الحكومة في انتظار المعارضة
حامد إبراهيم حامد:
يبدو أن الحزب الحاكم بالسودان قد اكتشف أخيرا ان السودان اكبر من امكانياته للحكم رغم انه ظل على مدى الفترات الماضية ومنذ اجراء الانتخابات المشكوك فيها يصر على انه مفوض شرعيا وشعبيا للحكم ولا مجال لاشراك اى حزب الا وفقا لبرنامج المؤتمر الوطني ولكن هذا القول يدحضه الواقع الحالي الذى فضح قادة المؤتمر الوطني من خلال سعيهم الدؤوب وبكل الوسائل والحيل لاشراك المعارضة ولو جزء منها بالتركيز على الحزب الاتحادي الديمقراطي بقيادة السيد محمد عثمان الميرغني حتى يقنع المواطن العادي ان الحكومة القادمة حكومة قومية تقوم على قاعدة عريضة.
الحزب الحاكم لا يزال في حالة من البحث المضني والدؤوب عن تشكيلة حكومية مناسبة للمرحلة الحالية والقادمة التي يمر بها ما تبقى من السودان، فهو قد تخلى مرحليا عن الشركاء السابقين من احزاب الشقاق وبدأ البحث عن شريك قوي يقوي به موقفه في مواجهة الازمات التى استفحلت في كل اركان البلاد بسبب الحرب وبسبب الضائقة الاقتصادية الناجمة عن انقطاع عائدات النفط الذى ذهب جنوبا.
ورغم ذلك فلا تزال حالة الورطة التى ادخل فيها المؤتمر الوطني نفسه والسودان قائمة ومسيطرة على المشهد السياسي بكل جوانبه خاصة بعدما تأكد لقادة المؤتمر الوطني رفض حزب الامة بقيادة الصادق المهدي المشاركة في الحكومة وبعدما فرض الحزب الاتحادي بقيادة الميرغني شروطا صعبة وبعدما وصلت حالة الاستياء الشعبي مداها بحيث يخشى القائمون على الامر من الحاق السودان رائد الثورات الشعبية بالربيع العربي بثورة تقلع المؤتمر الوطني من جذوره.
فالمؤتمر الوطني يدرك جيدا انه هو المتسبب في ما وصلت اليه اوضاع السودان، بدءا بانفصال الجنوب وذهابه الى دولة جديدة والذى تم بخطة واعية ومدروسة بعناية استخدم الحزب كل أدواته الإعلامية وواجهاته الدينية ومنابره السياسية ذات الدوافع العنصرية البغضية وأذرعه الأمنية التى ظلت تشكك في كل جنوبي وفي كل مواطن سوداني يرى الاوضاع بغير ما يرون كما انهم لم يكتفوا بذلك بل زاد الفجور في الخصومة بجعل الانفصال وسيلة للدخول في حرب من جديد فكانت الحرب في ابيي واخرى في جنوب كردفان وثالثة في جنوب النيل الازرق الامر الذى جعل هذا الانفصال مؤلما لكل للسودانيين الا هم لان الجنوب ذهب ولم تقف الحرب بل بدأت بجنوب جديد.
كما ان المؤتمر الوطني يدرك ايضا ان ما ترتب على انفصال الجنوب من عواقب اخرى كثيرة خاصة فيما يتعلق بالوضع الاقتصادي بالشمال والذى ظل يعتمد على مدى تسع اعوام خلت على نفط الجنوب ويدرك ايضا ان هناك ملفات كثيرة مفتوحة ومستحقة تنصل الحزب الحاكم عمدا منها ومنها الاتفاقيات والتفاهمات الكثيرة والمتعددة والتى تبدا من جيبوتي وابوجا والقاهرة واسمرا وسرت وام درمان وهي مستحقات ظلت متفوحة بسبب اصرار الحزب الحاكم على خرقها او تحويرها وعندما تأكد له مدى زيف دعواه ومدى صدق اطروحات الآخرين يريد الان ان يشرك هؤلاء الاخرين في الغرق معه خاصة بعدما تأكد ان السفينة غارقة لا محالة ولن تنفع معها محاولات التجميل او الترقيع.
فالسؤال المطروح لماذا الاصرار من قبل الحزب الحاكم بالسودان على اشراك الآخرين في الحكم؟ هل الرغبة في ايجاد شريك قوي لاطالة عمر النظام ام توريط الآخرين معه في مستنقع الازمات التى صنعها على مدى اكثر من 20 عاما؟ وكيف لحزب ظل يدعي بإصرار شديد انه مفوض شعبيا للحكم بعدما اكتسح مرشحوه كل دوائر الانتخابات حتى اصبح البرلمان برلمانا حكوميا بلا معارضة الامر الذى جعل بعض المتنصبين له يفكرون في تأسيس منبر معارض بالبرلمان.
من المؤكد ان اصرار المؤتمر الوطني لاشراك الحزبين الامة بقيادة المهدي والاتحادي ( الاصل) بقيادة الميرغني امر محير، ومربك حتى لمؤيدي المؤتمر الوطني وللحزبين خاصة ان الجميع يدرك ان المؤتمر الوطني لن يتخلى عن سياساته وان الحزبين لن يقبلا بهذه السياسات والبرامج، فالصادق المهدي ليس احمد نهار ولا عبدالله مسار ولا الصادق ولد الامام ولا الزهاوي ابراهيم مالك كما ان مولانا الميرغي ليس جلال الدقير ولا احمد بلال اللذين ورثا فصيل زين العابدين الهندي والذى تخلى عنهما حتى آل الهندي.
ولكن رغم ذلك فليس هناك تفسير لمساعي الحزب الحاكم لاشراك الميرغني الا انه يدرك ان الميرغني الذى تخلى عن مقولة سلم تسلم بعدما تسلم املاكه وتعويضاتها سيقبل بالمشاركة في آخر الامر لانه يضع مصالحه الخاصة فوق مصالح السودان وفوق مصالح حزبه وان المؤتمر الوطني سيحقق له كل ما يطلبه لانه يدرك انه لا بديل له بعد اصرار المهدي على المشاركة الا الميرغني الذى هو الوحيد المخول بقول نعم او لا في هذا الامر.
فالاوضاع بالسودان كارثية والمؤتمر الوطني لا يهمه من هذه الاوضاع الا اشراك الآخرين في المستنقع وانه يسعى بكل السبل لتدجين المعارضة ودق أسفين الخلاف في صفوفها بحصر صراعه معها في تحالف الشيوعي والشعبي فقط فيما هو يغازل الآخرين انتظار ان يلبوا دعوة المشاركة في الحكم ولكن لم يوضح للشعب السوداني على أي اساس يقوم هذا الحكم، هل وفقا للمحاصصة السابقة والتى ضمت نهار مسار وولد الامام والزهاوي والدكير والحبر ام يقوم وفقا لمبدأ الجمهورية الثانية التى شكلت اساسا من مثلث حمدي الشهير.
مشكلة السودان الاساسية ليست فقط في حزب حاكم مراوغ يريد البقاء في الحكم باى وسيلة كانت وانما في المعارضة التى لا هي بمعارضة ولا هي باحزاب اصلا، وانما اغلبها تقوم على بيوتات دينية طائفية لا مكان فيها لقول لا للزعيم، ولذلك نجح الحزب الحاكم في استقطاب كل من له طموح وراي مخالف في هذه الاحزاب كما ان هذا الواقع زاد من الانشقاقات الداخلية فأصبح هناك اكثر من امة وهناك اكثر من ثمانية يحملون اسم الحزب الاتحادي حتى اضطر السيد الميرغني لاضافة كلمة الاصل للحزب لتميزه عن الاخرين بالساحة الاتحادية. وان هذا الواقع المؤلم جعل الحزب الحاكم يقرر بالشأن القومي كيفما شاء ووقتما يشاء فيوقع اتفاقية مع هذا وينقضها في اليوم التالي لضم ذلك ويشق الشريك مواليا كان ام صديقا الامر الذي جعل من ازمات السودان تتراكم وتتدول حتى اصبح لكل الدول الكبرى مبعوثون يجولون بالسودان ويقررون بشؤونه والحزب الحاكم والمعارضة يتفرجان الاول لا يهمه في الامر شيء مادام هؤلاء لا يمسون حكمه والثاني ليس بيده شيء لانه تخلى طوعا عن ادوات الضغط على الاول واصبح ينتظر الفتات منه.
الراية