أول مرة أسمع فيها باسم الوزيرة اشراقة سيد محمود كانت بمناسبة القرار الوزاري رقم (1) الذي اصدرته عقب جلوسها على كرسي وزارة التعاون الدولي، وهو القرارالذي قضى بتعيين شقيقها (مجدي) في وظيفة (بودي قارد) بدرجة مدير مكتب بوصفه (مُحرم شرعي)، والواقع أن هذا الخبر لم يستوقفني كثيراً بمثلما فعل للكثيرين عند اعلانه، فالفكرة على طرافتها تتفق مع أصول الدين، كما أنه - والحق يقال- فان الوزيرة، باسم الله ماشاء الله، تستحق أن تعيٌن شقيقها لحراستها من عيون الشمشارين وذوي الغرض، فهي من بين القليلات من القياديات الانقاذيات التي تستحق الحراسة من العين، فمعظم قياديات الانقاذ يصلُحن كحارسات لا محروسات.
ومن جهة ثانية، ليس في تعيين مسئول رفيع في مقام الست الوزيرة لشقيق أو قريب - في هذا الزمن - ما يدعو للوقوف عنده، فليس في (مجدي) ما يجعله أقل من أشقاء وأبناء وأقرباء المسئولين الآخرين الذين تبوأوا مناصب أعلى بكثير من وظيفة (مُحرم شرعي)، فأشقاء وأبناء الذوات يشغلون المناصب في الدولة بالكيفية التي تناسب ظروفهم الشخصية، فيختار الابن أو الشقيق العمل في المجال العسكري أو الديبلوماسي أو غيرها من الوظائف التي تناسب الهواية والرغبة والهوى، وهيأت علاقة القربى لآخرين من الأشقاء والأبناء والأقارب فرصة الدخول الى دنيا المال والأعمال، ومن بين هؤلاء، شاب كان عاطلاً مثل أقرانه من الخريجين لسنوات طويلة، ثم يسٌر له الله الزواج من كريمة الوزير عوض الجاز (2005)، فانفتحت له أبواب النعيم الذي يركل فيه اليوم بعد أن أصبح رقماً بين رجال الأعمال في دنيا التجارة، فالانحدار من صلب واحد مع وزير أو مسئول أصبح في ذاته وظيفة، (كشفت وثيقة نشرت بالصحف وهي عبارة عن تصديق بفتح صالة كبار الزوار لرجل وضعت في خانة وظيفته أنه "شقيق وزير").
بيد أن الذي دفعني للوقوف على باب الوزيرة اشراقة هذا الاسبوع، هو ما كشفت عنه الوزيرة من فهم لطبيعة عمل وزارتها، فالوزارة (التعاون الدولي)، كان ينبغي أن تكون لها أن تلعب دوراً كبيراً في ظل ظروف السودان الحالية التي يحتاج فيها الى (تعاون) ووقوف (فاعلي الخير) من الدول وأثريائها الى جانبه في محنته المالية بعد أن نضبت الخزينة العامة وذهبت أموالها مع الريح الى حيث ذهبت، بسبب توقف الأنبوب الذي كان يتدفق ذهباً، فالوزيرة اشراقة، لها (صفة) رسمية ومقبولة كمسئولة عن ملف التعاون الدولي، لكي تبحث عن مصادر العون الأجنبي، وتستطيع – بهذه الصفة – الجلوس (في وجود المحرم) مع شخص مثل الأمير الوليد بن طلال بدلاً من الدكتور مصطفى اسماعيل، فالرجل وظيفتة مستشار رئيس جمهورية، وهي وظيفة لا تحمل (صفة) تؤهله للقيام بمثل هذا العمل، وهو (مصطفى) لا يُحسن حتى اختيار مرافقيه، الذين يجلبون للبلد المذلة بدلاً عن العون، فقد اصطحب مصطفى معه في طلب عون الأمير(فتوة) قيل أنه يشغل وظيفة ديبلوماسية، ظل يطأطئ رأسه حتى كاد أن يبلغ قدميه في حضرة الأمير ، وهو يحمل هدية في حجم صندوق التلفزيون، ومع ذلك لم تسفر تلك الزيارة سوى تبرع متواضع لأحد الفرق الرياضية.
لكن، الوزيرة اشراقة فهمت مهمة وزارتها في شأن التعاون الدولي بالمعكوس، فبدلاً من أن تقوم بفتح الطريق امام الدول التي ترغب في تقديم العون، ذكرت في أول مؤتمر صحفي لها بعد تسلمها الوزارة بأنها تنوي (طرد) الدول التي (تقدم العون)، طيب ليه كده؟؟، قالت لآن تلك الدول قد (شالت حالنا وحسٌنا) بالافتراء علينا (كذباً) بأن الأهالي في جنوب كردفان والنيل الأزرق يعانون من فجوة غذائية وهي (الدول) تدعي بأنهم في حاجة لاغاثة بسبب الحرب الدائرة في المنطقتين، ثم ذهبت الوزيرة خطوة ابعد من ذلك في حديث الصراحة وقالت " ان المقصود بهذا الكلام هم الأمريكان، وقد أبلغنا القائم بالأعمال الأميركي في الخرطوم دينيس هانكنسن، بأنه في حال لم يكفوا عن الترويج لوجود فجوة غذائية في تلك المناطق سنقوم بطردهم”.
نحن نصدق الوزيرة فيما زعمت بأن الأمريكان قد افتروا علينا بهذا القول الكاذب، فالأهالي في تلك المناطق يأكلون ثلاث وجبات في اليوم، مثلما يفعل أهل بيتها في الخرطوم، ولا يشكون فقراً ولا نقصاً في الغذاء ولا الكساء، فالمواطن الهمجاوي (قبيلة) أو البرناوي بجنوب النيل الأزرق يشتري كل احتياجاته بسهولة من البقالة في قريته بجبل الطينة أو خور الدوم أو مقنزا، وكذلك يفعل نظيره النوباوي في هيبان وكاتشا التجارية، والمياه النقية تصل المواطن هناك مباشرة من صنبور الحمام في منزله، فيأخذ (شاور) قبل أن يخرج لحقله في الصباح، وأطفالهم يذهبون الى المدارس ويتناولون وجبة الافطار من ساندويتشات (لذيذ) فرع الانقسنا ونظيره في لقاوة، ويحتفلون بتخريج صغارهم من رياض الأطفال تماماً مثلما يحدث لأقرانهم الذين تعرضهم قناة النيل الأزرق كل مساء، فكل ذلك صحيح ويدخل العقل، وليست هناك فجوة غذائية ولا يحزنون، ولا ينبغي لأمريكا أو غيرها أن تعيرنا بما ليس فيهم.
لكن، كان الواجب على الوزيرة أن تسأل زميلها (كرتي) المسئول عن الخارجية عن الجهود التي تبذلها الانقاذ في ارضاء أمريكا مع كل ما تفعله بها من أذى يفوق كثيراًمجرد اطلاقها فرية من هذا النوع، وهي فرية يمكن للوزيرة أن تدحضها بكل سهولة اذا ما تكرمت بالقيام بزيارة تلك المناطق بنفسها، ثم تعرض على العالم في شاشات التلفزيون ما يوضح مقدار السعادة والهناء التي يعيشها المواطن في تلك المناطق.
فالوزيرة - لعله بسبب حداثة السن والتجربة - قد لا تعلم نتائج مثل هذا التهديد، فقد جربت الانقاذ هذا السلاح مع أمريكا بأقسى مما فعلت الوزيرة، وقالت أنها ستمحوها عن الأرض، ولكنها عادت ودفعت ثمن ذلك على داير المليم، فلم تترك باباً للتكفير عن خطئها دون أن تطرقه، فالعم (كرتي) يزور أمريكا بأكثر مما يزور قبر المصطفى (ص) الذي كان قد قال أنه نذر نفسه لنشر دعوته بالاسلام، وفي كل طائرة متوجهة لأمريكا مقعد لمسئول انقاذي مصطحباً وفداً من وزارته وبعضاً من أهل بيته، يبتغون مجرد تلميحاً منها (أمريكا) بقرب رفع اسم السودان من قائمة حظر تصدير البضائع وقائمة الدول الراعية للارهاب، والقائمة الأخيرة تقف خلف عدم امكانية طرح ملف اعفاء الديون الخارجية على السودان على طاولة المفاوضات، ولا أعتقد أن للوزيرة فكرة عن مقدار تلك الديون والفوائد التي تترتب عليها، بذات القدر الذي لا ندري فيه نحن – رعايا دولة الانقاذ – فيم صرفت تلك الأموال.
الانقاذ أدركت - ولكن الوزيرة اشراقة لم تكن تدرك – أنها لا يمكن أن تناطح أمريكا، فأمريكا، سواء بالحق أو بالباطل، تملك الحل والعقد في كل ما يجري في العالم، وتدرك الجماعات الاسلامية التي وصلت للحكم في ليبيا وتونس هذه الحقيقة، وهي تعمل حالياً على صياغة موقفها من الدين بما لا يغضب عليها أمريكا، فأمريكا ليس بالضرورة أن تستخطم قوتها العسكرية للتعبير عن غضبها، فقد استطاعت باشارة من أصبعها أن تحمل كل الدول، وآخرها الهند، على التخلي عن شراء البترول من دولة ايران، وهو خطوة من شأنها أن تُدخل أيران التي يشكل البترول واحداً من أهم مواردها الاقتصادية في ما يمكن تسميته بقفل (بلف رافسنجاني).
والمقاطعة الأمريكية التي يخضع لها السودان حالياً، من الصعب الالتفاف حولها بالفهلوة عن طريق استيراد البضائع وقطع الغيار باسم دول أفريقية أوآسيوية ثم يتم تسريبها تحت الطاولة للدولة الخاضعة للمقاطعة، فقد انتبهت أمريكا لذلك واتخذت الخطوات التي تضمن عدم نجاح مثل هذه الحيلة ، فوضعت شفرات لتشغيل الماكينات وتفعيل عمل قطع الغيار للطائرات والمصانع بحيث لا تعمل الاٌ بمعرفتها عند وصولها لأراضي الدولة المقصودة، وقد كلف الجهل بهذه الحقيقة حكومة الانقاذ بلايين الدولارات التي أهدرت والتي كشفت عنها فضيحة افتتاح مصنع سكر النيل الأبيض حين امتنعت ماكينات المصنغ عن الدوران لغياب (شفرة التشغيل) بعد أن علمت أمريكا بتسريب المصنع الى السودان من وراء ظهرها.
ولكن الآن لا بد أن تكون الوزيرة قد أدركت هذه الحقائق بعد أن تذوقت بنفسها مقدار الفشل الذي تجرعته هذا الشهر بعد كل المجهودات التي بُذلت والأموال التي أنفقت في سبيل قيام المؤتمر الاقتصادي في اسطمبول، والذي كان يهدف لحشد الاستثمارات الدولية في السودان، ثم انفض سامر المؤتمر قبل أن يبدأ بعد اكتمال كل الترتيبات وموافقة الدول المشاركة على الحضور بمجرد اعلان أمريكا انسحابها من المؤتمر نتيجة الدواعي التي تمت الاشارة اليها فيما سبق.
في الاسبوع الماضي، خرجت الوزيرة عن نطاق (التعاون الدولي) المفقود، وانضمت الى جماعة التصريحات الموجعة في مدرسة الانقاذ، فقد وقفت الى جانب (مُحرمها المنزلي) في مؤتمر صحفي عقد بمدينة نصر بالقاهرة، وقالت فيما قالت: " ليس هناك خطر على حكومة الانقاذ من الربيع العربي، لأن الصوت السياسي في السودان يكاد يكون موحداً وليس لديه مشكلة مع النظام الحاكم" ثم مضت تقول: " أنني أقول بهذه الحقيقة بصفتي عضو في حزب سياسي وليس كوني مسئولة تنفيذية، فالسودان يشهد استقراراً سياسياً كبيراً لوجود حكومة عريضة من أحزاب تمثل 70% من الشعب السوداني" وقد نشر هذا الحديث في عدد من المواقع الاليكترونية نقلاً عن صحيفة (اليوم السابع) المصرية.
الحزب الذي تنتمي اليه الوزيرة (الاتحادي الديمقراطي فرع الدقير)، حزب بلا جمهور، وعن نفسي لا لم أسمع بمواطن سوداني واحد قال عن نفسه أنه (اتحادي دقيري دهمشي)، وهو حزب تتكون عضويته من مجموع الوزراء والمستشارين والمعتمدين الذين تقاسموا (حصة) الحزب في المناصب الحكومية فيما بينهم، ولا ندري من أين أتت الوزيرة بنسبة ال 70% التي قالت بها، ولا بما قالت به من عدم وجود ما يدعو لهبوب ثورة الربيع العربي على السودان، وهو قول سبقتها فيه صنوتها الوزيرة الشابة سناء حمد، وزيرة الدولة بالاعلام، ففي مقابلة تلفزيونية معها عقب توليها الوزارة، قالت الوزيرة سناء : " ان عضوية المؤتمر الوطني تمثل تسعين بالمائة من الشعب السوداني ، ولا توجد معارضة للمؤتمر الوطني ، وكل الذين يعارضونه يفعلون ذلك من خلف ( الكيبورد) " .
وما قلنا به من تعليق على حديث الوزيرة سناء في مقالنا المنشور بعنوان (سودان الهناء في زمن الوزيرة سناء) يصلح أيضاً للرد على الوزيرة اشراقة، وهو قول استلهمناه من ما قالت به الممثلة الحسناء الهام شاهين التي شاركت بمحادثة هاتفية في برنامج عُرض بالتلفزيون المصري أثناء اندلاع ثورة يناير، وقبل أن يكتب لها النجاح، فوصفت الثوار الذين تجمعوا بالملايين في ميدان التحرير بأنهم (شوية صيٌع وبلطجية)، وقالت عنهم : " حتى لو اعتبرنا أن هناك مليون متظاهر بميدان التحرير فهناك 81 مليون مصري يجلسون في بيوتهم ويرفضون المشاركة في هذه الفوضى وهم يؤيدون الرئيس مبارك"، ويا للحكمة في تشارك الأفكار بين نساء شمال الوادي وجنوبه، ويبقى الفرق في ان (البودي قارد) الذي يتبع الهام شاهين ليس من محارمها.
سيف الدولة حمدناالله - الراكوبة