فيلم الشيخ والسكران ..من تحت نظارة الرقابة !
محمد عبد الله برقاوي..
bargawibargawi@yahoo.com
ع موظف كفؤ صحيح أنه يدخل الى عمله أحيانا متأخرا قليلا ، فهو غالبا ما يعمر الطاسة ليلا برشفات الوهم ، هربا من واقعه المريركما يقول مبررا الغيبوبة من سوء الأوضاع ، ولكنه حينما يجلس خلف مكتبه ، مبدع في انجاز واجبه ، أداءه متميز ومعامتلة حسنة مع زملائه وزميلاته وكافة صنوف المراجعين وطبقاتهم دون تفرقة ، لم يسمع عنه مرتشيا ولا متلاعبا في عهدته ، لا يتعاطى السياسة مع أنه مثقف جدا ولديه تحليلات عبقرية وأراء نيرة في كل شيء ، لذا تخطته قائمة الصالح العام مرات عديدة ، لم يكن يرتاد مكتب رئيس الهيئة الانقاذي الا لماما وعند استدعائه له فقط !
ولا يشاهد ع يصلي خلف الرئيس الذي يؤم الموظفين عند الظهر، لم يمضي قليل من الأعوام حتى ظهرت ملامح النعمة على رئيس الهيئة ، انتقل الى منزل منيف جديد في الرياض ملك حر ، وخصصت له الادارة أكثر من سيارة فارهة لتنقلاته وأسرته وباتت سفرياته تتكرر مرة على الأقل في الشهر بالدرجة الأولى طيران وبدل سفرية مفتوح بالعملة الصعبة ، تارة الى ماليزيا ومرة لقضاء صفقات شركاته الخاصة أو مؤتمرات التنظيم هنا داخليا وهناك خارجيا وبالمرة يعرج لزيارة أنجاله وكريماته الدارسين في لندن وباريس، و رحلات أخرى للعمرة ،أما الحج فضمن البعثة الرسمية الراتبة سنويا !
في أحد الأيام دلف ع الى المصلحة متأخرا ساعة ، فوجد كشوفات الحضور قد طويت وطلب منه موظف الاستعلامات مراجعة الرئيس الكبير، حسب تعليماته !
قبل أن يكمل تحيته وهو يدخل ، انتهره الشيخ ، أين أنت ايها السكران الحيران ؟
لم يحتمل صاحبنا النبرة مع أنه لم يغضب من الحقيقة ، فحمل طاولة صغيرة وجدها أمام لحظة استفزازه ورمى بها ناحية الرئيس الذي اندس تحت مكتبه وهو يستدعى رجال أمنه ، فلاحقه ع .. قائلا ، أيوه انا سكران من وجع فعايلكم ولكني لست مثلك سارق وحرامي بمرسوم رئاسي ، قدوتك قادة نظامك وقد سرقتم السلطة ودمرتم البلد ، ولازال ع ينثر الهواء الحار من صدره شررا ناحية الرئيس حتى وجد نفسه مشدودا ومحمولا الى خارج المكتب !
أصلح الرئيس من عمامته التي ترامت حتى قدميه ، ووضع شاله على كتفه ، ثم نهض وشفتيه الراجفتين تحوقلان وتستعيذان ، عرف الآن فقط أو كما حدثته نفسه أن ع لابد شيوعي ملحد وبدأ يسفر عن فهمه في السياسة ، فاستدعى سكرتيرته لصياغة كتاب احالته للصالح العام !
لم يمكث ع كثيرا حتى أرسل له صديقه ف المقيم في احدى دول اسكندنافيا دعوة عبر صديق في القاهرة مهد له اجراءات السفر ، فالتحق به هناك !
كل شيء وجده متوفرا ،خاصة ما كان يسميه الفرح بكل أنواعه سوائل ومعها مزة كاملة الأركان ، يرتاد مواخيرالمدينة ويكلم نفسه ضاحكا ، وكمان من غير قانون نظام عام !
ثم لم يلبث أن وجد العمل وقد تلقفته احدى المنظمات الانسانية في معسكر لايواء اللاجئين وهو المؤهل لغة وأخلاقا !
فجأة يتعرف على فتاة اسكندنافية محجبة ياللغرابة هنا !
ومن أنت يسألها؟
قالت ..مسلمة بقناعتي وعقلي وادراكي !
تأبطها بحب وكأنها ملاك نزل من السماء لم تمضي اشهر قليلة حتى توافقت بينهما الرؤى في كل شيء ، رأت فيه انسانا نظيف الأعماق ، ووجد فيها عقل الأنثى التي جربت كل شيء ثم عادت بارادتها الحرة لطريق أختارته هي .
وذهبا الى الماذون وتزوجا ، قالت له ، الا يحرم الله الخمر علينا نحن المسلمين ويامرنا بأداء تكاليفنا ونحن أنقياء من درن النفاق والرياء ،والأمر متروك لك !
فحطم الكأس ، وولى وجهه شطر البيت الحرام وصار من مؤسسي المسجد الصغير الذي يضم المسلمين نساءا ورجالا في بلاد تموت من صقيعها الحيتان !
عاد صاحبنا الى السودان بعد عشر سنوات لزيارة أهله مع زوجته وبنتيه الحلوتين ، وهويحمل جوازا آخر في جيب انسان مختلف ! و بعد أن صلى الجمعة عند الصف الأول في المسجد العتيق بالخرطوم، وأراد أن يقول لمن صلى على يمينه ، حرما ، ونظر كل منهما نحو الآخر ، تفاجأ كلاهما بصاحبه القديم وياللصدفة ، الرئيس وع .. وجها لوجه!
حاول الرئيس أن يتجاهله متظاهرا بعدم المعرفة ، فابتسم ع ، وكأنه يقول له بعينيه في صمت ناطق !
دفعتني الظروف قسرا لتعاطي المر وضاق عيشي ، فحملتني أجنحة الهجرة وكنت مواطنا في بلاد فيها اسلام ويحكمها منافقون كم أذلوني واهانوا كرامتي ممثلين في شخصك، وأتتني الهداية في بلا د احترمت انسانيتي وجعلتني مواطنا عالي الرأس وهي ليس فيها اسلام ويحكمها أهل الصلاح غير المسلمين !
ثم نهض لركعتي السنة ، بينما غادر المسئؤل الذي أصبح كبيرا بالسرقة ونفوذ الجماعة، المسجد مسرعا تحفه ثلة من الحرس أحدهم مهمته حمل الحذا ء ليستبدله الشيخ بآخر خفيف عند السيارة، مجهز خصيصا لوضوء الصلاة التى تنهى عن الفحشاء والمنكر!
ومن هنا كانت بداية الفيلم وبقية قصته الطويلة المملة، التي شارفت على النهاية .
استراحة..ونواصل العرض ..