يُفضّل البعض أن يعبّر عن التزامه الدّيني من خلال الحرص على اقتناء المسبحة، وتحريكها بأنامل يده عبر إيماءات تُشبه الاستعراض التقديسي الذي يُوحي بالتوجّه العبادي والاتصال بالسّماء وأبواب اللاهوت.
وتختلف نوع المسبحة هنا باختلاف نمط التديّن، وطبيعة الانتماء المذهبي، وأيضاً باختلاف الطبقة الاجتماعيّة. ظاهريا ، تبدو المسبحة وكأنها ‘’شيء’’ بسيط جداً، فالخرزات التي تجتمع مع بعضها البعض في سلسلة منتظمة يقطعها شاهدان لا تعبّر عمّا هو أبعد من مرمى البصر، فليس هنالك حضور لما هو أسمى وأكثر فلسفةً. ذلك استنتاج أوّلي، ويتجسّد مع الوهلة المباشرة، والأولى، لمعاينة المسبحة، فمن الممكن أن يسقط هذا ‘’الشيء’’ كلعبة أطفال لا تبعث على التسلية الكافية، ولكن الإصرار البشري على إدخال التعديلات في ثقافة المسبحة، جعلها أعْقد من ذلك، ولو أنها انتهت في آخر المطاف لتكون، وبقدرٍ من التعسّف، شيئاً عاديّاً بالفعل.
فقد ارتبطت المسبحة تاريخيّاً بما هو إشكاليّ، وتحديداً في إطار العلاقة مع المطلق والتواصل مع الإله. وجدت المسبحة هويّتها الأقوى، إذن، في البيئة الدّينيّة المسيحيّة، وتجلّت في العديد من المناسبات والعجائب، وكان ظهور السّيدة العذراء معزّزاً باستمرار بسبحتها التي جعلتها سبيلاً لهداية العصاة والمهرطقين، ليتمّ تأليف ما يُعرف بصلاة السّبحة الوردية في القرن الخامس عشر الميلادي، والتي ضخّ البابا السّابق، يوحنا بولس الثاني، الحياة إليها قبل ستة أعوام.
إسلامياً لم يعرف المسلمون الأوائل عادة التسبيح بالمسبحة، بل كانوا يعتمدون على الأنامل في ذلك، مدعّماً ذلك بنصوص نبويّة تقرّ هذه الطريقة، حيث إنّ الأنامل تشهد للمرء يوم القيامة، وهو ما عُدّ تفضيلاً على المسبحة.
وفي حين رأى البعض بدعيّة المسبحة، وبالتالي حرمتها، مثل الشيخ محمد ناصر الدين الألباني والشيخ سفر الحوالي، فقد نفى الشيخ ابن عثيمين أن تكون المسبحة مشمولة بحكم البدعة، ويُعلّل ذلك بأنّ ‘’الإنسان لا يقصد التعبد لله بها، وإنما يقصد ضبط عدد التسبيح الذي يقوله، أو التهليل، أو التحميد، أو التكبير، فهي وسيلة وليست مقصودة’’، ولكنه يُفضّل التسبيح بالأنامل واجتناب المسبحة.