الطيب مصطفى و متلازمة يونس شلبي
كنت قد اصبت - خلال فترة سابقة - بمرض اسمه ( متلازمة الزومة ) وباللاتيني ( زوما سيندروم ) واعراض المرض تتمثل في رغبة عارمة لا يمكن السيطرة عليها تنشأ لدى المريض تدفعه للقيام بتكدير نفسه وتعذيبها بمطالعة المقال اليومي للصحفي عبدالرحمن الزومة ، وقد شفاني الله – وله الحمد - من تلك المتلازمة باختفاء الزومة من دنيا الكتابة الصحفية ، ولكن جسدي لم يهنأ بالعافية طويلاً قبل ان يتحور المرض اللعين ليظهر مرة اخرى في صورة اكثر حدة مع ( متلازمة الطيب مصطفي ) وتعرف ايضًا ب ( متلازمة يونس شلبي ) ، وقد شملت اعراض المتلازمة الاخيرة – الى جانب الاطلاع على المقالات - شعور برغبة لا تقاوم لمشاهدة المقابلات التلفزيونية لصاحب المتلازمة سواء التي تبث على الهواء او بالبحث عنها في موقع (اليوتيوب).
لم اكن ادرك خطورة هذه المتلازمة ، حتى تبين لي ان صاحبها الطيب مصطفى – لفرط غفلته - يعتقد ان وراء كل قارئ لمقالاته ، وكل مشاهد لطلاته البلورية ، مشروع عضو بمنبر سلامه العادل ، فالطيب مصطفي يعتمد في حساب مؤيديه ومناصري حزبه على رقم توزيع صحيفته "الانتباهة" التي يقول عنها انها الاوسع انتشارًا ، وعدد قراء مقالاته بالصحافة الاليكترونية وعدد مشاهدي حلقاته ب (اليو تيوب) ، فوجدت نفسي – بالحق او بالباطل – في عداد زمرة منبره العادل جنبًا الى جنب مع الصادق الرزيقي واسحق فضل الله .
وكنت ، لوقت طويل ، امني نفسي بانتهاء سقمي وبلوغي العافية في يوم التاسع من يناير الحالي ، وهو اليوم الذي يشهد نهاية معركة صاحب المتلازمة مع وحدة الوطن ، يوم يذبح الذبائح احتفاًلا بتحقيق آماله واحلامه بتقسيم البلاد والعباد ، كما منيتها – نفسي – بان يكف حينها الخال الرئاسي عن حديث ( الصداع والسرطان ) و ( القط والفأر ) و ( الرويبضة ) وهو الحديث الذي يحمل في طياته الجرثومة المسببة للمرض.
لكن ، في يوم 10 يناير ، ادركت ان رحلتي مع هذه المتلازمة لن تنتهي الا بقبض روحي الى بارئها او روح صاحبها الطيب مصطفى (ايهما اسبق) ، فقد نشر الرجل يوم امس اول مقال له بعد ان اصبح الانفصال حقيقة قائمة ، وقد جاء المقال بعنوان ( وبدأت معركتنا مع العملاء ) حيث جاء فيه ما يلي :
" الان وقد انزلنا الجنوب عن كاهلنا واوقفنا مسيرة الدماء والدموع واحتفلنا بيوم الاستقلال الحقيقي وقطعنا رأس الافعى ، لم يبق لنا الا الذنب المتمثل في قطاع الشمال بالحركة الشعبية ...... " ثم يمضي فيقول " انه قد حان الوقت للالتفات لمواجهة ( خوازيق ) الحركة الشعبية – بحسب تعبيره - في جبال النوبة وجنوب النيل الازرق .... ليس هناك ما يسمى بقانون المشورة الشعبية ذلك ان اتفاقية نيفاشا تموت وتشبع موت بمجرد حدوث الانفصال " ثم يصف مالك عقار ( والي النيل الازرق ) وعبدالعزيز الحلو ( نائب والي كردفان ) بانهما ( خوازيق ) من اجل انفاذ مشروع السودان الجديد الذي تبشر به الحركة الشعبية .
ثم يبدأ الطيب مصطفى مشوار معركته الجديدة بمخاطبة حكومة الانقاذ فيقول :
" ان على المؤتمر الوطني ان يعلم انه مسئول امام الله وامام الشعب عن كل ذرة تراب .... وعليه ان يتخذ من التدابير ما يمكنه من استرداد ارض الشمال التي وطئتها حوافر الجيش الشعبي الذين كانوا ولا زالوا ضمن منظومة الحركة ."( انتهى كلام الطيب مصطفى)
الذين وصفتهم المتلازمة الرئاسية بحوافر الجيش الشعبي الذين يدعوا الطيب مصطفى لاجتثاثهم ، هم في واقع الامر ابناء المنطقتين ( جبال النوبة وجنوب النيل الازرق ) سواء في نسخة المساطب الشعبية من المقاتلين وحملة السلاح او في نسخة زوي الياقات الزرقاء من القيادات السياسية لابناء المنطقتين ( الحلو وعقار ) ، ولا ادري سبب واحد يدعو ابناء المنطقتين ولا قياداتهما للتخلص من مواقفهم وانتماءاتهم السياسية لمبادئ الحركة الشعبية بدعوى انفصال الحركة الام عن حضن الوطن ، ولو شئنا الحق ، فان وصول الحركة الام لتقرير مصيرها وانفصالها عن حضن الوطن ، لهو ادعى لابناء المنطقتين للسير في طريقها لا التخلي عنه ، ما دام هو الطريق الذي يقود للخلاص من دولة يجاهر رئيسها بعدم اعترافه بثقافتهم وعرقهم غير العربي .
لقد قلنا – ولن نمل القول – ان اتفاقية نيفاشا ستظل سارية حتى تنفيذ كامل بنودها المتعلقة بقانون المشورة الشعبية الخاص بمنطقتي جبال النوبة وجنوب النيل الازرق ، وان حكومة الانقاذ لا تستطيع ان تتحلل من التزاماتها بموجب الاتفاقية بمجرد فراغها من ترتيبات انفصال الجنوب في اوائل يوليو القادم كقول الطيب مصطفى ، فالوصول للميس في جانب من الاتفاقية لا يعني سقوط جوانبها الاخرى المتصلة بمناطق اخرى خلاف تلك الواقعة في محيط جنوب السودان ، وكما قلنا - ايضًا - فان اتفاقية نيفاشا ليست كاتفاقية القاهرة او ابوجا لتقذف بهما عصبة الانقاذ الى سلة مهملاتها متى ارادت ، فسوف تجبر حكومة الانقاذ على تنفيذ نصوصها رضيت بها او لم ترضى ، لان ضمان تنفيذ بنودها ليست مرهونة بارادة المؤتمر الوطني وحده.
شخصيًا ، عندي قناعة تامة بأن الطيب مصطفى يتحمل – لوحده - جزءًا مقدرًا من اثارة اسباب الفرقة والكراهية التي افضت الى انفصال الجنوب ، وقد سبق ان سطرت في هذا المقام تجربة شخصية ، فعند زيارتي لمدينة جوبا في فبراير الماضي لاحظت انتشار توزيع صحيفة ( الانتباهة ) في كل مكان ، كما لاحظت ان ابناء الجنوب يتبادلون فيما بينهم حديث الشتائم والتحقير الذي يكتبه في حقهم الطيب مصطفى واخوته الرزيقي واسحق في كل عدد من اعدادها وتطاولهم على رموزهم وقادتهم السياسيين .
لقد برزت – بالفعل – اصوات في جبال النوبة وجنوب النيل الازرق تطالب بحق تقرير المصير اسوة بشعب الجنوب استنادًا لقانون المشورة الشعبية الذي فسر بانه يمنح مثل هذا الحق ، وانني على يقين من ان ( بداية المعركة ) التي بشر باندلاعها الطيب مصطفى في المنطقتين سوف تكون الشرارة التي لن تنطفئ في طريق انفصال المنطقتين ما لم يتم الحجر عليه .
سيف الدولة حمدناالله عبدالقادر
منقول من سودانيز اون لاين .. بعد اخذ الاذن من كاتبه