تأليف /رضا الهجرسى
قصص قصيرة
حكايات نوبية
...........................
الحكاية الأولى
...................
عَبق الجدود
.................
جالسا تحت أقدام رمسيس العملاقة وتماثيله الأربعة فى واجهه المعبد ..شاخصا ببصره إلى مياة البحيرة الممتدة إلى
المالانهاية الملتقية مع خط الأفق البعيد ..ينتظر بزوغ واهبة الحياة وأحدى آلهه جدودة الفراعنة ..لا تخلف ميعادها
معه ..كانت هذه اللحظات تجدد طاقته الأيجابية لمواصلة العمل تحت هذه المعطيات الصعبة ..يحدثها بعتاب ..
- أشرقى على الحياة أيتها الظالمة وأعطى دفئك وحنانك هناك ولهيبك وغضبك النارى هنا فى بلاد النوبة ..
سمع صوتا محببا لقلبه من خلفه ..وفى لهجة نوبية تعشقها أذنه ..
- كنت متأكدا أننى سأجدك هنا تنتظرها فصممت على مشاركتك هذه اللحظة ..
- أهلا بالحارس الأمين لآثار الجدود..ومدير آثار أبو سمبل الشهير ..جئت فى وقتك ..الفضول يكاد يقتلنى ..
- أنا رهن أشارتك أيها الفرعون ..فأنا أشعر منذ تعارفنا أنك أمتداد لجدودك ..فسل كما تشاء ..
- أشكرك يا صديقى على منحى هذا اللقب الذى أتشرف بالأنتساب إلي من عجز العالم بعلمه عن كشف أسرارة
لكن ما يحيرنى ..هذا المعبد ومكانه الغريب فى أرض النوبة البعيدة عن مكان عاصمتهم طيبة وهى الأقصر الآن ..
- سؤال ذكى لفرعون ذكى ..وأجابتى الموجزة ..عندما كان رمسيس فى حروبه المصيرية مع الحيثيين ..وصله خبر بتمرد أهل النوبة على حكمه..فطلب بناء معبد ضخم بأرضهم..وبنى المعبد فى بطن جبل ضخم .. وكتبت على جدرانة أنتصارات رمسيس وحروبة .. ونجح المعبد و الرسوم المنحوتة على جدرانة والتى تصف قوة وجبروت الفراعنة فى زرع الخوف والرهبة فى قلوب النوبيين ..وقضى على التمرد فى مهدة ..
- ذكاء قائد عظيم ..ولكنك قلت أن المعبد تم بناءة فى بطن جبل وأنا أراه منفصلا وحده ..
- نعم هذا قبل رفعه من تحت مياة البحيرة التى غمرتة بعد بناء السد العالى ..
- نعم ..نعم تذكرت ..وكيف رفعوه ..
- هذه قصة مثيرة ..أتحب أن تسمعها ..وكيف رفع لمسافة تزيد عن الستين مترا ووضعة فى هذا المكان الساحر
ويأتي لزيارته السائحون من شتى بقاع الأرض ..
- هذا يكون فضلا منك ..معبد بهذه الضخامة كيف تم رفعه..ومن رفعه ..
- الأمريكان والألمان كانوا الأقرب لأنقاذ معبد أبو سمبل..ورُفض عرض الأمريكان..أعتبرة الجميع فى وقتها أنه مشروع خيالى ..فقد فكر الأمريكان فى تركه تحت المياة و دهان جدران المعبد بمادة عازلة تحمية من التآكل وتأثير المياة عليه ..وتتم زيارتة عن طريق غواصات صغيرة تجول بالسائح فى أرجاء المعبد ..هزء الجميع منهم..أما الألمان تمت الموافقة على مشروعهم..قاموا بتقطيع المعبد وترقيم أجزاءة وأعادة تجميعة على هذا
الجبل ..ولكن واجهتهم مشكلة عويصة ..عجز علمهم عن حلها وشعروا بالعجز والصغر أمام علم الفراعنة ..
- أثرت فضولى وفخرى يا رجل ..الألمان بعلمهم وعلمائهم وقفوا عاجزين أمام علم أجدادنا الفراعنة ..
سحبه من يده وتوجه إلى باب المعبد الذى يتوسط ثماثيل رمسيس الأربعة ..والمحفور عليه صور لأربعة عشر قردا
تمثل محافظات مصر فى تلك الحقبة الزمنية ..وجد نفسه فى وسط عمدان مستديرة وجدران زاهية ألوانها ..ورسوم
فرعونية مذهلة وكأنها رسمت اليوم ..ووجد فى صدر المعبد أربعة تماثيل مذهبة اللون لرمسيس جالسا على كرسى
عرشه واضعا يديه على ركبتيه ..وأشار اليهم صديقه النوبى وحارس آثار الجدود كما كان يطلق عليه ..
- هذا هو قدس الأقداس ..والتحدى الأكبر الذى واجهه الألمان ..والظاهرة المعجزة التى بَهرت العالم ..حتى اليوم ..
- قتلتنى يا رجل فضولا ..وأقشعر جسدى فخرا وزهوا بعبق الأجداد ..فأرونى أكثر وأكثر ..
- كانت هناك ظاهرة تحدث فى موقع المعبد قبل غمرة ورفعة ..وأختفت بعد رفعه الستين مترا الفارقة بين الموقعين
وعجز الألمان عن حل هذه المشكلة بكل علمائهم وعلمهم ..
- وما هذه الظاهرة ..
- تعامد الشمس على المعبد يومان فى العام ..وتصنع مربع ذهبى على تماثيل رمسيس ومع أنحسار الشمس يُختصر هذا المربع فى نقطة تحت أبط أحد التماثيل الأربعة ..
- ولماذا يومان فقط ..
- أكتشف علماء الآثار أن هذين اليومين ..هما يوم مولده ..ويوم توليه العرش ..وفى هذين اليومين لا تجد موضع لقدم من كثرة السائحين الوافدين ..ومحطات التلفاز العالمية لتسجيل هذه اللحظة النادرة ..
- يالله ..هذا أعجاز ..كيف فعلوها هؤلاء الجبابرة ..وماذا فعل الألمان لحل هذه المشكلة ..
- بعد أن عجزت حساباتهم العلمية ..وضعوا المعبد بالكامل على قرص متحرك ..وفى هذا اليوم يحركون المعبد حتى تعامدت الشمس وعادت الظاهرة ..ولكن ؟؟ ..
- ولكن ماذا ..
- حدثت الظاهرة بعد يوما من ميعادها القديم ..وفسروا هذا الترحيل لفرق الأرتفاع بين موضع المعبد القديم والجديد .. ودعنى أشرح لك ما هو محفور على جدران المعبد ..والذى يحكى معارك رمسيس وأمجاده ..
هنا طلب منه أن يرسل سائقه ليجلب جميع العاملين حتى يروا ويسمعوا تاريخ وأمجاد أجدادهم ..وحضر العاملين متأففين على مضض فهذا يوم راحتهم ..أجن المهندس ..أى جدود هؤلاء وأى رمسيس هذا من يضيع عليهم يوم راحتهم ...
أخذ يشرح لهم ما هو محفور على الجدران وكانت أذن واحدة تتابعة بشغف شديد ..وجاء عند أحد الرجال المحفورة
صورته وتخطاها بسرعة ..لفتت نظر العاملين ..تسمروا أمامها وقد أتسع بؤبؤ أعينهم ..صمموا على معرفة قصة هذا العجوز
نظر المهندس لهذا الرجل وأتسع بؤبؤ عينه هو الآخر وفى خجل طلب من صديقه قص قصة هذا الرجل
العجوز العارى وعضوه الذكرى أمامه أطول منه ..والذى أخرج عماله من قنوطهم ومللهم ..وجرى الدم فى وجوههم
- هذا رب و آله التناسل ..عندما خرج رمسيس لحرب الحيثيين ..أستأمن هذا العجوز على حريم قصره ..
وعند أنتهاءه من حروبه وعودته إلى قصره ..وجد القصر ملئ بالأطفال من هذا العجوز ..
قتله ..وآلََهَهُ ..وخَلدهُ بحفر صورته على جميع المعابد ..
وإلى لقاء مع حكاية نوبية جديدة ..