدرمان . و لقد تربينا سوياً في حوش ابراهيم بدري . و كان له لواري لنقل التراب . كما كان يأخذ اهل امدرمان كل يوم خميس و جمعة للقنيص . و هذه ثقافة امدرمانية كان من اساطينها الوالد الشاعر و مغني الحقيبة عمر البنا , و صديقه ود البشير , و الشيخ تاتاي ,و خلف الله احمد و آخرون . و كنت اسمع بأن لوري خلف الله أول لوري شالوا بيهو جنازة في امدرمان . ود البشير كان سريعاً في الجري خلف الارانب و الغزلان . و العم البنا كان يقول : ( الشوك الفي كرعين ود البشير يفور شاي ) , كوقود . الزقاق الذي كان خلف منزل آل زروق و منهم وزير الخارجية مبارك زروق الموازي لشارع البوستة , كان يعرف بزقاق خلف الله . بالرغم من أن الفتوة و بائع البنقو موسى راس حربة كان يسكن في نفس الزقاق . خلف الله رحمة الله عليه كان جاراً لود الفتير . خلف الله بدأ حياته كصبي ميكانيكي في قراش احمد سكرة , في هذا القراش عمل كذلك مغني الحقيبة سرور . و القراش خلف بوستة امدرمان القديمة , و طلمبة موبي اويل لصاحبها العم الطيب الخزين . في ديسمبر 1986 أتت سيدة لزيارة ابنتها في السويد , لأن ابنتها و زوج ابنتها يتخصصون في الطب . و كنت اسمع أن الدكتورة هي ابنة الاستاذ محمد يوسف . و لأن الزوج كان من الأخوان المسلمين , فلقد كنت احسب بأنها ابنة الاستاذ محمد يوسف الاخ المسلم رحمة الله عليه . و تأخرت الطائرة لفترة طويلة في مطار القاهرة . و السيدة كانت مصحوبة بحفيدها الذي كان رضيعاً . و اظنني انني قد ابليت بلاءاً حسنا في العناية بالحفيد . فأنا متمرس في تغير الحفاضات و ارضاع الصغار و الهدهدة . مكتبي كان في شارع واحد . فأتى زوج السيده لكي يشكرني . و كان يسكن في شارع 3 بالقرب من مكتبي . و اكتشفت أنه القاضي المشهور محمد يوسف مضوي . و لقد اشتهر بأنه كان قاضياً نزيهاً و كان رئيس لجنة الانتخابات , و رفض ان يتعاون مع نميري . و كان هو احد الطلاب الذين اضربوا في جامعة الخرطوم في الثلاثينات . و كان صديقاً و زميلاً لوالدنا و كبيرنا و اخي و زوج شقيقتي محمد صالح عبد اللطيف متعة الله بالصحة . و كان قد درس الآداب و كان مثل محمد صالح عبد اللطيف ملماً الماماً عالياً باللغة الانجليزية . و لهذا قام الانجليز , حتى بعد طردهم من الجامعة , بأستيعابهم مرةً أخرى . و ذهب محمد صالح للأدراة و درس الاستاذ محمد يوسف القانون . و كما عرفت من حديث محمد صالح , فأن حيثيات مولانا محمد يوسف كانت هي قطع ادبية . و كانت تحتوي على مقتطفات فلسفية و فقرات من مسرحية ماكبث , و عيون الادب الانجليزي . و تكررت زيارات الاستاذ محمد يوسف لي . و كان يأتي في بعض الأحيان مصحوباً بابنه . و كان يلتقي في بعض الاحيان في مكتبي بالاستاذ محمد صالح عبد اللطيف , و كانوا يجترون الذكريات و كنت استمتع بحديثهم . و كان محمد يوسف مضوي بالرغم من علمه و مكانته , بسيطاً متواضعاً لا يرفع صوته ابداً . و كنت أعرف انه قد وقف بصلابة و شجاعة امام نميري , و رفض كل اغراءات صهره , الذي كان صنيعة نميري , و كان رئيساً للقضاء . و استغربت كثيراً عندما عرفت انه أول قاضي يحكم بالاعدام على امرأة في السودان . بالرغم من لطفه . و كان الانجليز لا يحكمون بالأعدام على النساء . قبل ايام قرأت للاستاذ الاخ بكري الصائغ موضوعاً عن سجن كوبر و تطرق فيه الى السجينة فاطمة التي نفذ فيها حكم الأعدام و التي قامت بقتل ضردتها. و للأخ بكري الصائغ التحية و الاحترام و الشكر لجهوده للتوثيق . و لكن ما لم يذكره العزيز بكري . و ما سمعته انا في تلك المناقشات هو من المولانات الاثنين فأن فاطمة بعد ان قتلت ضرتها وأظن كذلك زوجها قد وضعت طفل ضرتها المولود حديثاً في الفندك و قامت بفندكته . و مولانا محمد يوسف مضوي يصر على أن الاعدام لازم في هذه الحالة . و سأعود ان شاء الله لمولانا محمد يوسف مضوي رحمة الله عليه . كما أوردت قديماً و كما سمعت عن الاداري و السفير أمير الصاوي , فأن المحكمة الكبرى في الأبيض حكمت بالأعدام على قاتل . و قديماً كان حكم الأعدام لا ينفذ الى بموافقة الخرطوم . الا ان العم العمده الزين أنطلق الى البادية , و لم يوقع على الأوراق . و الأعدام عادةً كان يحدث في فترة قصيرة لا تزيد عن الاسبوعين , حتى لا يتعزب و بشقى المحكوم عليه . و عندما رجعت الأوراق من الخرطوم , كان معها خطاب يقول ما معناه اخبروا المحكوم عليه بالاعدام الذي لن يشنق لأنه تعرض للأهمال و التعزيب بواسطة الحكومة , فأن فترة الحكم عليه بالسجن ستحدد قريباً . كما قرأت قديما أن أحد السودانيين أتى للمفتش و هو يحمل خطاب . و الخطاب كان حكم بالأعدام على حامله لأن بلده ليس فيها مشنقة . و وضح أن السوداني كان يعلم بمحتوى الخطاب . و بالسؤال قال انه لم يكن ليهرب حتى لا يخجل أهله . فقام المفتش بالدفاع عنه و كتابة استرحام و غير الحكم بالسجن . أحد المحكوم عليهم بالاعدام تعرض للشنق ثلاثة مرات و لم يمت . و عندما أراد مأمور السجن البريطاني في كوبر أن يعيد الكرة وقف امامه ضابط بريطاني , و قال : ( لن اسمح لك بأن تعزبه اكثر ) . و غير الحكم الى السجن . العم مرسال الذي كان مسئولاً عن المشنقة , كان يبكي عندما شنق عبد الخالق محجوب , و لم يشارك في العملية . روعة السودان انه حتى الجلاد يبكي . التحية ع س شوقي بدري .
نشر بتاريخ 24-06-2011 | |
|