ولد جوزيف كونرد (Joseph Conrad)في 3ديسمبر 1857م، وهو الطفل الوحيد لأبوين بولنديين حيث عمل أبوه مترجماً لشكسبير بالإضافة إلي كتاباته ومؤلفاته في الشعر والأدب. أمه من أسرة عريقة ذات عقل متنور، ولكن حالتها الصحية هشة. أعتقل أبوه لمشاركته في مؤمرات ثورية ضد الروس، وعلي أثره تم نفيه إلي شمال روسيا. ومن ثم أنتقل جوزيف مع أمه إلي هناك.
تشير رواية "قلب الظلام" إلي القارة الافريقية المظلمة التي ما زالت تحت الاكتشاف، وما زال سكانها يعيشون حياة بدائية. تسجل الرواية تجربة المؤلف الشخصية أثناء عمله في القارة الأفريقية. يتعامل الجزء الرئيسي من الرواية مع شخصية كيرتز (Kurtz)، الرجل الأبيض الذي يقع تحت تأثير الحياة الهمجية في داخل البلاد، حيث ينتمي الهمجيون إلي قلب الظلام. تعد الرواية رحلة فردية رمزية ملقيةٌ الضوء علي التغيير الروحاني العميق للرحالة: فرحلة مارلو (Marlow) هبوطٌ الي الأرض يتبعه العودة إلي النور. يعبر العنوان عن المغامرة البدنية، وفي الوقت نفسه فهي رحلة نفسية وروحانية. يشير الظلام إلي أشياء متعددة منها: المجهول والعقل الباطن والتيه الخلقي والشر والفراغ الروحي والغموض.
زار جوزيف كونراد الكونغو الديقراطية في 1890م، ووصل إلي المحطة الخارجية في يوم 13 يونيه، وعاد مبكراً إلي أوربا في نوفمبر التالي، وأحداث الرواية تلقي الضوء علي تلك الفترة. هناك الكثير من الجوانب الحقيقية في الرواية تتضمن طريقة حصوله علي الوظيفة، والمرأتين اللتين تشغلان بالإبرة في الشركة البلجيكية، ورحلته إلي افريقيا. لقد ذهب بنية أن يمكث هناك ثلاث سنوات، وأكتشف أن نسبة 7% فقط من موظفي الشركة تمكنوا من قضاء تلك الفترة هناك. كان السيد جوس البلجيكي (Mr Gosse) الأنيق مسئولاً عن المحطة الخارجية، ولقد توفي بعد ستة أشهر من مقابلته لكونراد. والرجل الباهت الذي أعاق كونراد في رحلته إلي المحطة المركزية والذي اصطحبه قادماً من بروسل (Brussels) اسمه بروسبر هارو (Prosper Harou). أما بالنسبة إلي وغد الرواية مدير المحطة المركزية هو كاملي ديلكوميون البلجيكي (Camille Delcommune)، ولقد وصفه المؤلف وصفا حقيقياً في أحداث روايته. الأسم الحقيقي لكرتز جورج أنتوني كلين (George Antoine Klein)، ولقد وصل إلي الكونغو عام 1888م، وقد عين مديراً للمحطة الداخلية في عام 1890م. لقد كشف كونراد عن إحباطه المرير بالنسبة للكونغو عن طريق رسائله لعمته، حيث عاني من نوبات الحمي أربع مرات في خلال شهرين بالإضافة إلي الإسهال الحاد. أما بالنسبة للأحداث الثانوية فتبدو واقعية بدرجة كبيرة. لقد سجل كونراد كل مايخص هذه الرحلة في مذكراته اليومية الوحيدة في حياته.
يستخدم المؤلف الأزدواج ( (pairing في كثير من أعماله الروائية من أجل المقارنة والتضاد اللتين تضفيان حسناً وجمالاً علي الرواية، وهناك العديد من التقابلات بين الناس والأشياء والأحداث. أولاً: التقابل بين عشيقة كرتز السوداء وخطيبته البيضاء. ترتدي الأولي ملابس زاهية ومجوهرات خرافية، أما الثانية فملابسها سوداء متواضعة. طبيعة العشيقة السوداء وحشية ومزاجها عدوانياً، أما الثانية فهادئة وصبورة ورابطة الجأش. ومع ذلك فكلاهما مخلصتان لكرتز حتي الموت. ثانياً: الأشياء المتقابلة تبدو واضحةً عند مقارنة منزل كرتز ذي النوافذ الصغيرة الغير متناسقة مع منزل خطيبته ذي الشبابيك العالية. وهناك تقابل بين الذباب الاسع كبير الحجم الذي يطن فوق الوكيل المحتضر في مكتب المحاسبة مع سرب الذباب الصغير في غرفة الطعام علي متن الباخرة أثناء وفاة كرتز. ثالثاً: الأحداث المتقابلة تتمثل في ازدواج اطلاق الرصاص من الحجاج علي الفتاة السوداء مع الأكذوبة المتعمدة التي أنقذت خطيبة كرتز البيضاء. أخيراً اطلاق النار من قبل رجل الحرب الفرنسي تجاه سواحل أفريقيا مع اطلاق النار من الحجاج علي حيوان وحيد القرن، وكلا الهدفين استمرا كما لو أن شيئاً لم يقاطعهما.
تعالج رواية "قلب الظلام" الكثير من الموضوعات المتعددة، ومنها سعي الإنسان الدؤوب للبحث عن ذاته، وإلقاء الضوء علي الجوانب الظلامية في النفس البشرية، وإبراز فلسفة مارلو التي تبين أن العمل والايمان والمسئولية تهدف إلي وضع الإنسان في علاقة مباشرة مع المستويات الحضارية. هناك الكثير من الأمور الإيجابية والسلبية في الرواية ومنها: عدم إنسانية البشر تجاه بعضهم البعض ... صراع الإنسان مع نفسه المظلمة ذو دلالة خطيرة ... الحقيقة بشطريها الأبيض والأسود كامنةٌ في النفس البشرية ... الإنسان ذو العقل المادي لا يمكنه فهم الأمور الروحانية أو إتباعها ... كيفية الوصول إلي الطبيعة الحقيقة للإنسان. هناك وجهان للحقيقة يسعي كونراد إلي اكتشافهما وتحليلهما في الرواية، وهما بالفعل كامنتان في النفس البشرية: الحقيقة السوداء والحقيقة البيضاء. سعي المدير الدائم لتدمير كرتز يؤكد اصراره علي حجب الحقيقة من الظهور لئلا يرتفع نجم كرتز أكثر فأكثر، ومن ثم يستولي كرتز علي مقاليد الأمور في المستعمرة الأفريقية. وعلي النقيض من ذلك يسعي مارلو إلي تأكيد الحقيقة: انه يأمل أن يسمع صوت وكلام كرتز لدرجة أن مقابلة كرتز أصبحت مسألة حياة أو موت بالنسبة لمارلو. إنه يبحث عن الحقيقة الداخلية. هو يعلم علم اليقين أن كرتز لص وقاتل وكافر، ومع ذلك لا يبتعد عنه، بل يضحي من أجل الوصول اليه.ولكن في نهاية الرواية يدرك مارلو أن كرتز يعكس طبيعة حقيقته هو المظلمة.
يلعب البحر دوراً مهماً في معظم روايات كونراد حيث يٌستخدم كخلفية لأحداث الرواية وكرمزا إلي الاضطرابات الداخلية للأبطال. وفي الواقع لا تحظي القضايا الرومانسية بنصيب يذكر في معظم رواياته، والسبب في ذلك يعود إلي قصة حب فاشلة عندما كان في السابعة عشرة من العمر في مارسيليا. ويحاول كونراد أن يطور الفن الروائي مستحدثاُ أساليب سردية متعددة، ورمزية تستوقف الأنظار، وحيل الوقت، وشخصياتٍ متعددة الجوانب والابعاد. لقد استخدم المؤلف شخصية مارلو كراوٍ للأحداث ليعطي لنفسه فرصة المشاركة في أحداث الرواية، ومن ثم يحكي قصته من منظوره الفلسفي دون تدخل مباشرٍ منه. تتكون الرواية من قصتين أولهما رحلة مارلو من الحضارة الأوربية إلي القارة الأفريقية المتخلفة، ثم عودته مرة ثانية إلي موطنه الأصلي، وثانياً الصراع المستمر بين مدير شركة العاج وكرتز، حيث يخشي الأول سيطرة وذكاء الأخير، ومن ثم يسعي إلي تدميره. تفاعل هذان الموضوعان يشكل الحبكة الروائية لرواية "قلب الظلام". يختلف كونراد عن الروائيين الأخرين حيث يضع اثنين أو أكثر من حوار شخصياته في فقرة واحدةٍ، بينما يفصل الروائيون بين كلام الشخصياتِ كلٌ علي حدةٍ في فقرات منفصلة. وتعتبر فقرات كونراد طويلة جداً مستخدماَ الكثير من علامات الترقيم، وخاصة علامات التعجب والنقط (dots) والفواصل الخطية الصغيرة (dashes).يعترض بعض النقاد علي تعمد استخدام كونراد الكثير من الكلمات التي تحاول أن تستنطق ما لا يمكن أن تعبر عنه هذه الكلمات، وبالتالي يسود الغموض كافة أنحاء الرواية. ومع ذلك لقد خلب لب قرائه بطريقته التعريضية، والأمثلة كثيرة ومنها الطريقة الملتوية التي استخدمها كونراد ليلتمس العذر لمدير الشركة نظراً لتجاهله كرتز وما ألم به من مشاكل.