منقول من صحيفة الرائد ... الكاتب الدكتور عبد الماجد عبد القادر
تصادف قبل يومين أن وقع حادث حركة في منطقة كوبر على الشارع الرئيسي المؤدي إلى الصناعات، وهذا الشارع يربط بين كوبري القوات المسلحة والمنطقة الصناعية والخرطوم بحري شرقاً وغرباً.. ولهذا فهو شارع زحمة جداً.... وأخطر ما فيه أن السيارات النازلة من كوبري القوات المسلحة والكوبري الطائر تأتي بسرعة شديدة، مما يؤدي إلى وقوع الحوادث، خاصة وأن تلاميذ المدارس الابتدائية ومعظمهم أطفال يقطعون هذا الشارع ذهاباً وإياباً من الشرق إلى الغرب وهم في طريقهم إلى المدارس..
ويتصادف أن يقع حادث الحركة الذي يؤدي إلى الإضرار بأربعة تلاميذ كانوا في طريقهم إلى المدرسة صباح ذات اليوم... وبالطبع يتجمع المارة من سكان كوبر.. ويأتي أولياء أمور التلاميذ ويتجمع النساء والرجال وجيرانهم.. ويأتي عمال المنطقة الصناعية وكل المغرمين بـ(الشمارات) ويزيد العدد ليصل إلى آلاف من الناس تتشكل منهم كتلة ضخمة من المحتجين على تصرف السائق، وبعضهم يحتج على عدم وجود إشارات مرور لتنظيم الحركة بهذا الشارع المكتظ... ويتم إسعاف التلاميذ المصابين ويمتلئ الشارع ويتحول إلى مظاهرة تؤدي إلى إغلاق الطريق تماما، ويتجمهر الناس في منتصف الشارع احتجاجاً على "الحال المايل"..
ويتصادف أن موكباً للسيد رئيس الجمهورية، كان في طريقه إلى منطقة أم القرى لأداء واجب العزاء صباحاً قبل بداية يوم العمل.. وموكب الرئيس يأخذ علماً وإشارةً بضرورة تغيير مساره إلى طريق آخر لأن الشارع مغلق بالآلاف، الذين تشكلت منهم في ذلك الوقت مسيرة ضخمة والرئيس يمنع الموكب من تغيير مساره.. ويتوجه إلى حيث عمق المظاهرة.. والرئيس ينزل من السيارة الرئاسية ويمشي و"يخش" داخل المظاهرة "تووش" ويناقش المحتجين ويتعاطف مع قضيتهم ويكاد نفسه أن يهتف معهم ويسير قائداً لمظاهرتهم لأنه أصلاً من سكان كوبر... ويتخذ من القرارات ويجري من الاتصالات ما يعمل على استعدال الأمور.. ويقتنع آلاف المتظاهرين ويرجعون إلى أهلهم وإلى مواقع عملهم...
وهنا نريد أن نسأل من هو ذلك الرئيس في كل دول العالم هذه الأيام الذي يمكن أن ينزل في مظاهرة "وينقشط" في نصها ويقوم بفض المظاهرة.. غير الرئيس البشير.. ولعلنا نتذكر يوم أن "الملعون" الذي أصدر قرار المحكمة الجنائية كيف أن الشعب نزل في الشارع والتحم مع الرئيس وحمله على الأعناق.. وكيف أن الناس حملت سيارة الرئيس حملاً على الأيدي.. ومن غير البشير يمكن أن يدخل توش جوه المظاهرة.. ثم من غير الرئيس البشير يقوم صباحاً لأداء واجب العزاء في جار قد مات أو لتقديم الواجب وحضور الدفن في مقابر شرفي وحمد النيل وحلة حمد...
وهذا أيها القراء الكرام ما يمتاز به الرئيس البشير على غيره من رؤساء العالم "البساطة والرجالة"، وهذا ما يميزه عن زعماء الأحزاب وأهل المعارضة، فالبشير معنا في بيت البكاء ومعنا في بيت العرس ومعنا في المقابر ومعنا في المولد ومعنا في "الحلة" ومعنا في النادي ومعنا في السماية ومعنا في الطهور ومعنا في الصدقة ومعنا في الجامع ومعنا في كل مكان... ولم يعد غريباً أن تجد البشير بجوارك أو أمامك أو خلفك في الصلاة أو بالقرب منك في بيت الفرح أو الكره.. وهذا ما جعل البشير في شخصه محبوباً ومحترماً جداً وموثوقاً به، وجعل منه رمزاً لود البلد وأخو الأخوان وعشا البايتات وفكاك الشبيك.. فمن من رؤساء الدنيا يستطيع أن يفعل مثل ذلك؟.. تقول لي شنو.. وتقول لي منو..؟!.