[b]
مسببات المرض ومضاعفاته :ــ[/b
الحاضر غرس الماضي ، المتتبع (لتراجيديا) السياسة السودانية ومايعانيه الوطن السوداني من ( حالات التشظي) ــ الظاهرة والباطنة وما تم بالفعل وماهو قادم ــ يلاحظ أنها نتاج سياسات قديمة أنتهجتها الحكومات (الوطنية) وهذه السياسات موروثة ومنداحة من ثقافة كانت سائدة ـ ولا زالت للاسف ــ منذ دخول العرب للسودان بعد توقيع إتفاقية (البغط) وسقوط دويلات السودان القديم (دنقلا ،علوة، والمغرة) ،هذا علي المستوي السياسي ،أما علي المستوي الأجتماعي/الثقافي ،كان لهيمنة الثقافة العربية الأسلامية الأثر المباشر في انتاج هذا الواقع (المأزوم)، وحالات الأستلاب أفرزت أيضاً انساناً من هجين السلالات مشوهاً ثقافياً ومشوشاً فكرياً ،فلغة وثقافة الأب العربي، تنضح وتضج بالأفكار والمقولات والأشعار المحتقرة لثقافة و(عرق) الأم ،وتتجلي هذة (الحالة) الشائهة في أسطع صورها ، حيث نجد (السوداني ،الزنجرابي) في حالة (فصام) حينما يتلو أشعاراً (عربية) اويردد أمثالاً (بدوية) تلك المقولات والأشعار المحتقرة للعرق الزنجي المنداحة اليه من(أبن بطلان) او (أبن العز) أبو الطيب المتنبي . فكأنما يسبَ أويهجو(نصف أحدنا) نصفه الأخر .. هذا ماقصدته بحالة الفصام والتي هي بلا شك كابح للوعي والتفكير بشكل متوازن .
حالة الفصام الثقافي نتج عنها وعي زائف ومحاولات (محتقرة للذات) من أجل الإنتماء والتشبث بــ (خير أمة أخرجت للناس) لأسباب دينية، و نفسية ــ الهروب من الجذر الذي يذكره بسلالة الأرقاء والزنوج ــ هذا الوعي الزائف مٌورس علي أعلي مستوي رسمي عندما (أصّر) حكامنا ــ أنذاك ــ للأنضمام لجامعة الدول العربية رغم رفض (العرب) وحُسم الأنتماء بالتصويت . هذا الموقف كان مثار دهشة للعالم، والأفارقة خاصة، وقتها قال الرئيس نكروما :أنني لأعجب من شعب السودان يتركون الريادة في أفريقيا ويرضون سير الظلعاء في ركب العرب ؟!
علي الرغم من أن أنتماءنا لــ (خير أمة أخرجت للناس) تم (بالتصويت) فقد أنتهجت السياسة الرسمية للدولة أعتماد الثقافة العربية/الأسلامية كثقافة وطريق ذو اتجاه واحد، وأصبح (إعلامنا الرسمي) (كاثوليكي أكثر من البابا)، و(كبشور) اكثر التصاقاً (بقريش) من (الملك حسين) وضاربة عرض الحائط بل ومحتقرة للثقافات الأخري ، وصارت جملة
تعدد ثقافي) تعد خروجاً عن الإجماع الوطني و تجعل (وزير الثقافة) يتحسس مسدسه . هذة الأحادية الثقافية انتجت ــ علي المستوي الأبداعي والأدبي ــ شعراَ وأمثالاً تنضح بالتعالي وازدراء الأخر ومغالطات وأكاذيب (تاريخية) سهلة سبر اغوار خطلها لأي ناقد .
مثال :ـــ في النشيد الوطني (أنا سوداني أنا ) نجد :
أيها الناس نحن من نفر عمروا حيثما قطنوا
نزحوا لا ليظلموا أحداً لا ولا لاضطهاد من امنوا
شيمة العرب أصلها كرم والي العرب تنسب الفطن
الأعجاب الزائد (بالحبيب) قد يجعلنا (مستلبين) و لانري مساوية ولكن قلب الحقائق رأساً علي عقب ، هذا يدخل في خانة الكذب الضار والضار جداً لأن ذلك يعد طمساً للحقائق وتزويراً للتاريخ و(تغبيش) لوعي الأجيال !!!
عثمان عبدالله
مدخل (1 ) :
حيكومات تجي وحيكومات تغور
تحكم بالحجي بالدجل الكجور
يوم بإسم النبي تحكمك القبور
الحركة الأسلامية وفصيلها الأنقاذي تتحمل القدر الأكبر من المسؤلية في (تشظي) الوطن السوداني،ولكن هذا لاينسف او يعفي (النخب) السياسية التي تتالت ــ ليس توالت ــ علي حكم البلاد ، وأي حديث عن تحميل (الأسلامويين والعسكر) لكامل المسؤلية ــ كما ذكر أحد قادة الأحزاب في جوبا موخراً ــ هذا الحديث هو محاولة بائسة ،واشبه مايكون بدفن الرؤؤس في الرمال ،ومحاولة للتنصل من الخطأ التاريخي الذي وقع فيه الأسلاف ولازال قادتنا من العروبيين/الأسلامويين (بإختلاف مدارسهم) يسيرون علي هديه وقع الحافر علي الحافر (مع إضافة بعض البهارات) للتمويه .
من المسلمات (المغلوطة) أن الأحزاب السودانية والتي نشأت بعد مؤتمر الخريجين قامت علي هدي وتراث ثورة1924 م وهذا الخطأ التاريخي المتوارث وقع فيه حتي الكتاب والمؤرخين (التقدميين) ، والصواب هو أن الأحزاب (الطائفية) ــ الأمة والأتحادي أو الوطني الأتحادي) والتي تضم طائفتي الأنصار والختمية ــ قامت علي إرث (مناهضة) ثورة 1924 . وأسباب مناهضتها إقتصادية وإجتماعية معروفة ويمكن إيجازها في ان ثوار 1924 م ليسوا من أبناء طبقتهم ومصالحهم متناقضة مع أطروحات الثورة حيث ان زعماء الطائفية كانواــ الزعماء الثلاثة ـــ يمثلون (نواة) للراسمالية الزراعية الوليدة وهناك أسباب إجتماعية تتلخص في أو منداحة من ( الوعي الزائف ) بانهم (خير أمة أخرجت للناس) ومجموعة علي عبداللطيف من الطبقات المنبتة.
ويمكن الأستدلال علي كل ما جاء، عاليه من خلال دراسة الواقع، في وقبل وبعد ثورة 1924 م وهذا بالرجوع لدار الوثائق القومية .والتي مازالت ونتمني أن تظل(بعد التشظي) متاحة للجميع !!!
هذا قد يساعد الكثيرين من أبناء هذا الجيل لوضع ارجلهم علي أرض صلبة وومن ثم معالجة جذور الأزمة وليس النظر لنتائجها.....
نواصل
من نماذج (تغبيش) الوعي التي مورست وأصبحت متداولة بين الأجيال ومن المسلمات الي لاتقبل النقد والتحليل ومسطرة في (المقررات) الدراسية : أن مشكلة الجنوب سببها (الإستعمار) باستخدامة لسياسة المناطق المقفولة ، وهذا خطأ والصحيح أن سياسة المناطق المقفولة طُبقت لحماية تلك المناطق ، او (لتحجيم) وإيقاف تجارة الرقيق والذي كان ممارس وقتها في تلك المناطق، وذلك نتيجة (الضغوط) التي تعرضت لها ( المستعمرات) من قبل المنظمات الأنسانية المناهضة لتجارة الرق ،بعد صدور مرسومي :إلغاء تجارة الرقيق ، وعتق الأرقاء المجازان من البرلمان البريطاني في مارس 1806 م ، وأغسطس 1833 م .
[b] (لمزيد من التفاصيل راجع كتيبي : رحيق وعلقم الأوراق المنسية ــ أراء وملاحظات حول : (علاقات الرق في المجتمع السوداني) للاستاذ/نقد ــ الشركة العالمية للطباعة والنشر/ القاهرة .. 2007 ) .