أرجـو أن لا يسـاء بي الفهـم أن نصبت نفسـي مدافعا عن دكتور عبد الهادي إبراهـيم عبد الحـليم.
لقـد كان دكتور عبد الهـادي من الأفذاذ بين أقرانـه والمبرزين أكاديميا والمتميزين اجتماعا ... التحق بكليـة الطب جامعـة الخـرطوم وهـو على رأس قائمة امتحان الشــهادة الســودانية ... فأكملها متفوقا على زملائه ومتميزا أكاديميا وخلقيا ... مما مهد له الطريق ويسـره لسـرعة الابتعاث لمواصلة دراسات التخصص والدراسات العليا في بريطانيا ... فأثبت هنالك حنكـة وداريـة في مهنـة الطب وتفوقا علميا وأكاديميا فيه ... فكان من الأسباب الأساسية لأن يمنح حـق ممارسـة الطب في مستشفياتها ومدرسـا في جامعاتها حتى وصل درجـة "Examiner" ، وهي درجـة لا يحوزها إلا الراسخون في العلم في مجال تخصصهم ... أولئك المبرزين الأفذاذ والمتفوقين من الذين ميزوا أنفسـهم أكاديميا ومهنيا.
مكث ما مكث في بريطانيا ... ثم عاد إلى وطنه لممارسـة الطب ... وكان ذلك قبل 1725 يوما من تاريخ اعتقاله بتهمة جريمة ممارسـة عمليات الإجهاض لأولئك الفتيات اللائي رمين أنفسهن في أحضان الرزيلة .... ولن يجدن أي مبرر لذلك. "هل نكفي هذه الفترة لإجراء 10.000 عملية ؟ أرى أن الإجابة لا".
تورط عبد الهادي أو – كما زعم ورط – في هذه القضية "وهذا ليس ذو أهمية لنا". وبناء على القانون والشرع المعمول به، وحسبما رأي القائمون عليه ... صدر في حقه الحكم بالسجن ... فقضى بين قضبانه ما يربـو عن الأربع سنوات – ما يقارب الفترة الواقعة من تاريخ عودته إلى السودان وتاريخ دخوله السجن... فأن كان مذنبا ومدانا فقد أكمل دكتور عبد الهادي فترة حكمه ... وإن لم يكن ... فلؤلئك القائمين على ذلك الأمـر وقفة معه أمام قاضي القضاة الأكبر والحكم العدل الأعظم ... يوم لا ينقع مال ولا بنون إلا من أتي الله بقلب ســليم.
والآن خرج دكتور عبد الهادي من السـجن حرا طليقا يستنشق نسـيم الحرية وعبيرها ... خـرج إلى المجتمع والناس ولأهله وعشيرته وأصحابه ومعارفه...
لقد تناولت الصحف السيارة ما تناولت من قضيته ردحا من الزمن طال أم قصـر ... وحققت من حجم مبيعات ما حققت ... وتناقلتها الألسـن بالزيادة والنقصان والتعديل والتغيير والتحسين والتشويه .... كل حسبما يحلــوه له ... ويطعم به مجلس "الونسـة والسوليف" ... مبرزا عضلاته المنطقية والكلامية والتعبيرية كأنما هـو العارف ببواطن أمور تلك القضية وخفاياها ... وقد يكون هـو أبعد الناس منها.
ســوف تنصرف الصحف ... إن لم تكن .. إلى قضايا ومواضيع جذابة أخرى تسعى من ورائها لرفع حجم مبيعاتها ... وسوف ينصرف الناس إلى "شمارات" أخـرى لتطعيم جلسات "ونساتهم".
ســوف تنسى قضية دكتور عبد الهادي ... وسوف يعفى عليها الزمن ويطويها لطي النسيان ... وتصبح في يوم ما نسيا منسيا ... وقد يذهب هذا الجيل ... وتذهب معه قضية دكتور عبد الهادي .... ولن تدون في تاريخ السودان ولا جغرافيته لأنها لا تستحق ذلك ... ولن تقرر ضمن أي مادة من المنهج الدراسي لمدارس جمهورية الســودان.
بما أنه يحمل الجواز البريطاني فإن دكتور عبد الهادي إبراهيم عبد الحـليم .. قد يعـود أدراجه من حيث أتى، ومن المحتمل الأكبر أن يكون قد تلقى اتصالات من جهات عدة طبيـة وجامعات ومعاهد طب في بريطانيا وغيرها هي في أمس الحاجة لخدماته... وقد يؤثر البقـاء في بلاده ... وله في ذلك من القدرات الإنسانية والمواهب الفذة في التعامل مع الجماعات والأفراد ونفاذ البصيرة ووقادة الذكاء وحلاوة المعشر وطلاوته وحسب للخيرات وتسابق وتهافت عليها مما ييسر عليه سـرعة العـودة مندمجا في المجتمع حتى ولو لم يسمح له بممارسـة الطب..... وفوق هذا وذاك – دكتور عبد الهادي ليس خالد مخلد ... فهو بشر وحتما يوما ما سوف يذهب في سبيل الله – وهو ســبيل الأولين والآخــرين.
فإن مكث دكتور عبد الهادي بين ظهرانينا أو آثر الرحيـل .... أو ارتحـل ... فلن يذهب معه المجتمع الســوداني ... سيظل باقيا إلى أن تقوم الساعة أو يأذن الله في أمره شــيئا .... هذا المجتمع الذي طالما تحلى بالفضيلة وجبل عليها وعرف بها ... هذا المجتمع الذي طال ما تسربل بدثار الأصول والتقاليد والأعراف التي ضربت جذورها في تاريخه العريق.... وتبقى الحقيقة الحنظلية ... ثم ماذا بعـد دكتور عبد الهادي إبراهيـم عبد الحــليم؟؟
فكـروا في الإجابـة ريثما أعــود إليكم.
أحمـد ســركيس.