تأليف: رضا الهجرسي
ليالي بعد ألف ليلة وليلة
حكاية ليل وعين ومدينة الخرس
____________________
لما فرغت شهرزاد من أخر حكاياتها لشهريار وخلال ألف ليلة وليلة
وفي نهاية الليلة الواحدة بعد الألف قامت علي قدميها وقبلت الأرض
بين يدي شهريار ووضعت بين يدية أولادها الثلاثة التي أنجبتهم منة
خلال الألف ليلة وليلة ليتشفعوا لها عندة ..وأخذت تبكي متوسلة ..
- يا ملك الزمان وفريد العصر والأوان أني جاريتك شهرزاد ..
ولي ألف ليلة وليلة وأنا أحكي لك حديث السابقين وعجائب
الزمان والأنس والجان ..وها أنا ذا قد فرغت حكاياتي ..
فهل أطمع في عفوك وتعتقني من القتل..أكراما لأولادك الصغار
فإن قتلتني ..صاروا لليتم صيدا.. وللحزن والهم مأرب ..
فالأم ستارا بل جدارا لأولادها من كل هم وحزن ..ويصيروا
من بعدي ..لقمة سائغة ..لشياطين الأنس والجان ..
بكي شهريار بكاءا شديدا وضم أولادة إلي صدرة ..
- يا شهرزاد... لقد عفوت عنك منذ زمن طويل..
عندما تيقنت من طهارتك وعفتك ..ف قري عينا وأطمئني ..
يا مهجة فؤادي وأم أولادي ..وسميرة ليالي وأحلامي ..
وغدا ترفع الزينات..وتنصب الولائم ..ولينشد المنشدون ..وترقص
الراقصات..وتدق الدفوف ..فرحا بنجاة شهرزاد ..
جلست شهرزاد وقد أطمئن قلبها وهدأت سريرتها ..وبجانبها شهريار
يمازحها ويداعبها في مرح وحبور..والراقصات يرقصون ويدقون الدفوف..والمنشدون ينشدون ..والطعام والشراب يغرق المكان ..والجميع مستغرق في لهوة إلا.. شهرزاد فعقلها وذكائها الأنثوي لم يهدأ هنيهه..والسؤال اللحوح الملح..
لم يتركها تهنأ برهه بنجاتها من الموت ..
- ثم ماذا بعد ؟
فهي أعلم الناس بشهريار ..والطفل الملول بداخلة ..
والذي قد يعيد سيرتة الأولي من ذبح وسفك دم العذاري..
وقد هباها اللة هذة الهبة في قدرتها علي سرد الحكايات والنوادر وعجائب الزمان ..لألهاءة ألف ليلة وليلة ..
وعزمت علي أكمال خدعتها في أن يظل مشدودا إليها بوثاق من
حريرالفضول والترقب فيما هو أت ..من عظائم الأمور وعجائب الكون وأسرارة ..وممالك الأنس والجان والسحرة والمشعوذين..
تنبهت من دوامتها تلك علي صوت المنشد ..وهو ينشد موالا حزينا..
- يا ليل ..يا عين ..يا ليل ..يا عين ..
في البحر لم فتكم..في البر فتوني..
بالتبر لم بعتكم ...بالتبن بعتوني ...
برقت عيناها وأبتهج فؤادها ..فقد حصلت علي مرامها ..حكاية جديدة
أخذت تبحث عن هدفها المنشود..وصدق حدسها ..فوجدتة كما توقعت يرقص مع الجواري الحسان ..في سعادة غامرة ..أشتعلت الغيرة في
قلب شهرزاد..وصممت علي تنفيذ خطتها..وأرجاعة لشبكتها الحريرية
في ساعتة وأوانة دون أبطاء ..وقبل أن تقع عيناة علي جارية خمرية
أو بيضاء أيرانية ..أو عذراء تذهب بعقلة ..ويعود معها لسيرتة الأولي
أنقضت علية في فزع وسحبتة من وسط الجواري الحسان ..
تعجب شهرزاد من فعلتها ..وفي غضب ..
- ما بك يا شهرزاد ..ماذا تريدين ..
- أسمعت المنشد ..ماذا كان ينشد ..
- أجننتي يا امرأة..تجرينني كالبهيم من وسط أحبائي وجواري ..
لأسمع منشد ..أسود الوجة ..قبيح الخلقة..ورجل أيضا ..
- هذا الأسود..قبيح الخلقة ..قد ذكرني بحكاية بها الأعاجيب العجاب..
- حكاية من ..ألم تقولي أن جراب حكاياتك قد فرغ ..وقريحتك
قد نضبت ..وطلبتي العفو ..وعفونا ..
- نعم يا ملك الزمان وفريد العصر والأوان ..ولكن المنشد
ذكرني بأعجب حكاية ستسمعها أذنك ..
برقت عينا شهريار ببريق طفولي وهو يصرخ فرحا ..
- حقا يا شهرزاد ..أذن ماذا ننتظر ..هيا بنا إلي مجلسنا ..
لتقصي لي حكايتك العجيبة ..
( حكاية ليل وعين ومدينة الخرس)
________________________
(الليلة الثانية بعد الألف)
قالت شهرزاد ..بلغني أيها الملك السعيد ذو الرأي الرشيد والعمر المديد ..أنة كان في حديث الزمان وسالف العصر والأوان ..
حاكم من الحكام ..ولي أمر العباد ..وتحكم في الرقاب والنفوس
والأرزاق ..علي مدينة الأمنين الواقعة علي النهر العظيم ..ذات
الخيرات الوفيرة ..كانت المدينة السعيدة لا تنام من ليل أو نهار
أصوات البيع والشراء بالأسواق لا تنقطع.. نهارا ..
وأصوات الدفوف والمنشدين والشعراء والذاكرين.. ليلا ..
وكانت للملك زوجة ..جمالها يفتن القلوب ..ويسلب العقول ..
كانت ناصية أمرة بيدها ..تأمر فيلبي..
أنجبت لة وليا للعهد ..فإزداد ولها وعشقا بها ..وأصبح الولد هو
العين التي يريان بها الدنيا..فأسموة ..عين الحياة..وينادي ..عين
أقلقت أصوات المدينة التي لا تنقطع من ليلا أو نهار .. نوم عين
فطلبت الملكة من الملك أن يصدر مرسوما ملكيا ..بفرض أتاوة
مالية..علي كل من يصل صوتة الي غرفة نوم عين ..ويزعجة في
نومة .. أو يومة.. ولم يأت هذا المرسوم ثمارة ..
وظل أهالي المدينة يبيعون ويسمرون..ويدفعون الأتاوة وهم يهزأون ويستهزأون بهذا المرسوم الملكي العجيب..
وأستمرت الأصوات تصل الي مخدع عين وأمة الملكة وتزعجهم ..
في نومهم.. ويومهم ..
أشتد غضب الملكة وأزداد سخطها علي أهالي المدينة ..
وطلبت من الملك أن يصدر مرسوما ملكيا ..أشد قسوة علي هؤلاء الرعاع السفهاء..
وعلي الفور أصدر الملك مرسوما ملكيا ..
كل من يصل صوتة الي مخدع عين ويزعجة في نومة أو صحوة ..
يسجن فورا ..دون محاكمة أو أمر من قاضي القضاة..
وأختفت الأصوات من المدينة ..عندما أختفي كل من أصدر صوتا
ثم عادت ترتفع مع مرور الزمان ..وسخط العباد علي الحال ..
وعادت أصوات المدينة ..تزعج الأمير عين في نومة وفي صحوة
فأستشاطت الملكة غضبا وسخطا ..علي الرعاع والدهماء من العامة
وجن جنونها ..
فطلبت من الملك أن يصدر مرسوما ملكيا ..
علي كل من يصل صوتة لمخدع الأمير عين ..يعاقب ب ..
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح
( الليلة الثالثة بعد الألف )
جلست شهرزاد سعيدة بعودة طفلها الملول الي أحضان حكاياتها..
ورأت اللهفة والترقب في عينية ..ليعرف باقي الحكاية..
قالت عندما عادت أصوات الرعاع تزعج الأمير عين في نومة
ويومة .. كان غضب الملكة شديدا ..وأزداد غيظها ..وطلبت من
من الملك أن يصدر مرسوما ملكيا ..
كل من يصل صوتة الي مخدع الأميرعين..ويزعجة في نومة ويومة
يقطع لسانة علي الفور ..
أصدر الملك مرسومة ..
وأستاء بعض الناس وعلت أصواتهم معترضين..
فقطعت ألسنتهم علي الفور ..دون الرجوع الي قاضي القضاة ..
وخرست المدينة ..
ومع مرور الزمان والأيام ..قطع من قطع لسانة .. وخرس من خرس
خوفا وجبنا ..
أصبح الجميع يتحدثون بأشارات الأصابع والأيدي ..
توقف الشعراء عن قرض الشعر في الحبيب أو المعشوق ..
وتبدل أسم المدينة ..من مدينة الأمنين ..
الي مدينة الخرس ..
وتمر الأيام والأزمان ..والمدينة علي حالها ..
شاخ الملك وظهرت علية علامات الزمان من خرف وسفة ..ولم يفلح
معة شراب طبيب ..أو سحر ساحر ..أو رقية وحجاب مشعوذة ..
وأصبحت الملكة الحاكم الفعلي لمدينة الخرس..
من وراء ستار الملك.. الميت..الحي..
وكما شرب عين الحياة.. اللبن من صدر أمة رضيعا..
شرب من قلبها الحقد والغل ..والتهوين من شأن الغوغاءوالدهماء..والفقراء..والمعدومين
وألتفت من حولة بطانة المنتفعين والفاسدين..وطالبي السلطة ..والثراء
زينوا لة الباطل ..حقا ..عشق سلطاتة المطلقة ..ونسي اللة العلي القدير
الذي وهبة كل شئ ..من شباب وصحة وجاة وسلطان ..فعاث في الأرض فسادا دون رادع من ضمير ..أو خوف من غضب عزيز مقتدر ..
وفي ليلة نجومها متلالئة ..ونسمتها رقيقة ..والمدينة غارقة في خرسها
شق قلب الصمت ..صوت شجي ..قوي النبرة ..حزين في شجن ..يغني
ويبكي بكاءا مريرا يمزق القلوب المقهورة ..
سمعة كل من في المدينة ..
وسمعة كل من في قصر الحاكم ..
وكأنة صوت شيطان أو عفريت ..يتنقل من مكان لمكان في غمضة عين..وهو ينشد ..
يا ليل ..يا ليل
في البحر لم فتكم ..في البر فتوني
بالتبر لم بعتكم ....بالتبن بعتوني
يا ليل ..يا ليل
أنتفض عين الحياة فزعا من نومة ..علي الصوت ..
الذي أخترقت كل كلمة من كلمات المنشد الحزين الباكي ..
قلبة قبل أذنة ..فظن نفسة في كابوس بشع ..ولم يصدق أذنية ..
أقتحمت أمة الملكة مخدعة وهي ترتعد في رعب ..
- أسمعت ما سمعت ..أم أني واهمة ..
- نعم ياأمي سمعت ..ما هذا الصوت العجيب الذي يخترق
الجدران قبل الأذان ..
صرخ في غضب شديد مناديا كبير الحرس ..وطلب منة أن يحضر
هذا الفاجر الزنديق الذي أخترق صوتة الجدران قبل الأذان ..
وليقطع لسانة في الحال ..
هرول كبير الحرس منفذا لأمر عين الحياة ..وأنتشر العسس والجند
يبحثون ويفتشون في أرجاء المدينة ..وهم في ذهول وخوف شديدين
فما زال الصوت يشق صمت المدينة ..وكلما أقترب الجند من مكانة
أنتقل الي أقصي المدينة ..ثم يعود وينتقل بسهولة ويسر الي وسط
المدينة ..وكأنة صوت بألف صوت ..وظل الصوت ينشد ..
يا ليل ..يا ليل ..
في البحر لم فتكم ..في البر فتوني.
بالتبر لم بعتكم ....بالتبن بعتوني..
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح
(الليلة الرابعة بعدالألف )
قالت بلغني أيها الملك السعيد ..أن كبير الحرس والجند والعسس ..
ظلوا يطاردون صوت المنشد في أرجاء مدينة الخرس ..دون أن
يعثروا علي منشدة ..دون طائل ..
وتوقف صوت المنشد وأقوالة العجيبة.. مع أذان الفجر ..
وعاد كبير الحرس الي القصر مطأطئ الرجل في ذهول وحيرة ..
وسألة عين في لهفة ..
- لقد توقف الصوت ..أذن قد أمسكتم بة ..هل قطعتم لسانة ..هل
قتلتموة ..أجبني ..أيها الأبلة الغبي ..صمتك يقتلني ..تكلم ..
- لا أدري يا مولاي بماذا أجيبك ..هذا عمل ساحر أو مشعوذة
أي باللة ..هذا ليس بعمل أنس ..
- أحضروا لي علي الفور ..السحرة والمنجمين وطالعي الغيب
وكبير الحكماء ..هيا تحرك أيها الأبلة ..
حضر الجميع الي بلاط الملك ..وهم يتحاورون ويتعجبون ويتناظرون
فيما حدث ..ودخل عليهم عين وهم في هرج ومرج ..
فصمت الجميع ..وأنحنوا لعين ..أشار لكبير الحكماء ..وسألة ..
- هل سمعت هذا المنشد الذي يخترق صوتة الجدران قبل الأذان ..
- سمعتة يا مولاي ..وأخترق جدران بيتي وأذني وقلبي ..
- وهل وجدت تفسيرا لما حدث ..وما هذة الكلمات العجيبة التي
ينشدها الصوت الباكي الحزين ..يا ليل ..يا ليل ..أي ليل يقصد
- لقد تحاورنا جميعا ..وقرأنا النجوم والطالع ..وطالعت بلورتي
السحرية ..وأحضرنا عفريت من الجن من العالم السفلي ..
- وهل علمتم شيئا عن هذا الصوت وكلماتة العجيبة هذة..يا ليل ..
- شئ واحد كنا نعلمة جميعا ..ورددة الصوت ..
- وما هو ..
- ليل ..
- ما معني هذا..تحاورتم وطالعتم النجوم..وأحضرتم جني من
العالم السفلي ..لتعرفوا ما هو الليل ..لقد شخت وهرمت وذهب
عقلك ..يا حكيم..
- أنصت لي يا مولاي أقبل يدك ..المسألة خطيرة بل كارثة..
- أي خطر في هذا ..فالليل هو الليل ..والنهار هو النهار..
- ليل يا مولاي.. هي.. وليست هو ..
- أتطرح علي أحجية لأحلها ..تكلم أيها العجوز الخرف ..
من هي ليل تلك ..
-أمرك ..أمرك يا مولاي ..هي ليل ذات الشعور الذهبية ..
وأميرة البحور السفلية ..وأبنة دندان ملك الجان ..
وملك ملوك العوالم السفلية ..
وأدرك شهر زاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح
( الليلة الخامسة بعد الألف )
قالت شهرزاد بلغني أيها الملك السعيد ..
أن عين الحياة عندماعلم بأمر ليل ذات الشعور الذهبية ..وأبنة الملك دندان ملك الجان ..وملك ملوك العوالم السفلية ..
هرول عين الحياة الي أمة في مخدعها فزعا ليعلمها بأمر ليل..
سقطت مغشيا عليها عندما سمعت أسم دندان ملك الجان ..
ولما أفاقت ..أخذت تصرخ كالمجنونة ..
- ماذا يريد منا دندان ..بعد كل هذا الزمان ..
- أتعلمين بأمر دندان وابنتة ليل.. يا أم عين ..
- وأبيك أيضا يعلم ..فهو من نصبة حاكما علي المدينة ..
- أذن هو حليف وليس بعدو ..نخشي بطشة وجبروتة ..
- لقد كان حليفا لأبيك ..عندما نصب أبيك علي المدينة ..
وأخذ علية العهد في أن يحكم المدينة بالعدل ..وأخل أبيك
بالعهد وقطع الألسنة ..وظهور ليل مصيبة وكارثة ..
- لا يهم يا أم ..فأبي خان العهد ..ولست أنا ..ولا أنتي ..وأنا
الأن من يحكم ..لا أبي ..ويجب أن يعرف دندان وأبنتة ذلك..
- وكيف سيعرف والجميع يعلمون..أن أبيك من يحكم ولست أنت
- سوف يعرف ..سوف يعرف ..سأجد طريقة لمقابلتة ..وأجدد
العهد معة ..لي ..
وأطل الليل بسوادة علي المدينة و القصر وعين مستغرق في هواجسة وكوابيسة ..وأفكارة تلعب بة ..
وعاد الصوت الشجي الحزين الباكي ..يخترق الجدران والأذان والقلوب ..ولكن هذة المرة حدث ما لا يخطر علي البال ولا
يصدقة عقل أو تقبلة قريحة أكثر المتفائلين ..
الصوت أصبح صوتين ..بل ثلا ث ..بل أربعة ..
صمت صوت المنشد ..وظلت الأصوات الأربعة تشدو من أركان
المدينة الأربعة ..ثم أنضم ..منشد خامس في وسط المدينة ..
أصواتهم ضعيفة ..خائفة ..مترددة ..ولكنها مسموعة ..
سمعها عين الحياة ..وأنخلع قلبة فزعا ..وصرخ ..
- هذة أصوات أهل المدينة ..لقد نطقت مدينة الخرس وأستردت لسانها ..يجب أن أجد حلا ..وأقابل ليل ..لتوصلني الي أبيها
الملك دندان ..وأجدد معة العهد لي ..
وصممت الأصوات الضعيفة ..وعاد صوت المنشد يملأ أرجاء المدينة
وهنا قفزت الي رأس عين الحياة ..حيلة غريبة ..فالطريق الي ليل هو
هذا المنشد ..وهو من يجب أن يجدة بنفسة ..
خلع عن جسدة ملابس الملوك ..وأرتدي ملابس الصعاليك ..وصار
يتفقد شوارع المدينة ومداخلها ومخارجها ..متتبعا لصوت المنشد ..
حتي كلت قدماة ..فجلس يريح قدمة علي شاطئ النهر العظيم ..
وخلع نعلية ..ووضع قدمية في مياة النهر ..
وفجأة..سمع صوت رخيم جميل النبرة..حزين في شجن يمزق القلوب
قلب المتيم كاد أن يتفتتا ..........فإلي متي هذا الصدود.. إلي متي؟؟
إلتفت عين الحياة صوب الصوت مستغربا ..فوجد ..
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح
( الليلة السادسة بعد الألف )
قالت شهرزاد بلغني أيها الملك السعيد
عندما شعر عين الحياة بالتعب وكلت قدماة ..جلس علي شاطئ البحر العظيم ..ووضع قدمية في مياهه ..فسمع صوتا جميلا حزينا ...
فألتفت صوبة ..فوجد شابا يافعا ..نحيل الجسد ..رقيق الملامح ..
تبرق عيناة علي ضوء النجوم بشعاع غريب ..وهو يحدق في مياة النهر..ويبكي بكاءا مريرا وهو يقول ..
لقد حملوني في الهوي غير طاقتي... .....ومن أجلهم قامت قيامتي
ولا تمنعوا أن تسمحوا لي بنظرة......تخفف أحوالي وفرط صبابتي
سألت فؤادي الصبر عنكم فقال لي..إليك فإن الصبر من غير عادتي
بكي عين الحياة من فرط التأثر وقال ..
-هذا واللة حال عاشق ولهان.. فارقة حبيبة وهجرة ..وقال لة مواسيا
لا تركنن إلي الفراق...........فأنة مر المذاق
الشمس عند غروبها ...تصفر من ألم الفراق
ألتفت إلية الشاب دون أهتمام ..وقام عين الحياة وجلس بجانبة ..
وعاد الشاب يحدق في النهرو يبكي ويقول ..
لئن غبتموا عني فإن محلكم....لفي مهجتي بين الجوانح والحشا
وأرجو من الرحمن جمعا لشملنا..وذلك فضل اللة يؤتية من يشا
بكي عين الحياة علي حال العاشق المهجور وطلب منة أن يحكي علية
حكايتة ..لعلة يكون سببا في لم شمل الحبيب بالحبيب ..فرد علية الشاب
- حكايتي لهي من أعاجيب الزمان..ونوادر الأيام..أعشقها وتحبني
أريدها وتريدني ..
- هذا كلام ذين ..فلماذا الفراق والهجران أذن ..أهو دلال الحبيب
ع الحبيب ..
- لا باللة ما هو بدلال الحبيب ع الحبيب..بل هو أعطاء برهان حب
من حبيب لحبيب ..
- لقد لبث الأمر علي ..ما عدت أفهم عليك يا فتي ..
- لو كنت عاشق ..لفهمت علي دون أفصاح ..
- أفصح لي.. لأساعدك ..وأهون عليك..
نظر الشاب في عينية محدقا ..
- لا يوجد علي وجة البسيطة من هو قادر علي مساعدتي..
وهذا شرطها ..
- لا تنظر الي حالي وملابسي أيها الشاب العاشق ..فأنا قادر علي
أن أهبك ما تشاء من الأموال ..والسلطان ..لأرضاء حبيبتك ..
- حقا ..أتدري يا غافل ما هو..مهر ..حبيبتي ..معشوقتي
وحبيبة عمري ..طلبا للوصال ..
- فليكن ما يكون ..فأنا قادر علية ..بجاهي وسلطاني ومالي..
أبتسم الشاب أبتسامة هازئة ورد علية ساخرا ..
- ما تطلبة معشوقتي ..لا علاقة لة بمال أو سلطان ..يا غافل.
وفجأة أضطربت مياة النهر أمامهم ..وأنشقت عن ..
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح
(الليلة السابعة بعد الألف )
قالت شهرزاد بلغني أيها الملك الرشيد ..
بعد أن عرض عين الحياة مساعدة الشاب العاشق ..وردة الشاب
مستهزئا بعرضة ..فجأة أنشقت صفحة النهر الرائقة ..وخرج منها
مارد جبار ..ظل يرتفع أمامهم إلي أن طالت رأسة عنان السماء
وظهرت يدية اليمني منبسطة ..تجلس عليها حورية ..لا تسطيع العين
أن تنظر إليها من النور الذي يشع من وجهها ..وبصفاء بشرة ينعكس
عليها ضوء النجوم فتعمي الأبصار ..شعرها جدائل من ذهب صافي
ينسدل من رأسها ويغطي صفحة النهر العظيم..لها عيون زرقاء زرقة
البحر العميق ..أبتسامتها تسلب الألباب ..والقلوب ..
قفز الشاب واقفا فرحا وقد تهللت أسارير وجهه برؤيتها ..
وقف عين الحياة مبهورا ..فاغرا فاهه ..وقد سلب قلبة ..وغاب عقلة
لا يرفع عينية عن وجهها المشرق الصبوح ..وعندما نطقت أهتزت الزهور ونثرت عبيرها وعبقها الفواح بالمكان ..
- كيف حالك يا عين الحياة ..طلبت مقابلتي ..وها أنا ذي ..أنطق
لماذا تقف مشدوها هكذا ..
مترددا ..حاول جمع شتات نفسة ..
- يا اللة..لقد خلقت كل هذا الجمال ..فأبدعت.. أيوجد في الكون مثل هذا الجمال ..
- دعك الأن من جمالي ..وأفصح عن مأربك ..التي تفصح عنة
عيناك..قبل لسانك.. دون مواربة ..تريد عهد الحكم ..
- هذا قبل أن أراكي ..أما الأن ..أريدك أنتي ..أريد قلبك ..وروحك
- وعهد الحكم ..
- من ينال قلبك ..ملك الدنيا وما فيها ..
- أتقدر علي مهري ..
- أقدر بإذن اللة ..وأزيدة ..
- أسمع أولا ..وأعرف ما هو مهري ..ثم أحكم ..
- أسمع وأحكم ..
صرخ الشاب من قلبة ..
- وأنا يا حبيبتي ..ومهجة الفؤاد ..
- وأنت أيضا تعرف مهري ..ولكنك لم تجمع غير خمس ..
ولقد سخرت الريح في خدمتك..لتنقل صوتك الضعيف عبر
أرجاء المدينة ..
- ولكنني لن أيأس ..وسأظل أنشد ..وأنشد ..وأنشد ..إلي أن
أجمع مهرك الغالي ..
صرخ عين غاضبا ..
- أذن أنت هو المنشد الذي شق قلب صمت المدينة ..
وأخترق صوتة الجدران قبل الأذان ..
- نعم هو المنشد الذي شق صمت المدينة التي أخرستها ..
وهذا مهري..أذا أردت قلبي ..
- مهرك أن تنطق المدينة ..
- لا ..أنا يكفيني أن ينطق ..
خمسة وعشرون شاب !!
من مدينة الخرس ..
ومن يجمع منكما مهري.. أولا ..
لة قلبي وروحي ..وجاهي وسلطاني ..
وفجأة ..
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح
( الليلة الثامنة بعد الألف )
قالت شهرزاد بلغني أيها الملك السعيد
عندما عرضت ليل مهرها علي الشاب وعين الحياة ..وأن من يجعل
خمسة وعشرون شاب من أهل مدينة الخرس..ينطقون ..
يملك قلبها وسلطانها
فجأة ..أنشقت مياة النهر العظيم ..ونزل المارد الجبار بالأميرة ليل إلي أعماق النهر ..
وقف الغريمان وجها لوجة..يحدق كل منهما في عين الأخر..
قال عين وهو في غل وحقد كظيم ..
- لولا خوفي من غضب ليل ..لقطعت لسانك في الحال ..أتتوهم
أنك قادر علي مواجهه سلطاني وسطوتي ..وجبروتي ..
- اللة أكبر منك ومن جبروتك ..
- هذا كلام المستضعفين في الأرض ..فأنا من أخرس المدينة ..
وأنا من سيجعلها تنطق ..
- اللة أكبر منك ومن بطشك ..
- لقد بح صوتك ..ولم يستجب لك ألا خمسة ..أما أنا فسأصدر مرسوم ملكي ..أن تنطق المدينة..فتنطق المدينة في طرفة عين
- اللة أكبر من غرورك ..
- أتركك الأن مع أنشادك ..فأنا ذاهب لجلب مهر ..ليل ..
عاد الشاب يحدق في النهر العظيم ..ويبكي ويقول ..
رحلوا غائبين عن جفن عيني...وهم في الفؤاد مني حلول
غاب عني جمالهم فحياتي..ليس تحلوا ولا أشتياقي يحول
أن قضي اللة بإجتماعي بكم..أذكر الوجد في حديث يطول
وراح يبكي بكاءا مريرا ..
أما عن عين الحياة ..عاد إلي المدينة مختالا ..سعيدا ..واثق من
تحقيق مرامة ..فهو الحاكم المطلق للمدينة ..يأمر فيطاع ..
مهر ليل أن ينطق ..خمسة وعشرون ..فلينطق خمسة وعشرون
ولتظل باقي المدينة خرساء ..ويحصل هو علي العهد بالحكم من
دندان ملك الجان ..وملك ملوك العوالم السفلية ..
ذهب عين مباشرة إلي مكان ..كبير حراسة وجندة ..ليأمرة أن
يجلب لة خمسة وعشرون شابا ..ليجعلهم ينطقون ..
وأقتحم المكان عليهم وهو يصرخ عليهم كعادتة ..
وأعمي اللة بصيرتة وأنساة أنة يرتدي ملابس صعلوك ..
هجم علية الجند ..وأوثقوا رباطة ..وكمموا فمة ..
وأسرع أحد الجند إلي كبير الحرس ليبلغة أن هناك صعلوك نطق ..
فأمر بقطع لسانة علي الفور ..وإلقاءة في غياهب الجب مع المقطوع
ألسنتهم ..ونفذ الجند ..
وعلا صوت الشاب المنشد ..يشق قلب الصمت ..ويخترق الجدران والأذان..
وبدأت الأصوات تلبي نداءة وترد علية ..
وعادت المدينة إلي صخبها ..وضجيجها..ولم تعد مدينة الخرس..
وهذة يا مولاي شهريار عبرة لمن يعتبر ..
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح